"دول فاشلة " دود الخل منّو وفيه
خاص ألف
2013-07-23
ثمة قول مشهور يكرره كل المهووسين بالتاريخ والماضي المجيد, عن الناس وعلاقتهم بحكامهم, وقادتهم و زعمائهم يلخّص الاسلوب النمطي في التقييم, نقصد بذلك التقييم الذي يميل نحو الهيّن من التحليل, أي الذي يفضل الطريق الأسهل والجادة المطروقة, على وعر المسالك, فيختصر علاقة الحاكم بالمحكوم بالشكل التالي: "الناس على دين ملوكهم" وليس المقصود هنا الدين فقط بل الديدن وكل ماهو قابل للتقليد على أساس الاقتداء بالقدوة الحسنة. طبعاً في بعض الحالات قد يتحول الاقتداء إلى عملية استنساخ لا تراعي الخصائص الجينية للأصل ولا تراعي تقلب الدهر وتحوّل الأيام التي تزيل من طريقها كل عائق, فينتج عن ذلك نسخة مشوّهة, توضع كأيقونة للتقديس أو كطوطم لأراوح الأجداد الخالدة. يقف في طريق التغيير.
ولكن حدث أن هزّتْ طبول الربيع العربي الصورة النمطية لقادة أمتنا "العظام", وأسقطتْ وإلى الأبد هالات القداسة والتبجيل وألقاب السيادة والفخامة والمهابة التي كان يحيط بها الزعماء أنفسهم. وبرزتْ وجوه جديدة وأنماط جديدة من القيادات أصغر حجماً قد تأخذ طابعاً محلياً أو مناطقياً, ولكن بقي إغراء الإعلام والصور المتلفزة وحب الظهور كما هي. تجد ثلة هنا تتجمع حول متزعم لمجموعة مقاتلة صغيرة بالفعل كبيرة بالاسم والشعارات, ولا تدري بالضبط من يموّلها, وتقدّم لزعيمها فروض السمع والطاعة منقادة له بشكل أعمى وتترك له وحده اختيار الأهداف. المشترك في وجوه هذه الزعامات التي تنشر أحاديثها وخطاباتها وتوجيهاتها عبر وسائل إعلام معروفة الدوافع ومهتمة بهذا الشأن وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المجانية, هو التشابه مع وجوه المرابين والصيارفة التي هي أقرب لوجوه الأموات منها لوجوه الأحياء. بل أن هناك شبه كبير في طريقة الحديث أيضاً. فهذه الوجوه التي لا يظهر عليها أي أثر لأي انفعال عاطفي, تتحدث ببطأ شديد يبعث على النعاس, يوحي للمشاهد بثقة المتحدث بنفسه وينسيه أن هذا الزعيم لا يمثل سوى بضعة أشخاص لا تدري بالضبط ما الذي جمع بينهم. أو قد يدهشك "مقطع على اليوتيوب" لمتزعم آخر تونسي الجنسية, يجاهد في سوريا, وهو يقلد "الحجاج بن يوسف الثقفي" فيرتقي المنبر شاهراً سيفه وليس حوله من المراقبين سوى المصور وثلاثة أو أربعة شباب, ويردد مقالة الحجاج الشهيرة "أرى رؤوساً أينعتْ وحان قطافها, وإني لصاحبها". الشيء الآخر الذي يجمع الكثير من هذه الزعامات هو صيغة الجمع "نحن" التعظيمية و"إنّنا" التي يتحدثون بها فلا تجد في خطاباهم غير, نحن نريدُ, نفعلُ, ننتصر. طبعاً الكل هنا يطمح ويتمنى أن يأخذ دور "بن لادن" البطولي على قناة الجزيرة وكيف يظهر بالصورة البطيئة على ظهر حصان وكأنه يلعب دور "الحمزة" في فيلم "الرسالة". أتوقف هنا عند الرغبة الجارفة في الاستعراض الديكي لدى الكثيرين ممن يستهويهم الأدوار التاريخية والبطولات الفردية وتجسيد الشخصيات الكارزمية, وأتساءل عن أسبابها ومنْ رعى هذا التوجه ولماذا استفحل وانتشر مرض تضخم الذات لهذه الدرجة. وما هي نتائجه على أرض الواقع. فالبحث عن السلطة والنفوذ وحب الرفعة(ولو على الخازوق) كما يقول المثل الشامي, مرض ينتشر مثل الوباء في صفوف ضحايا الأنظمة السابقة. أنظر حولك! لن تجد غير زعماء ومحللين استراتيجين وناشطين وبلطجية وهواة في كل مجالات الفنون وما يجلب الشهرة, والكل مشغولون مهمومون بالأضواء وبفرص الظهور على المحطات الفضائية. لسان حال الجميع يقول"أنا أحطم كل عائق أمامي" هذا الشعار الذي نقشه "بلزاك" على عصاه, فجاء كافكا من بعده ليرفع شعاراً متهكماً يقول فيه, "كل عائق يحطمني". ثم انظر من حولك مرة أخرى وقل لي هل ترى سوى "دول فاشلة". على سبيل المثال دولة غنية مثل العراق تتجاوز ميزانيتها السنوية المئة مليار دولار, تعاني من الأزمات الخانقة في الكهرباء وإمدادات المياه والخدمات هذا إذا تجنبنا الحديث عن الوضع الأمني الذي يرسم حجم الكارثة والمأساة بدماء الضحايا من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه, ثم نقّل فؤادك حيث شئت من سوريا إلى مصر ومن لبنان إلى اليمن ومن البحرين إلى ليبيا, وقل لي ماذا ترى؟ ليس سوى كلام كبير عن حلول قادمة ومآس أكبر من أن تنتظر الحل. إذن فكل عائق يحطمنا "كما يقول كافكا" لأن حموضة أمراض الماضي متوطنة فينا. ولن ندخل إلى رحاب المستقبل, بدون أن نغادرها وراءنا, وندع جانباً شماعة العدو التي نلقي عليها كل فشلنا, لأن "دود الخل منّو وفيه".
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |