الدروس المستوحاة من مبادرة معاذ الخطيب
2013-02-01
كان الأمر يحتاج إلى شجاعة رجل كمعاذ الخطيب ليطرح مبادرة بهذا التوجه حين كتب على صفحته في الفيس بوك " أعلن بأنني مستعد للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام السوري في القاهرة أو تونس أو اسطنبول" مشترطا إطلاق 160 ألف معتقل من السجون السورية وخصوصا "النساء ومعتقلي المخابرات الجوية وسجن صيدنايا"، وتمديد أو تجديد جوازات السفر للسوريين الموجودين في الخارج لمدة سنتين على الأقل." كان فيما قال رجلا يعرف ما يفعل، وكيف يفعل، ومتى يفعل. رجلا قرأ الواقع جيدا، ودخل في عمق قضية بلاده واتخذ قرارا أحرج القوى العالمية جميعها. فقد كانت التوقعات جميعها تقول أن الثوار السوريين وقد بلغوا ما بلغوا من شأن ثورتهم، بعد أن صمدوا كل هذا الصمود في وجه شراسة الطغيان وبغيه، لن يوافقوا ولا بشكل من الأشكال بالحوار مع الطغاة. و بنوا على هذا الأساس استراتيجياتهم للمدى البعيد. كانت مفاجأة لهم جعلتهم يسرعون بدعوته لاجتماع عاجل ليقرؤوا من خلف كلماته حقيقة توجهاته. هذا هو النصر الأول.
وما يجب التوقف عنده قبل الانتقال للدرس الثاني هو أن السيد معاذ الخطيب قد أكد بوضوح أنه لا يوجد ثقة بنظام يقتل الأطفال ويهاجم المخابز ويقصف الجامعات ويدمر البنية التحية لسورية، ويرتكب المجازر بحق الأبرياء، وليس آخرها مجزرة حلب غير المسبوقة في التوحش، ظناً منه أنه سيرهب الأمة التي تعشق الموت، وترجو الله الشهادة". وهو على هذا الأساس سيذهب للاجتماع وفي ذهنه إلى أين هو ذاهب ومع من سيتفاوض، وكيف سيتم التفاوض، فهو على علم ودراية بكل أساليب النظام، ولن يسمح له بأن يلف ويدور ويلعب بالكلمات، هو سيذهب وشرطه الأول مغادرة المجرم سورية وتسليم القيادة لغيره وسيتفق حول "غيره" تلك، فمن يطرح مبادرة بهذه الجرأة لاشك يعرف بعد ذلك طريقه ويعرف إلى أين هو ذاهب.
النصر الثاني الذي حققه الخطيب لمصلحة الثورة السورية يكمن في كشف الوجوه المختفية خلف مانشيتات عريضة تقول لا وترددها كببغاوات، كما كانت سابقا تقول نعم وترددها كببغاوات أيضا، فأول ردود الفعل كان الرفض للمبادرة، وبعد الرفض جاء من يقول الرفض ليس من مصلحتنا لنترو قليلا فقالوا أنهم في الإتلاف سيناقشون ما جاء في المبادرة، ولكنهم يقصدون أنهم سيلومون الخطيب على المأزق الذي وضعهم به.
الحقيقة أن هذا الرجل القادم من منبر الجامع الأموي، والذي جاءوا به إنقاذا لتشكيل الإتلاف، وللخلافات التي دارت حول سيطرة الإخوان المسلمين عليه، قد فاجأ الجميع، ووضعهم في مأزق حقيقي. تبين وكما يحدث في الحكايات أنه ليس كما توقعوه، وأنه يملك الكثير ليقدمه، وليفعله وأنه لن يكون أداة طيعة في يد أحد. وقد توضح ذلك في الأثر الذي تركه والبلبلة التي سببها في صفوف المعارضة السورية التي فاجأها هذا الطرح وهي التي كانت تنام مستسلمة لقرار اللاحوار الذي يمد من أمد حياتها المنعمة طويلا.
لقد أدرك الخطيب وقد أصبح داخل اللعبة السياسية وليس خارجها أن الدول الغربية غير مهتمة بالسوريين، وغير مهتمة بسوريا كجغرافيا وتاريخ وواقع، بل جل اهتمامها يصب في أماكن أخرى، وعرف أيضا أن من مصلحة الغرب وجود أنظمة استبدادية تقف في وجه أي تحرك لهذه الشعوب في سبيل حياة أفضل، وفي سعيها لاسترداد كرامتها التي أهدرها العسكر على مدى عقود. كما أدرك أيضا اللعبة السياسية التي تحاك في العلن المخفي بأن اتفاقا روسيا أمريكيا بات وشيكا حول حل سلمي متوقع يمكن أن يبقي على نظام الرئيس الأسد لفترة انتقالية قد تطول لبضعة أعوام.
كل ذلك دفعه ليستبق الأمور، والأكثر من ذلك كان عليه أن يستبق الروتين فلو أنه طرح مبادرته تلك على الإتلاف ليوافق عليها لكانت ماتت في أرضها، وكان في سباق مع الزمن لكي يستبق الأمور ويضع القوى الكبرى في مأزق، فهي كانت تعتمد على ممانعة المعارضة لأي حل يتحدث عن حوار مع النظام، فقال أنه مستعد ولكنه وضع شروطا تعجيزية بالنسبة للنظام، ولكن لا يمكن تجاهلها من حماته ليس امامنا وإنما أمام شعوبهم خصوصا الأمريكان. لقد لعب اللعبة ببراعة وأوقف مؤامرة كان يمكن أن تنهي الثورة.. ولنتذكر أن مبادرة كالتي نحن أمامنا اليوم قد تكون مخرجا حقيقيا للثورة قبل أن يتم دفنها.
لن نقول له نعم فهي كلمة يجب أن تلغى من قواميسنا، بل لنقف معه ويدا واحدة ولنؤيد طرحه السياسي والأخلاقي والواقعي بكل السبل ليصل إلى هدفه ـ هدفنا.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |