كمصباحٍ دامع
خاص ألف
2013-09-02
((لا شيء تغيّر يا أبي, حتى النسوة الغافلات اللاتي يركبن التاكسيات ويتركن الأبواب مغلقة على أنصاف أذيالهن بالخارج ما زلن لا ينتبهن, وأنا أصبحتُ أغفل مثلهن. لا أجزم برؤيتي ثوبي بالخارج, أو لأنّ أحدهم نبّهني لذلك, لكنه من الأكيد أن يكون حصل بتلقائية غفلي ولا وعيي هذه الأيام.
جحور الحشرات الصيفية تتفتح باتساع وبانتظام كما كل صيف. والشوارع تتحول إلى أسراب من الكائنات المتحركة من الجمادات والبشر, الشوارع مبهرة بسخطها المتزايد, صدقني لم يحدث شيء منذ مرورك من هنا من ثلاثة أعوام, الإشارات الضوئية لم تخطئ ألوانها لكن العابرين دوما لا يقتنعون بذلك. يتحلّون بعقاب المخالفات الذي سيتحللون منه بربع قيمته رشوة.
العيادات فقط مكتظة بالناس. الأطفال جدًّا. والحوادث. وكبار السن يرفضون تلقي العلاج والانصياع لإجراء العمليات الجراحية يقولون مثلك: هنموت كده.
لا شيء يحدث مثير للشفقة أكثر من طفلة تحمل غصن ورد أطول منها ابتاعته من طفلة مثلها تعرف أنها تمتلكه فقط للغير.
لا شيء يا أبي.. البنايات بنفس طوابقها لم تزد ولم تنقص, لكن اليد القدرية بداخلها ما زالت ممتدة وإلى الأبد. جيران خالتي المسافرون للخليج ما زالت شقتهم مقفولة, فقط نرى بلكوناتهم مغسولة بشكل غير مهم مرة في السنة, أو في السنتين.
أنا مثل أنا, التي تركتها في ذات الموقف الذي بكيتَ فيه من أجلها. لا شيء يتغير.
أحمد الله أنك غير موجود معي الآن كي لا أبكيكَ ثانية, وأنت الذي لم تبك في حياتك قط من بعد جدي. أعلم أني أيضا لن أبكي من بعدك. قلتُ لك لا شيء مهم. صدقني.
حتى أن الطريق كانت طويلة جدا ومرهِقة من بيوت إسمنيتة في خرابةٍ إلى الشارع الدائري, الذي وصلتُه نازفة لتنقلني سيارة الإسعاف وأنا أحمل في كتفي رصاصة ورأسي مفتوح. مما استهلك وقتي ونبّهني متأخرة للعمل. كان كابوسًا على الأغلب. كل ما كان يعنيني أن ألمس رأسي عدة مرات لأتأكد من أنه لم يسكب فكرة. كانوا عصابة ومجرمين. وكنتُ خائفة جدا ومشحونة بجدًّا. فشَلَ صحوي من منام معذِّب لاستعادتي من المشهد. الحياة منام آخر بكامل إرادتنا ووعينا. انتُهك وعيي يا أبي. ليتني أنزلتُ كل العالم من رأسي المفتوح حتى ذلك الشاب الذي لم أعد أحبه, يجرحني. حتى وأني لا أحبه. لكن الطلقات الحية تمتد بتعاقب. طعم محشي الباذنجان الخرافي الذي أكله خطيبي السابق يتعبني فيه طعم الإحسان مختلطا بكذبه. والكثير.
ليت الحياة منام دائم يا أبي. لم أعد أتحمل الألم الذي كنتَ تشعره. حتى بعد أن تخلّصتَ منه الآن. ما زلتُ أشعره. ما زال الكثير من اللا شيء يؤلمني. بكيتُ بشدة. بكيت بكيت. ودخلتُ في موعد كشفٍ ليس لي, لم يعطني الدكتور مسكّنًا. بل كاد يجنّ ليعطيني.
أما قلتُ لكَ: لا شيء. وهذا الذي يؤلمني. وهذه المنامات والاغتيالات الحية. والشارع والناس الجماد والمحشي والإحسان وغيابك وعيي باللاوعي, والرصاصات التي لم تزل في كتفي)).
08-أيار-2021
09-تشرين الثاني-2014 | |
01-تشرين الثاني-2014 | |
26-تشرين الأول-2014 | |
19-تشرين الأول-2014 | |
08-تشرين الأول-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |