لنا أوطانٌ أخرى لنلتقي
خاص ألف
2013-11-13
في السحابة الأخيرة، من اليوم الأول لهذا الشتاء، افتتحت القذيفة المشهد، برطلين من الضوضاء، وأرطال أخرى من المبعثرات هنا وهناك، لكنه لم يبتعد كثيراً عن الإرباك في المشهد، ولم يطأ الأرض التي ما تزال ساخنة.
بقذائف بلوريةٍ حمل الجهات
وخرج من الباب ذاته الذي دخلته تلكم الابتسامات
لحظاتٌ تجعل الزمن أرضاً مسطّحة
ثم تأتي القذيفة لتجعل منها ثقوباً ملتوية، كالحواري المرمية على الجنبين ...
صرخاتٌ تتعالى، هتافات تُسمع من بعيد، جنودٌ مدججون بشتى أنواع البضائع، دبابات تحاصر الطرقات، أرصفةٌ منسيّة، هيولى، ثكالى، مفرق الشارع المفتوح بفوهة عربة الجنود المثقلة بالخضار، أطعمة معلبة، عبوات ناسفة، ألغام أرضية، ألغام هوائية، بالونات، مناطيد، شيخ الحارة الرزين، المقهى الذي ينتهي مع نهاية الحياة.
كل تلك الأشياء مجتمعةً في خطفة زمن، ذاكرة القتيل شريطٌ يمده من اللحظة التي سقط فيها على فراش والدته، صدفةً، دون أن يختار، حتى اللحظة التي تسبق القذيفة.
ثم تراه يبعثر الركام من حوله كمكنسةٍ مصنوعة من أليافٍ أو قشٍ عفنٍ كلحية من جاؤوا بالقذيفة من أرضٍ أخرى، من وطنٍ آخر، تكبدوا عناء حملها آلاف الأميال فقط ليسقطوها وهو يدندن مع طفلته نشيداً عفوياً، لا يفقه هو من أين جاء.
فطوم فطوم فطومة خبيني ببيت المونة
لما بكرا بيجي البرد مالك غيري كانونة
/
تراكم الارتطام ذاك، يجعلك مثقلاً ككوكبٍ لا يفقه أي شيء، ليس فيه سوى دماثة خجولة، اندهاشٌ مفرط،رأر حساسية لطعم الهواء، ورائحة النار.
القذيفة حين تسقط جرحٌ في الأرض
لا يمكنك القفز فوقها، لا يمكنك أن تحيد بنظرك عنها، هي تملك المشهد كله، لا تدعك تسمع صوت الكنيسة التي خلفك، أو تستمتع باللوحة المعلقة على واجهة دكانة الخردة المجاورة ليدك اليمنى، أو حتى تحمل الحقيبة التي سقطت من يدك المشدوهة.
لا غبار يلفك
ولا ضوضاء تمنعك من النظر إليها، هي مملكة من الحسناوات
ثم تعود، لتجمع ما تبقى من ذكرياتك الملطخة بالمشهد ذاك، تحمل طفلتك فقط، وتمضي لأقرب سيارةٍ مركونةٍ بعناية الآلهة، تغلق الباب الخلفي وتنسى أنك نسيت الحلم في جيب السائق الذي يقسو عليك ببعض فكاهته الساذجة.
انظر للساعة حين تخرج من المعبر ذاك، سجّل ما تبقى لك من اللحظات، فأنت تغادر الآن مخيلتك، أنت الآن تغادر الجبل الذي قضم نصف جمجمتك وأنت تلاحقه، أنت تغادر النهر، تغادر الشجرة الوحيدة.
أنت الآن في حضرة الوطن الجديد
لا تنسَ أنك قد لا تعود إلا بعد قرناً من الآن
فالقذيفة ستبقى تلاحقك إن عدّت قبل أن تجد وطناً !!.
08-أيار-2021
28-تشرين الثاني-2015 | |
21-كانون الأول-2013 | |
13-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
28-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |