انتقامي من " الهايشة "
خاص ألف
2013-08-06
لا أعرف، قدري جميل أم قبيح لأنني ولدت في عائلة تقدس العلم، وتحرص عليه حرص " قدري جميل" على الظهور الإعلامي المتكرر، و المتلاحق، و المكثف، و المطرد، و المستمر. والدي ووالدتي تقاسما مؤامرة وجودي، فالوالدة خلفتنا بتاريخ 2/12/1968 ووالدي سجلني في النفوس ـ ولمقتضيات النزاهة التاريخية ـ في اليوم التالي، ولم يفعل كما يفعل الآخرون حين يؤجلون تسجيل أبنائهم المولودين في السنة " العتيقة " إلى السنة " الجديدة" ، وهكذا حسبت الـ /28/ يوماً من السنة الآيلة إلى الانصرام عاماً كاملاً في عمري. اكتمل قدري ـ الذي لا أعرف إن كان جميلاً أم قبيحاً ـ حين أملت رغبة اختصار المسافات وحرق المراحل على أبي أن يسجلني مباشرةً في الصف الثاني الابتدائي، وهذا كان متاحاً قانونياً في تلك الحقبة من التاريخ، لأنني درست الصف الأول في المنزل، بإشرافه و والدتي، فهو ينتمي إلى مهنة يقال عن شاغلها أنه "كاد أن يكون رسولا". ماذا يعني ذلك؟ يعني ـ يا سادتي الموقرين ـ أن طفلاً في الخامسة صار يشغل موقعاً يتطلب إشغاله أن يكون عمره سبع سنوات، وهذا إن كان يدل ويؤشر على نمو قدراتي الذهنية وتقدمها؛ فإنه يشكل، على المقلب الآخر، كارثةً على المستويين النفسي والجسدي، فـ " قطعتي " الصغيرة جعلتني آكل من زملائي قتلاً ونهراً ونعراً نوعياً، ولهذا ـ كما يجب أن تتوقعوا ـ آثار نفسية كبيرة لا شك باقيةٌ حتى الآن. كان قائد شبيحة الصف هو مثلي الأعلى " بدنياً " بينما كنت ملاذه في حل مسائل الرياضيات و القيام بسائر الواجبات المدرسية المستعصية عليه، وما أكثرها، بل يمكن القول " كلها "، لكن ماذا أفعل؟ عليّ أن أحمي نفسي من شرور الأقوياء، وليس من وسيلة لذلك إلا إنشاء التحالفات "الذكية " مع القادرين على إنجاز مهمة صون حياضي البدنية. صديقي " الديناصور " أو كما يلقب أمثاله عندنا في مدينة سلمية بـالـ (هايشة ) كان هايشة لا أعرف كيف عايشة!! جسد ضخم، ومشية "غراندايزارية" الطابع، وكفان لا أذاقكم الله " ربــيزية " أو " نكلة " منهما، وقد توج صفاته تلك بميزة اللؤم و الاستعداد لملاحقة دجاجة في جميع زرائب العالم، كي يؤدبها إن لم تبض البيضة التي يريدها حجماً وتوقيتاً، وقد فعلها مرةً، وروى لنا كيف " مصـع " رقبة دجاجة ثم أكلها بعد أن طبختها أمه و وضعت جثتها متربعةًً على صحن "برغل بحمّص". كبرنا (يجب أن نشكر سن العشرين، لأنه الحد الذي يتوقف عنده نمو أجساد "الهايشات" فلولا ذلك الحد لكانت كوارث البشرية كبيرة وكثيرة) ودخلت إلى الجامعة، أصغر من أقراني بعامين، ولم يكن دخولي الأول إلى الكلية خالياً من المنغصات، فالحارس الواقف على الباب حاول منعي من الدخول، لأن جسدي وهيئتي ـ بلا مؤاخذة ـ ليسا جسد وهيئة طالب جامعة، يومها قال لي: ـ وين .. وين فايت ( يا عمو)؟! وما انفك ذلك الحارس يرمقني بنظرات الاستغراب و الدهشة طيلة الفصل الأول من سنتي الجامعية الأولى، وكأنه يقول في قرارة نفسه: " شوفوا عجايب الله و شغله..ولد بالجامعة ؟!". تراكمت في شخصيتي وتراكبت مبررات الانتقام من " الهايشة " ، فهو وإن كان حماني في صغري؛ إلا أنه كان كل فترة يذكرني بفضله علي، هذا عدا عن تحوله إلى رمز يختصر بديناصوريته ديناصورات العالم بأسره، ولم تأت الفرصة لإنجاز ذلك الانتقام إلا بعد تخرجي من الجامعة، أجل ..أتت فرصة الانتقام وعلى طبق من الثلج، و إليكم ما حصل: مدينتنا ليست كبيرة، والجميع يعرفون بعضهم فيها، و الأخبار يتم تناقلها بسرعةٍ أعتقد أن مخترعي الفيسبوك استفادوا منها سواء حين صمموا الموقع أو في تعديلاته الفضائحية الأخيرة، وما يمكننا التباهي به هنا ويشكل أحد الميادين التي سبقنا فيه الفيسبوك؛ هو قدرتنا على نشر أخبار نوايا البشر، لا تصرفاتهم فحسب، و لا أعتقد أن الفيسبوك وصل إلى هذه المرحلة (وصل شي؟). كان يوماً مثلجاً، شديد القرّ، وقد جمعتني الصدفة بصديقي " الهايشة " في منزل أحدهم، فلمعت في رأسي فكرة الانتقام، وبسرعة كبيرة وضعت المخطط، وباشرت التنفيذ: ـ هل تعلم يا " هايشة " أنني مستعد وسط هذا البرد للسير بلباس صيفي؟ ـ أتحداك يا حسان!! خلعت ملابسي، واستعرت ملابس مضيفنا، وكانت عبارة عن "شورط" وقميص " نص كم " وصندل ونظارات شمسية، وقبعة بحرية..وقلت: ـ هيا إلى الشارع. فاستجاب متحدياً " تفضل..". مشيت في الشارع مدة خمس دقائق، ولكم أن تتخيلوا نظرات الناس، ودهشتهم، وهم يرون شخصاً بلباسٍ صيفيّ وسط هذا البرد. حين عدنا قال "الهايشة " ضاحكاً، ومستخدماً ما تيسر له من قدرات عقلية: ـ هههههههه انفضحت يا مسكين..كل العالم راح تقول عنك مجنون، سيرتك راح تكون على كل لسان بـ "سلمية". رددت: ـ يا "هايشة" يا عيوني، يا تقبرني .. لن يصدق أحد أن خريج جامعة مثلي يسير في البرد بمثل هذه الهيئة، كما أنني بلباسي، وبفضل القبعة والنظارات الشمسية لم يعرفني أحد، بينما أنت هو من سيقول الجميع عنه: ما به " الهايشة " وماذا حل بعقله كي يرافق مجانين؟ ما تجنبته في صغري منه نـلته كبيراً، بعد أن نطقت بجملتي التي كشفت له " هايشيته " المستفحلة، نعم..لقد ناولني بكل لؤمه الدجاجي الأصيل... هداك البوكس. قدري جميل ..أليس كذلك؟
08-أيار-2021
05-أيلول-2020 | |
23-أيار-2020 | |
04-نيسان-2020 | |
21-أيلول-2019 | |
هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي. |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |