غصّة روح
خاص ألف
2013-06-27
يصرخ في صمت والحرائق تأكله، الدمع يسلبه قوته، ينهار أمام الخبر، أمام أشياء لا يريد تصديقها، ينظر إلى كل شيء يحيطه، يتكلم مع هذا وذاك محاولاً أن يخفي احتضاره، وسكراته الأخيرة باتت تمزق أنفاسه كلما شعر بأنه مكبل اليدين وغير قادر على الهروب من واقعه، لا يستطيع أن يوقف الألم من التدفق بشراسة على وجدانه، يحمل خيبة في ابتسامته التي ترسم وجعاً غير منتهٍ.
إنها هي بالرغم من كل شيء حبه الأول، يقول بأنه لن يحب بعدها، وبأنه سيبقى مخلصاً رغم مضيها إلى حياة لا تحويه، أهو ضرب من الجنون أم أنه يريد أن يثبت لنفسه أنه أفضل منها؟ فمهما كانت تصرفه فهو أفضل منها حتماً، فالحب ليس كلمة ينطقها في بداية فجر ينبض سعادة كي تنساها عند حلول ليل كئيب، وترميه عند أول فرصة تسمح لها بذلك.
كم أرغب في ارتشاف ذلك الألم منه، كي أشعر بالذي جعل عينيه تذرفان موتاً وشيكاً، وجهه لا تنفك عقدته، أحدثه عن فتيات الحي الجميلات، وعن اللواتي يمكن أن يسلب عقلهن، ولكنه لا يعير انتباهاً لكل ما أقوله، بل يرمقني بطرف عينه كأنما يريد أن يؤنبني على شيء لا يجب أن يفكر فيه، يجلس هنا ويسرح في عالمها، لربما يريد أن يصل إليها كي يمنعها من الرحيل، ولربما كبرياؤه يمنعه من التفكير حتى بإمكانية حدوث هذا.
مضى زمن على فراقهما، ولكن الفراق وحده ليس كفيلاً كي يكسب الإنسان في رحلة النسيان، فالأمل يبقى مزروعاً في عقله مهما نكر هذه الحقيقة، فلابد من ألم أكبر من الفراق أن يهزه كي ينسى، أو سعادة لا يتمكن معها أن يتذكر حجم ألمه، فرحيلها إلى غيره يجب أن يكون دافعاً له كي يتابع بسلام.
يقول لي بصوت مخنوق: أيعقل أن ننتهي هكذا؟ أن تمضي لسواي كأن حباً من الياسمين لم يلفّ حياتها بقربي يوماً؟
أصمتُ ويتلعثم لساني وعقلي عن الإجابة، فلا أصعب من العجز أمام نزف من الجراح التي لن يداويها سوى الذي سيحتويها يوماً، يترقب إجابتي ويعلم في قرارة نفسه أنه لا وجود لكلمات أنطق بها سوى أنك يجب أن تنساها، وبأنه مهما بحث عن أحد يسرق أوجاعه منه فإنه لن يجد، إلا إذا رمى هو بتنهداته في زاوية منسية من ذاكرته.
يجب أن تعتاد على فكرة أن ما ذهب لن يعود، أن تتصدى لكل محاولات قلبك في الرضوخ لتقلباته، أن تدرك جيداً أنك ما إن تسمح لتنهداتك بأن تتجاوز حدها، فإنك هالك لا محالة.
ستمضي مع الأيام، محاولاً قلع الساعات والدقائق من جذورها كي لا تؤرقك بلادتها، فيحلو للوقت أن يماطل بثوانيه كثيراً عندما يلتمس انتظاراً وحنيناً فينا، يحلو له أن يتلاعب بأوتار قلوبنا الواهن..
كل ما هو الآن جحيم يغرقك فيه، سيصبح ذات يوم هامشاً مهمَلاً في ماضيك.
هذا ما يجول في سرّي وأنا أنظر إلى كائن فقد ملامحه في لحظات ضعف غير محتملة، ظالم هو ضعفنا حين يتلبسنا ويخلق منا روحاً نحاول جاهداً أن نبقيها في سباتها، يجعل منا مخلوقاً غير أنفسنا يختلف عنا بنبضه وأنفاسه، مخلوقاً كلما تخيلنا أن نكون عليه ينتابنا شعور بالذعر من كونه موجوداً بداخلنا .
يبدأ بالبكاء، فلم يعد قادرا على حبس انهياراته، ينوح كالأطفال، يغطي وجهه بين يديه كمن به رغبة أن يحضن عمره كي يتوقف عن المضي برهة، يغفو فتتوقف شهقاته، ويتلاشى مع صمته في مدىً ملتهب بالضياع.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |