عروس الإسمنت
خاص ألف
2013-08-15
كالجراد ..يتبعثرون بين الساحات، موجةٌ .. موجة .. في شارعٍ ما ترى رؤوساً تمشي، وأكتافاً تتضارب ببعضها البعض، مع النزق والتفرّس في الملامح المكفهرة..!
أي شخصٍ تصادفه أو يمرّ حذوكَ، ترى بين عينيه علامات الاستغراب والحذر منكَ، أو عكس ذلك!
فحالة الدهشة التي تعتري الوجوه، ليست قديمة، بل هي صنيعة الواقع، صنيعة الحياة اليومية، أنْ تخاف من رجلٍ خلفكَ أو رجل قادم نحوكَ، ينظر إليكَ بتمعّن...
" يرتجفُ قلبكَ ... وتتحسّس معصميكَ .. الآن سوف أتذوّق طعم الأغلال مع الركل والسُباب "
تعرف أنّـكَ لم تفعل شيئاً .. لكن، هذا ما يُمليه عليكَ الحذر في بلاد العجائب.
/
تلتفت يميناً... لا ترى شيئاً !
شارعٌ لا يمشي فيه سوى ذكرى الخطوات وأطياف أناس كانوا يتضاحكون ويتسوقون هنا وهناك...
أسلاك شائكة في المعابر تلتفُ فوق مستطيلات الإسمنت التي تقطّـع الشوارع والساحات ...!
ــ رغماً عن حذركَ وعن أنفكَ، عليكَ أن تمرّ من الزاوية المحددة لكَ؛ ( كأنكَ تقفُ عند معبرٍ حدودي للتفتيش)!
أنقذوني ..
أنقذوني من الصراخ في داخلي ... تصرخ في داخلكَ ولا تستطيع أن تُسمعَ أحداً ما ...
فالصراخ محرّمٌ .. أو الاستنكار والاستغراب!
ليس بوسعكَ أن تستقل كالعادة حافلة إلى مقصدكَ ...
فرياضة المشي القسرية، من الواجبات اليومية قطعاً !
تتحايلُ على الوقت والطرقات، تمضي بين الأزقة لدرء عدة عوامل:
ــ الاعتقال العشوائي
ــ حرارة الشمس ...
ــ المسافات الطويلة
ــ عدم رؤية تلك الوجوه التي لا يعتليها سوى النزق والشتيمة المُبطنة أحياناً، أو العلنية !
ــ طرد المشاهد اليومية التي تراها ولا تريد تكرارها في مخيلتكَ.
/
إن ما تفعله كل يوم .. من هذا الروتين القسري، يفعله غيركَ، لكن بأساليب شتى متنوعة!
منهم من يفضّل الذهاب بين أزقة وشوارع بعيدة، قد يُكلّفه هذا وقتاً كبيراً على حساب مقصده، ولكن لن يكلفه حياته إذ صادفه حاجز أرعن، أو حاجز يرغب بالتسلية مع الأخوة المواطنين.
ومنهم من يغامر ليختصر الوقت، على سبيل المثال... لا يؤمن بالتسويف .. يصطدم مباشرةً مع قدره!، إن يخشى الاعتقال أو الإهانة، ويخشى كل شيء يصدر من أولئك الوحوش البربرية... لكنّه هذا قراره، يذهب من الطريق الصحيح برأيهِ، وهذا ما لا يفضله أغلب الناس.
منهم من المغامرين أيضاً، لكنهم المغامرون الذين يجيدون فنّ التملّص ودخول لعبة الخطر والدائرة المشتعلة، مع التعويل على ألسنتهم المعسولة وعقولهم الجبارة التي يستطيعون من خلالها إقناع أي شخص أو التملص منه بطريقة فلسفية أمام أنظار الجميع، وأولئكَ قلّــة، فالعقول في بلدي باتت مليئة بالأفكار المقتولة والدمِ، وليس باستطاعتها أن تُنتج أي شيء آنٍ في لحظة الخطر، كونها تعمّقت بالمشاهد اليومية اللعينة، وانحصر تفكيرها بالبقاء.
عندما كنّــا ندخل دمشق .. في الماضي القريب، كنا نشمُ رائحة الأشجار والعشب الندي والهواء الذي له طعم مختلف في رئتيك عن باقي المدن السورية....
فما دهاك اليوم يا دمشق ...؟!
رائحة الموت هي الأولى ...
شحوب الشوارع وفراغها من الفرح ونظرات الصبايا الجميلات والعبق...!
.................
........................... تعود إلى المنزل لترى جسدكَ لا إرادياً يتمايل .. يتمايل حتى وأنتَ على الفراش ...!
لكثرةِ ما تمايلتَ بين الأزقة والحواجز الإسمنتية ... !
تمشي على شكل ( زكزاك ) كل يوم ...
وإن فكرتَ أن تعدّل من قامتكَ ...
فالثمنُ باهض .. باهض جداً إن رآك أحد كلاب الحراسة الذين يُقيّمون قامات الناس ...
فالجسد المستقيم المُعتدل ... هذا شخصٌ يتهرّب من حواجز التفتيش ونقاط الأمن والشرطة الوطنية على حسب قولهم...!
فالضريبة .. الضرب .. ثم الضرب .. ثم المساءلة أو الاعتقال...!
أما الجسد المتلوّح المتمايل ... فقد يمرّ أمام الحاجز ولا يُسأل، كونه بدت عليه العلامات الأصلية الدامغة في عبور مئات نقاط التفتيش والحواجز الوطنية.
أظن أنَ الخراب الذي حصل في سورية من تدمير بيوت وأحياء ومدن ... قد لا يتطلب الأمر أن نأتي بإسمنت، نستورده من الخارج ...
فحواجز النظام الإسمنتية في دمشق وباقي المدن ... تكفي لإقامة مُدن بأسرها ..
مدن كبيرة،
أو حتى دول إسمنتية تضاهي بجودتها سكان الأبراج المرتفعة.
08-أيار-2021
15-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
06-آذار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |