لم يحدث ذلك كبرق أو كابوس. بل ببطء وتمهل ودقة. زمن المعجزات مضى، كذلك زمن الناس المحايدين. وأقبل الوقت الملون بالدماء والخديعة والحرائق. إنه عصر البكتريا، ما تراه متلامحا ليس خضرة، هو الطحلب وبداية التفسخ، والشتات. المعجز الاستثنائي والخارق بدا مألوفا كما تلة مطوقة بالغابات، وأمواج البحر، على مساحة شرق غريب الأطوار، وغير أليف، ولا صاف كنبع. أو مستقيم مثل حد السيف. يكذب ويسرق وينتصر في معارك وهميه يخوضها على شاشات التلفاز، فترسو بأعماق الخيال وعلى هامش حرائق الأعصاب النابضة بجراح ما تزال تنزف منذ عهد نبو خذ نصر والفراغ في الصدر تحسه كأنه فراغ الهاوية. يا أنت كلنا عطشى وجرحى نطلب، والماء يساوي الموت. ونحن شعوب تحب الموت لأننا نحلم بالجنة، وننجب بوفرة، لنموت بوفرة. الموت يجول، يهددنا ويطوينا بأشواط رائدة نتقن النوم العميق، أو الإغماء إذا شئت. ننهض فقط لزيارة القبور في الأوقات المبكرة. الموت يشع منا يضمخنا بعبق دائم من بخور وصلوات وجنائز أبدية. ألسنا الشعوب الوحيدة التي يقيم أمواتها مع أحيائها. لا يرحلون، فقط، ينامون نوما طويلا تحت التراب. وينتظرون بشكل مدهش وغامض لحظة الصحو. أليس عجيبا أن نحيا نياما، ونموت فننتظر الصحو؟ في الرأس، أي رأس، أحلام و صبوات عن سفر نحو بلاد بعيدة. ألوان وصور حول الحب و اللعب والحرية والتجول في مدن أمنة وسعيدة. الروح تنوس، والقلب اعزل ومشتت مغلوب على نبضه. يتشظى منقسما على نفسه. يتفسخ بفعل جرثومة اندفعت عميقا داخل كريات الدم، حيث كل شيء مستباح ورخيص وداخل في حساب المقايضة والربح والخسارة. بدءا من فساد الروح وانتهاء بالشهداء المجانين والمتجمعين تلا أبديا أمامنا لنقرأ ذكرا من آيات الله في الوقت الصعب؛ يا أبت أني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين. في سعي حثيث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دفاعا عن النوع، والبقاء بعد انفراط عقد الانتماءات وانتظار المهدي المنتظر. سيدي الخضر الأخضر ما( رأيك بمنقذ أخضر ) أنا أرى بذلك تحرر من عنصرية اللون، نقيم الطقوس الأسطورية والحضرة وندخل غيبوبة الجسد، الذي يتخدر تحت سطوة الشائعات والمبالغات، وفيضانات مجنونة من غفلة تضيع الصواب، فننجرف كورق شجر خريفي نحو البحر أو الصحراء. حتى أن التشبث بحجر أو جذع ساقية غير ممكن لحظة الانهيار. الأرض والماء مسحوبين من تحتنا والسماء. ونحن نتأرجح في الفضاء العاري. من أراد البقاء فليكن له أسوة بهجرة الرسول الأعظم. ارحل في التيه. والأنفاق المظلمة، والمجرات الضيقة. اعبر بوابات النار، والتوبة، أوعد بلا شوق ولا وطن. عد بريئا من لونك ودمك وروحك. أو ابق منبوذا ومطاردا وملقى كالوباء على أطراف الكون والارتهان. وانتظر أن تساق إلى ساحات الإعدام، دون صرخة أم أو دمعة حبيبة. مت ثم تبدد هباء منثورا. لا ترفع صلاتك الأخيرة فلا السماء تستحق لأنها شفيعة ولا الأرض حنونة.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...