يقول " عبد الكريم حورية " وهو أحد الأنبياء المبشرين بالمعرفة:

ـ ليس الإنسان في رأيي فرداً بقدر ما هو بنيةٌ كليّة ، بمعنى أنك إذا حاولت القيام بتغييرات طفيفة في شخصيته، سرعان ما تجد أن هذه التغييرات سوف تزول بعد فترة من الزمن، ويعود النظام العام للشخصية كي يفرض نفسه من جديد على الجزء الذي تغير فيه، فيعدِّله بما يتناسب معه بوصفه بنية كليّة، أي أن هذه التغييرات الطفيفة لم تنجح في تعديل النظام الكلي للشخصية.

يعني ذلك ببساطة أن القرد الذي يتعلم فن الرسم يصبح قرداً يجيد الرسم لا أكثر ولا أقل .
وعندما يجيد تافهٌ ما كتابة الشعر أو الرواية أو الغناء أوالتلحين فهذا يعني أن شخصا ً تافهاً أجاد ذلك، لا أكثر ولا أقل.

وعندما يحصل سافل ما على شهادة دكتوراه، فهذا يعني أن حملة شهادة الدكتوراه من السفلة قد ازدادوا واحداً، لا أكثر ولا أقل.

بل لدي قناعة أبعد من ذلك:

أن الحيوان الذي " يتثقّف " قد تتعمّق حيونتهُ، وتنتعش أكثر، بفعل الثقافة التي حصّلها، ولا يكفّ أبداً عن كونه حيواناً، لا أقل ولا أكثر.

قلت له، كما يقول أحد " حوارييه "، باعتبار أن اسمه يستبطن الحوار والحرية:

ـ وعليه، وبما أنه كذلك، وبوصفه بنية كلية، فهي تتألف إذن كأي بنية من مكونات أو عناصر، ترتبط ببعضها بوساطة نمط تفاعلات، كي ترتكس على التغييرات الطارئة فيها أولاً، وتتعاطى مع المحيط بتبدلاته وفرصه ومخاطره ثانياً. وبما أن " إريك فروم " انشق عن فرويد، وذهب إلى حيث تشكل البيئة هذه البنية (مكونات ونمط تفاعلات) لا بد، ووفاءً لمنهجه هذا، أن نرى الثقب الأسود في نمط التفاعلات هذا، الذي يعتبر مسؤولاً عن تجذير البنية بصفاتها، وإعادة إنتاجها كلما سنحت طفرةٌ في أفقها التطوري. وأغلب الظن، أن هذا الثقب ليس إلا عجزاً مستداماً، ومكرساً، عن تجاوز البنية حركتها القهرية المكررة، البندولية، ونوسانها بين ثقبي فتحتي جهاز الهضم.

فأثنى المبشر بالمعرفة على قولي، وأردف:

نعم ... وأضيف:

إلى كل أولئك الذين يريدون التحدث عن الإنسان باعتباره ماهية وجوهراً؛

إلى كل من يريدون الانطلاق منه (وليس من البنية التي أنتجته) للولوج إلى المعرفة؛

إلى كل أشكال الفكر الخرقاء و العاجزة هذه؛ لا يسعني الا الرد بضحكة فلسفية، ضحكة صامتة، وأنا أتأمل مصير هذا الحيوان الأيديولوجي (حسب التوسير) وهو يحول تحرره إلى عبودية أخرى لذات البنية التي (تمرد) عليها.