بحكم الضرورة
خاص ألف
2013-06-08
يخرج عريف الوحدة في عرف البعثيين كل صباح لينادي فينا؛ ونحن صغار؛ نلملم حقائبنا الصغيرة المليئة بالكتب والقليل من الشطائر أو الفطائر؛ وبعض الأقلام المبريّة؛ التي لم يبقَ لها جزءٌ علوي؛ إذ كان من الممنوع علينا أن نستخدم الأقلام الملونة؛ كما جرت عليه العادة في الصفوف الأولى من المدرسة الوطنية البعثية ... يخبرنا أساتذتنا.
ينادي العريف تحت أنظار الطاقم الإداري من المدير؛ وأمين السر؛ وأمين المكتبة؛ وما تيسر من الأساتذة؛ والمستخدم؛ وفي أيديهم بعض العصي؛ التي كانوا يستخدمونها وقت الضرورة؛ إذ كما يقول المثل: للضرورة أحكام.
رفيقي الطليعي ...!!!
كن مستعداً لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد
فنرد بملء أفواهنا: مستعدٌ دائماً...!!!
ولكن الصفوف كانت تتمايل في صخبٍ طفولي رهيب؛ دون فقهٍ منا بالضرورات حينها؛ فترى العصي واقفة على رؤوس الأشهاد؛ لترتطم بالحقائب المنهكة أصلاً على ظهورنا؛ فيدوّي صوتٌ رهيب؛ صوت تكسّر الأقلام والمباري والحقائب البلاستكية ... لتستحيل الصفوف نظاماً من جديد... وهكذا إلى أن تبدأ في التمايل مرة أخرى ... فتعود العصي للعمل بحكم الضرورة ... إلى أن يشير المدير للأساتذة بعينه؛ أن ادخلوا الممرات والصفوف ليبدأ اليوم الدراسي في صورة جميلة ... صورة الأسرة الثانية والبيت الثاني ... فأي حنانٍ كنا نلقاه وأي عناية وأي اهتمام ...
في الصفوف كانت العبارات والصور تملأ الجدران؛ أتذكر منها؛ المدرسة بيتك الثاني فحافظ على نظافتها ... اطلب العلم ولو في الصين ... المعلمون بناة حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان والإنسان غاية الحياة ... وبيتٌ من الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي يقول:
قمّ للمعلم وفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
وصور للرئيس الذي كنت أعتقد بأنه أحد أبطال التاريخ أو أحد الفلاسفة أو العلماء أو حتى الأنبياء، فقد كانت كتبنا المدرسية مليئة بصور العلماء والأبطال .. كابن النفيس مكتشف الدورة الدموية وابن سينا الطبيب والفيلسوف المعروف ... وعبد القادر الحسيني ... وباسم ورباب ... وشاعر المنهاج حينها سليمان العيسى ...
كل هذه العبارات المنقوشة بريشة الفنانين القادمين من شعبة الحزب، كانت تتعب كاهلنا؛ فكنّا كلّ يومٍ نقوم بربط الأحرف مع بعضها البعض لنركّـب الكلمات ونرددها في متوالية هندسية من تصميم قائد الصف؛ أو كما يحلو للبعض أن يسميّه معلم الصف (الأستاذ) ... وعيون المدير تحوم من حولنا ... يتساءل في قرارة نفسه: مَن من المعلمين لا ينفذ الواجب الصباحي، ومَن من الطلاب لا يردد هذه العبارات...
هكذا حاصرونا ونحن أطفال؛ وقاموا بتوريثنا أوراماً؛ ما زالت تتناوب في عقولنا كنوباتٍ من الشرود الطفولي بترديدها...!!! وكما يقول المثل: العلم في الصغر كالنقش على الحجر ... ففي زحمة المنظمات والمعسكرات (منظمة طلائع البعث – منظمة شبيبة الثورة – معسكر الطلائع – معسكر الصاعقة ... إلخ) التي كانت ضرورات لمواجهة الإمبريالية العالمية والصهيونية والاستعمار؛ قُمعت طفولتنا وعقولنا التي كان لابدّ لها أن تتشرب العلم والمنطق لتواكب تقدم العصر وتحدياته؛ لكن عوضاً عن ذلك؛ حفظنا عن ظهر قلب أقوال القائد؛ وقيم الحزب النظرية والتطبيقية؛ ومنطلقاته ومؤتمراته ...
08-أيار-2021
28-تشرين الثاني-2015 | |
21-كانون الأول-2013 | |
13-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
28-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |