نقد / المرأة: هذه الدمية الحمقاء!
2006-04-10
بحيث يبدو أمراً بالغ الأهمية كون صابر الرباعي يغار من عمرو دياب، كما يدّعي المحرر في مجلة «المرأة اليوم»، وأكثر أهميةً منه الخبر الوارد في «السيدة الأولى»، والمتعلق بطلاق فنان من زوجته، في الوقت الذي تبشّر فيه مجلة «وفاء» النساء بثورةٍ في عالم التجميل عالمياً؛ بينما تبدو مجلة «الجميلة» عمليةً أكثر فلا تكتفي بالعنوان العريض، بل تقدّم 65 نصيحة لصحة المرأة وجمالها، وتحذّرها من أخطاءٍ عشر ينبغي عليها تجنّبها للحفاظ على جمالها، وتؤكّد لها أن سرّ الزواج السعيد يكمن في الصحة الجيدة، وكأنّ السبب الوحيد في تعاسة الأزواج وبؤسهم يكمن في اعتلال صحة زوجاتهم؛ وربما لهذا السبب نجد النساء الإماراتيات شغوفات ببرامج الريجيم، على ذمة محرر مجلة «الصدى» التي تعتبر نفسها «المجلة الأسبوعية للعائلة العربية»، ولا يقلّ أهميةً عن كل هذا كون نجوى كرم تكاد تنفجر في ثورة محبة كما تقول «كواليس»، في حين اشتركت مجلتا «الرومانسية» و«طب وفنّ» في عرض صور جذابة ومثيرة وشهوانية لراغدة شلهوب التي «لا تستطيع كبت عواطفها»، وربما لهذا السبب تتساءل مجلة «طبيبك» عمّا إن كانت الصور والأفلام الإباحية مضرّة بصحة المراهقين أم لا؟
هل المرأة العربية غير مهتمة بالسياسة والمجتمع، وبأخبار الحروب التي تكون هي وأطفالها أولى ضحاياها؟
كان هذا عرضاً سريعاً للعناوين الرئيسة لما يعرف بالصحافة النسوية التي يمكن الإطّلاع عليها في أكشاك بيع الصحف في العاصمة دمشق، خلال الشهر المنصرم، والتي تتصدّرها صوراً مثيرة لفتيات جذّابات، وكأنّ هذه الصحف موجّهة للمراهقين والعساكر «المشوبين» كما يُقال في بلادنا. وبعيداً عن المزاح، دعونا نتساءل: هل صحيح أن المرأة لا تهتم إلا بهذه الأمور؟ وهل المرأة هامشية وسطحية إلى هذه الدرجة بحيث تقف لا مباليةً تجاه ما يعصف بالعالم، وبمنطقتنا خصوصاً؟ هل المرأة العربية غير مهتمة بالسياسة والمجتمع، وبأخبار الحروب التي تكون هي وأطفالها أولى ضحاياها؟
يبدو أن رأس المال الواقف وراء هذا الإعلام يقول: نعم، المرأة لا تهتم إلا بهذه الأمور؛ ومن الواضح أن نسبة كبيرة من نساء بلادنا، القارئات والقادرات على شراء هذه المطبوعات الغالية نسبياً، موافقات على هذا الرأي؛ و إلا فكيف، ولماذا، يستمر صدور هذه المجلات؟ ولماذا تبدو المطبوعات المتخصصة في السياسة والاقتصاد وقضايا الثقافة والفكر، وكأنها موجهة للرجال فقط، حتى عندما تتم مناقشة قضايا تمسّ وضع المرأة بشكل مباشر وأساسي؟
من الواضح أنني أطرح أسئلة مبتذلة على طريق المثقفين الرسوليين الذين سخر منهم المفكّر علي حرب في كتابه «أوهام النخبة: نقد المثقف»، ولكني أعرف يقيناً أنّه لا يمكن، ولا يجوز، حصر المرأة بهذا الشكل المهين ضمن إطار الدمية الجميلة الحمقاء، لأن نسبة النساء المتعلّمات في بلدنا لا تتجاوز 30-40% من مجموع عدد النساء في سوريا، وأعلم أن نسبة لا تكاد تتجاوز 5% من هؤلاء المتعلّمات قادرات على متابعة هذه المجلات، لتتسمّر بقية النساء أمام شاشات التلفزيون في الوقت الضئيل الذي يتبقّى لهنّ بعد نهار مضنٍ في العمل، سواء خارج البيت أو داخله، ليتابعن «كسمو» و«خجو» لعلهنّ يتيقنّ من أن «بكرا أحلى»، أو يتابعنّ النكسة الوطنية الجديدة المتمثّلة بالهزيمة النكراء لشهد برمدا أمام زميلها إبراهيم الحكمي، والتي استُقبلت، رغم ذلك، استقبال الفاتحين عند المعبر الحدودي، ذلك الاستقبال الذي ما كان ليحلم به الشهيد يوسف العظمة لو أنه تمكّن من إعادة الجنرال غورو منكّس الخوذة إلى بلاد الغال.
إذلال المرأة يمثل جزءا من إذلال المواطن بشكل عام
لكن، ولأني شديد الواقعية وأكره التذمّر غير المجدي، أحاول التفكير بصوتٍ عالٍ في الأسباب التي تجعل وسائل الإعلام تزدري نساءنا بهذا الشكل، وأجد ملاذي في الفيزياء.
إن كان للفيزياء الحديثة أفضال كثيرة، ومساوئ أكثر، فإن فضلها الكبير على الذين يحاولون الذهاب أبعد من مظاهر الأشياء أكثر جلاءً وبياناً، وذلك لكونها تعلّم أنّ أية قضية جزئية لا يمكن فهمها بالشكل الصحيح إلا إذا نُظر إليها من خلال الكلّ. وبهذا، فإن الإعلام النسائي يستمدّ ضحالته وهشاشته من ضحالة اعتبار المرأة وهشاشة وضعها ورخص قيمتها، حتى لدى أولئك المكافحين عن حقوقها، بل حتى من قِبل كثير من النساء؛ وهذا الإذلال الموجّه للمرأة إنما يمثّل جزءاً من الإذلال الموجّه إلى كافة الناس في هذا الوطن الميمون: ذكوراً وإناثاً، باعتباره كائناً قاصراً، ناقصَ عقلٍ ودينٍ؛ كما أنّ حصر المواضيع المتداولة في الإعلام ضمن هذا الإطار الضيّق إنما يعدّ جزءاً من حصارات لا عدّ لها في كافة ميادين الحياة والثقافة والفكر والفنون و الآداب.
لا ينبغي الفهم بأننا نتحدث من منظور محافظ أخلاقياً، أو أصولي ثقافياً، فلا يوجد رجل واحد في المعمورة لا يحب المرأة الجميلة والأنيقة والرشيقة، ولكن ليس الحمقاء بطبيعة الحال كما تتوهم بعض النساء اللواتي يتصنّعن الغباء أحياناً لكسب قلوب رجال أكثر حماقةً منهنّ؛ لكننا نطرح السؤال التالي: هل هذه هي المرأة فقط؟ فأين، إذاً، تختبئ أكوام المشكلات التي تعاني منها المرأة في البلاد العربية مثل: التمييز الجنسي، العنف، الأمية، الفقر، التشريعات المتخلفة، الاستغلال في العمل والبيت، الاغتصاب في الحروب، وغير ذلك مما لا يمكن حصره في هذا المقال القصير؟ لماذا لا تُطرح هذه القضايا إلا في الندوات والمؤتمرات النادرة بحدّ ذاتها، ويتمّ تجاهلها في وسائل الإعلام التي وصل مدى انتشارها إلى كافة البيوت بحيث يمكن مناقشة الكثير من القضايا جهاراً نهاراً، وجعلها من القضايا التي يتم تداولها حتى في الشوارع والأسواق، وبين كافة فئات المجتمع، وخصوصاً النساء المحرومات من إبداء الرأي، كما في الأرياف والمناطق النائية.
عندما نتجول في الريف السوري، وفي المناطق الفقيرة في المدن، يمكن ملاحظة، دون أي جهد، أنّ النساء في هذه المناطق، وهنّ الأكثرية الغالبة، لهنّ اهتمامات بعيدة كل البعد عما يتمّ تداوله في تلك المجلاّت، بحيث يظهر الحسّ الطبقي الغاضب لدى مراقب مثلي إلى السطح باستمرار. نجد على ضفاف الفرات والخابور، وفي وديان سهل الغاب، وعلى الجروف الصخرية في حوران والقنيطرة آلاف النساء اللواتي يكدنّ طوال النهار للحفاظ على بقائهنّ، ولا يعرفن من الفوط النسائية إلا أسماءها، ومن مستحضرات التجميل إلا أشكال العلب البرّاقة، وبطبيعة الحال لا يجدن تهجئة أسمائها الأجنبية. يقضين نهارهنّ في أعمال أقرب إلى أعمال السخرة التي كان يمارسها العبيد في العصور الإمبراطورية القديمة كتكسير الحجارة، وتقطيع الحطب، وبناء البيوت، بحيث يستغنين عن تمرينات الآيروبيك والـ(تاي بو)، ولا تتجاوز زينتهن كحل العيون الذي طالما تغنّى به الشعراء. فلمن توجّه هذه الصحافة إذاً؟
في العام الماضي قيّض لي مرافقة خبيرة تجميل أجنبية في محاضرة تلقيها في بيتٍ يقع في منطقة دمشقية أرستقراطية، حيث كان عليّ ترجمة المحاضرة بشكل فوري؛ ولقد وافقت على القيام بالمهمة المزعجة على سبيل الخدمة، فخبيرة التجميل زوجة أحد أصدقائي، وكم شعرت بالخيبة والخجل!
في الصالة المترفة، كان عمر أصغر النساء يتجاوز الخمسين، ولا همّ لهنّ سوى إطالة أعمارهنّ [في الواقع لم أعرف لماذا يحتجن إلى المزيد من السنوات يقضينها في التفاهة]، وشدّ جلودهنّ، ومطّ ظهورهنّ المحنية بسبب الكسل والنوم، لا بسبب العمل المضني بالطبع، والتنافس فيما بينهنّ في إظهار ثروات أزواجهنّ مما يذكّر بالأميرات الروسيات السخيفات في رواية ليف تولستوي «الحرب والسلم».
أعتقد أنّ معظم تلك المجلاّت موجّه لهته «الآنسات»، في حين تبقى بقية نساء البلد خارج الاهتمام.
ماذا نريد من الإعلام هذا هو السؤال الأهم؟
يمكن لهذه المشكلة «الصغيرة» أن تقودنا إلى القضية الأكبر، المتعلقة بالسياسة الإعلامية في بلد لا يزال شعار «الحرية» أحد أقانيمه، ويجعلنا نعيد طرح مسألة الحريات الإعلامية مرة تلو أخرى، فالبلد لا يعاني من شحّ في الإمكانيات القادرة على معالجة أحد الأسئلة الرئيسية من بين مسائل النهضة التي طُرحت في بداية القرن العشرين على يد قاسم أمين ورفاقه. يعني، وبلغة الناس العاديين من أمثالنا، نحن بلد متخلف، ومجتمعاتنا متخلفة، وإنساننا متخلف، ونلهث متشبثين بذيل الحضارة البشرية؛ ثم نتجاهل «نصف المجتمع»، أو نعتبر حفنة من العوانس المترفات ممثلات لعشرة ملايين امرأة يبحثن عن قليل من الهواء والشمس والحق في الحياة الجديرة بإنسان. وببساطة نقول، وبعيداً عن معارك السياسيين حول قضايا المرأة، إن المرأة ليست سلعةً يتداولها التجّار: تجّار الإعلام والسياسة والعقائد، ويقع على عاتقها أن تناضل لتثبت ذلك، وإنّ من أولويات نضالها هذا أن يكون لها منابر إعلامية تتمكّن من خلالها تأكيد شخصيتها وجدارتها، وأن تطرح عبرها اهتماماتها الحقيقية ككائن بالغ راشد يعرف ما يريد، وما لا يريد. وهي، كذلك، قضية الإعلاميين الذين باتوا يدركون هول المستنقع الكارثي الذي يغرق فيه الإعلام العربي؛ وهي، أخيراً، قضية أولئك الذين يرون أبعد من أنوفهم، القادرين على إدراك التشابك المعقّد الذي يربط بين التحدّيات الجدية التي يطرحها عالَم مأزوم على أمةٍ مأزومة وبشرٍ مأزومين... مثلنا تماماً.
08-أيار-2021
10-نيسان-2006 | |
10-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |