تجليات الزهايمر
خاص ألف
2013-06-29
كرجلٍ مسن؛ يجلس القرفصاء هناك بين أفكارٍ تقطّعه
يُزاحمُ الحنين لرجولةٍ انقضت ... وشيخوخةٍ يقظةٍ
خاطب جدي الشمال قائلاً:
لك في الخارج برهةٌ وفسحةٌ من الموت ...
فتمهل حين تخرج ... ولا تخشَ شيئاً ...
ودع تلك الرياح تسير وفقاً لما تشتهيها ...
سأخلع عني ما تبقى من الانتماءات الذكورية والوطنية والربوبية ...
وسأخاطبكم كما يخاطب القاتل فريسته ...
لست أنا من أنبتكم ... ولست أنا من آذن لكم بالحياة ...
إنما كانت الذكرى من فعلت ذلك ...
هكذا خاطبهم، خاطب أبنائه المتكاثرين على حين غرةٍ. ستةٌ من الرجال يحومون حوله؛ يتراكضون علّهم يقنصون من ذاكرته شيئاً؛ دون جدوى ... لكن كعادة أهل الوطن جميعاً؛ يظل الأمل على مقربةٍ من الجميع؛ حتى ذاك الكهل الملطخ بغزارة الذكريات، والتي لم يعد يتعرف على شخوصها وتفاصيلها كما كان قبل برهةٍ. مضى ذاك اليوم هادئاً دون أي تجليات لمرض الكهل، الذي استحال مركزاً للكون فجأةً. تهافت الأخوة والجيران والأصدقاء، ليلقوا نظرة على كهلهم بحلته الجديدة، دون أية دراية بوقع ما يفعلونه عليه؛ وفي زحمة الذكريات؛ اختلطت الصور والأسماء كمتاهة يتمرّغ بها الشيخ الكهل. لم يعد يعرف في وجه من يبتسم، وفي وجه من يكشّر عن مخالبه العنيفة.
هكذا بات السوريون جميعاً، يلبسون الأقنعة. كيفما تقتضيها الحاجة، كمن يتسوّل ليستدين من الحياة طعمها، في ذاكرة متكسرة كذاكرة الكهل الخرف. فأي ابنٍ هو ذاك الذي سيذكره عندما يرتمي في أحضانه؟ هل سيبتسم رغم أنفه؛ ورغم أنف الأبوة؟ أم أنه سيطلب منه برهةً من الوقت حتى يسترجع ذاكرة الانتماءات التي قست عليه وعلينا جميعاً.
"حين يصاب الكهل بالزهايمر، تتجلى الذاكرة في صورٍ غريبة، فحيناً تقوى الذاكرة لتصل حد اللامعقول، وحيناً تصاب بنكسة شبيهة بنكسة حزيران".
ذكر لنا جدي حين كان شاباً ... بأنه استدعي لمحكمة هناك في أرض الجزيرة، إذ جاء للقرية حيث يقطن، قافلة آدمية تحمل معها بعض الأوراق والأقفال، وطلبوا منه أن يوقع على ورقةً، فبصق عليها ببصمته كعادة الأميين حينها، وما أكثرهم. فما كان منه إلا أن ذهب ليستكشف سرّ الدعوة، فئذ بهم يبشرونه، بأنهم جردوه من وطنيته؛ جردوه من هويته؛ جردوه من وطنه؛ وجعلوه منتمياً لوطنٍ آخر؛ قاموا بتفصيله وفقاً لهواهم وأيديولوجيتهم ...
والآن أتذكر ما قاله ذاك الكهل الخرف في عرف الجهلة والمارقين، وما حدث معه حين حاولوا أن يغيّروا انتمائه. فأي انتماءات تفصلونها لنا الآن؟! وأي أوطان ستتركوننا نمضي فيها ما تبقى لنا من حياة؟! أتمنى أن أكون أول من يصاب بالزهايمر حينها، حتى لا تختلط عليّ الأحداث والتواريخ والشخوص وحتى الأوطان.....!!
08-أيار-2021
28-تشرين الثاني-2015 | |
21-كانون الأول-2013 | |
13-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
28-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |