منْ أحرق أخضر الربيع؟
خاص ألف
2013-09-22
احترق أخضر الربيع وبقي العرب كعادتهم أهل صيف وسيف, وإلغاء ونفي, وتسقيط بتحريف التنقيط, في محاولة لطمس آثار التغريب بالتعريب. لازالتْ تحكمهم القافية منذ أيام "أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم" حتى يوم الناس هذا. ويسوقهم إلى الإعدام الطول المناسب للمشنقة. ويُعاد إحياء "قرقوش" وأحكامه على يد المتشددين ودعاة التقدم إلى الماضي المجيد, من الذين دخلوا من باب ديمقراطية القبائل والقوافل. من هذا الباب نفسه عاد طغيان اللونين الخالدين الأسود والأبيض على كامل المشهد وإن تلوّنتْ الشاشات وتعددت منابر الردح الإعلامية التي تساهم بإذكاء أحطّ ما لدى الانسان من غرائز الحقد والضغائن والانتقام والتشفي. أنظر حولك, أنظر إلى تلك الرايات المرفوعة التي أزاحت الأعلام الوطنية لصالح راية الخروف الأبيض والخروف الأسود. أو "آق قوينلو وقره قوينلو" كما درسناها في كتب التاريخ المدرسية. راية بشعارات سوداء على خلفية بيضاء أو شعارات بيضاء على خلفية سوداء. في حالة العمى هذه تتحول الحياة إلى حلبة لمصارعة الثيران التي تعاني أصلاً من عدم قدرتها على رؤية الألوان. ويبدو أن كل أنواع الفن التشكيلي التي تذكرنا بألوان قوس قزح باتتْ من الكبائر, حتى إن أحد كتب التراث تقول إن قزح من أسماء "الشيطان" وتوصي باستبداله بـ"قوس الله" . انعكاس هذا الفكر عبر ثنائية الأبيض والأسود في مشهد الربيع العربي "طيب الله ثراه" يصحّر ليس الحياة العربية بل يجفف الأرواح قبل الأجساد. وعندما يحلّ الجفاف وتغور المياه. يذهب الحب أدراج البنوك والكارتات المصرفية وتتشيأ العواطف حتى تصبح سلعة معروضة في واحات الصحراء. في خلفية المشهد الخاوي والدمار العظيم للبشر والمنازل والمزارع, تُسمعْ ضحكات وصرخات هستيرية للغالب وللمغلوب. عندها يسكن في القلوب الخوف الدائم والشامل فالعدو لا يتربص على الأبواب بل يعشعش في الحنايا, بعد أن ينشطر الانسان على ذاته. ويتحول المجتمع حينها إلى جمع فيذوب الفرد في روح القطيع الذي يسمى الجماعة "مجازاً", قطيع تحركه الغرائز وأصوات الطبول وتفرقه عصى راعي الجمع. أما عقلاء القوم فيكونون في وضع لايحسدهم عليه أحد, فهم حيارى وسكارى من الحيرة التي تغرز أنيابها في أعناقهم وكما يقول المثل الشعبي الدارج "إذا جنّوا ربعك عقلك ما ينفعك". وتحملهم مسؤولية ما يجري من جنون مطبق, وعبثية لا يصل إلى درجاتها أشهر كتاب مسرح العبث وأبطال اللامعقول. فبأي حجة يمكن لعاقل أن يجادل منْ يفتي بوجوب وضع الخيار في كيس منفصل بعيداً عن الطماطم لأن الأول ذكر وحمراء الخدين أنثى؟!!. أو أن يلبس الماعز "اندروير" حتى لا تكون فتنة. وأي منطق يبرر قتل عامل نظافة لأنه موظف لدى نظام كافر؟. وأية عقول هذه التي تصدر أمثال تلك الفتاوى؟ أم إنها لعنة كانت تسكن في اللاوعي الجمعي الذي زرع في جينات أبناءه احتقار الحياة كهبة ربانية وقيمة عليا وتحويل اسمها إلى الحياة الدنيا لكي تقترن بالدنية والدونية. كما زرع الإحساس باليتم الدائم والبحث الدؤوب عن منقذ ومخلّص ومنجد ومهدي لا تكتمل صورته إلا في المستبد "العادل" الذي ترسله السماء لإحقاق الحق الذي يعجز الأرضيون عن إقامته. فالحياة في نظر هؤلاء الجهابذة ليستْ سوى دار ممر والمقر هناك في البعيد في الغيب, على الرغم من أن هؤلاء حريصين كل الحرص على أن يحصدوا خيرات دار الممر عاجلاً وليس آجلاً ويسوّقون لليتامى خريطة الطريق إلى دار المقرّ بأسرع وقت ممكن وبكبسة زر تسبقها صرخة "الله اكبر" يطلقها المخدوع والمغرر به. وحتى يأذن الله ويجمعهم في أعلى عليين من جنة الفردوس المفقود! وبفارق بسيط لا يكاد يذكر!! فجهابذة التصحّر من "علماء" دين ومفتين ومشرّعين يجنون خير الدارين وسعادة المقامين و"ألف صحة وهنا" للشاطر في زمن الأغبياء والمغيبين وضحايا الفقر والجهل والأزمات الاجتماعية. وبعد كل ماتقدم يصبح من الطبيعي أن يخرج الملايين في مصر دعماً لعودة جزئية لحكم العسكر, فهناك الكثيرون ممن يرون أن العسكر بكل شموليتهم أرحم من الذين يدخلون أصابع "الحشرية" تحت غطاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بأرواح وأجساد وضمائر الناس في محاكات لمحاكم التفتيش, التي ألقى بها العلم وتقديس الحياة, إلى مزبلة التاريخ وفرض الاعتذار الرسمي على المؤسسة التي رعتها.
08-أيار-2021
21-تشرين الثاني-2013 | |
16-تشرين الثاني-2013 | |
05-تشرين الثاني-2013 | |
26-تشرين الأول-2013 | |
15-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |