جيران الحروب
خاص ألف
2013-06-06
غرفة واطئة... وضيّقة بجدران رطبة صيفاً شتاءً، قد تتسع لحُـلم واحد فقط...! فعندما تريد ولوج المطبخ الذي يُـسمى هكذا، لا بدّ عليكَ أن تحني نصف قامتكَ وكأنكَ احدودبتَ أو صار عمركَ بعدد الشروخ الناعمة في الجدران التي تحيطكَ كالهواجس اليومية.
على حدّ قول أحدهم في الحي، أن صاحب البناء "أجّرها" لعائلة من ريف دمشق، بعد أن خرجَ منها ذاك الشاب العشريني ذو الشعر الطويل والمشية الأنثوية، الرقيق كورق السجائر..!
منذ أن قطنوا فيها بعد تهجيرهم، وهدم بيتهم كما أخبرني الشاب، بدأت المسرحية اليومية، الصباحية والمسائية.
كنت أعاني من الهدوء دائماً! في هذا البناء الذي أقطن فيه أيضاً، منذ ثلاث سنين تقريباً.
إن دَبَّ صرصارٌ في مدخل البناء، كنت أحسُّ فيه..!
لعلها ليست مشكلة، في أن يكون المكان الذي أنتَ فيه ساكناً بنسبة كبيرة.. لكن هذا الهدوء ليلاً أو فجراً كان يصفعه هدير الطائرات الحربية، وأصوات القذائف ، طبعاً، تلك الأصوات بعيدة عني، لكني أجدها قريبةً جداً لضراوة فعلها في الأمكنة التي تسقط عليها! وأيضاً تلك الأمكنة ليست ببعيدة عن المنطقة التي أقطن فيها.
القاطنون الجدد، في البداية كانوا شاباً وزوجته وابنتهما الصغيرة... ومن ثم أتت العائلة بأسرها:
الأم، الأخت وأولادها الثلاثة، عداك عن الزائرين بين الفينة والأخرى!!.
كنت أستغرب من اتساع المكان لهذا العدد، الذي بالكاد إذا تمددوا على الوضعية التي يستخدمها السجناء سوف تتزحزح الجدران من مكانها!.
من المؤكد، وعلى حسب ظني، أنهم كانوا هناك في بيوتهم يتكلمون عن الزراعة، وعن كمية الحليب التي أنتجته البقرة، وعن موسم الخضروات والفواكه، وكانوا يُميزون بين النبتات الصغيرة المتشابهة، وأيضاً يتقنون تصنيف المبيدات الزراعية، ومزاياها؛ ولم يفكّر يوماً ما الطاغية وأزلامه، أن نصف طعامه من الخضروات هي نتاج تلك الأراضي التي دمروها على رؤوس ساكنيها!... فبعيداً عن تلك الحياة، أصبح هؤلاء الناس في سكنهم الجديد ذوي خبرة واسعة في أنواع الأسلحة والذخائر، وأنواع الطائرات الحربية مع أرقامها ومكان صناعتها!!!..
..............
....................... في إحدى الليالي، كنتُ مستلقياً أقرأ كتاباً.. طبعاً، أصوات الأطفال لا تهدأ إلا بعد منتصف الليل، وشتائم النسوة وأحاديثهن المتكررة عن أسعار الذهب وعن فلانة التي تزوّجت ثرياً، وعن فلانة التي فاجأتها الدورة الشهرية مرتين!، وعن الأسعار التي صارت أضعافاً، وعن سرقة الطعام والأثاث من قبل جيش النظام...إلخ. كل تلك الأحاديث كانت استراحة بين الشوطين، استراحة بعد أو قبل الحديث عن الطائرات والجيش الحر ومدى صلابته أمام أكثر من ستة دول تساند النظام فعلياً، عدا الخرس الدولي والعربي.
في تلك الليلة... هدأ الجميع فجأة مع بداية الحفلة اليومية، طائرات، وقذائف وكل أدوات الحرب القاتلة.
صاح الجار الأول: هذه طائرة "سيخوي روسية"...
عارضته زوجته: كلا ... إنها ميغ 23، ألم تسمع قوة جدار الصوت؟!
تسللَ صوتٌ قريب من بابي قائلاً: له يا محمد .. هذه ميغ 27 تعديل إيراني، سوف تسمع هديرها القوي حتى لو ابتعدت، وأراهنكم أن الطيار ليس سورياً، هو كوري.
كيف عرفتَ أنه كوري!! هل تجلس جانبه .. قالت زوجة الآخر..
أضاف زوجها وكأني أرى وجهه ممتعضاً:
الطيار السوري يا فهيمة، ( بفتلتين بالطيارة، راح يراجع على لباسو، عنا طيارين جيدين، بس لسا ما ولدوا )...
كدت أنفجر من الضحك ...
/
تعالت أصوات القذائف .. وعاد الحديث:
ــ الزوجة ... قذيفة هاون هذه ..
ــ الزوج : لا .. إنها قذيفة دبابة ..
ـ الجار الثاني لأمه العجوز: هذه قذيفة راجمة صواريخ ..!
ــ الأم: ما بتعرفوا شي .. هي هيلكوبتر وقعت.. أنا صارلي ساعة عم أدعي عليها، صرعني من الصبح فوق البناية ــ ور ور ور ور ... وكأنوا عم يفتل فوق تل أبيب!!.
/
صوت رصاص ... هذا جيش حر...
ــ كيف عرفتي؟
ــ لأن الرصاصة بتفش فش شغل معامل الدفاع عنا!
بس رصاص الكلاب... بتسمع صرختو متل الرعد .. طبعاً شغل إيران، جديد يا إبني جديد!!.
/
خرجتُ لأشتري علبة سجائر ...
مشيتُ إلى الشارع العام حيث دكاناً واحداً يبقى ليلاً نهاراً يعمل ..
في نهاية الشارع يوجد حاجز ــ طيار ــ أي متحرك على حسب وصف الشعب السوري.
بدأت القذائف تنهال وكأنها قريبة من الحي!
ومن باب السخرية وأنا أمرّ من حذو الحاجز.. قلتُ هذه قذيفة هاون...
لم أكُـمل خطوتين حتى صاحني الرجل الأشيب مع شزرةً كادت تأكلني!
ــ هات هويتك أبو الشباب ..
تسمّرت قدماي مكانهما! .. والتفتُ ببطء مجيباً:
ــ أنا ...؟!
ــ أي انتَ يا ( .........) !!! شتيمة مضيئة في هذا الليل الأدهم!
ــ شو عرّفك أنو هي قذيفة هاون ... شو عم تشتغل من الإرهابيين ( الجيش الحر)؟! وشو مطالعك بنص الليل، أكيد عم تعد نقاط التفتيش والحواجز وعدد الجنود وتعطي معلومات،!!
.............
......................... جعلَ مني جاسوساً بحسب قوله، ومتآمراً، وخبيراً عسكرياً، خلال 20 ثانية !!!
ابتسمت... ومسحتُ الصفعة التي وشمها المناضل....
عدتُ أدراجي، وفي فمي باقاتٌ ملونة من الشتائم، التي لم أهدها لجيراني ... جيران الحروب.
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |