البيان المكسيكي / قصة روبيرتو بولانو ترجمة:
خاص ألف
2013-10-14
لم أمارس الحب مع لورا في تلك الأمسية. و في الحقيقة، لقد تناولنا حقنة و لم يحصل شيء. أو على الأقل هذا ما ظننته في حينه. و الآن لست متيقنا تماما. ربما مارسنا الحب، هذا ما قالته لورا، و حينما أزمعنا على ذلك قدمتني لعالم الحمامات العامة، و منذئذ، و لفترة طويلة جدا، كنت أستمتع و ألهو. و أول مرة بلا شك هي الأفضل. كان المكان يسمى صالة مونتيزوما، و في البهو أنجز فنان مجهول نموذجا ترى فيه الإمبراطور الأزتيكي برقبة عارية و في بركة. و على الأطراف، قرب الذات الملكية، و لكن بأحجام أصغر، رجال و نساء يستحمون و يبتسمون.
كان يبدو على الجميع عدم الاهتمام باستثناء الملك، و هو ينظر باستمرار خارج النموذج، و كأنه يبحث على جمهور غير مناسب، بعينين سوداوين مفتوحتين على وسعهما، و غالبا ما كنت أعتقد أنني أرى فيهما الرعب. كان ماء البركة أخضر. و الحجارة رمادية. و في الخلفية، بوسعك أن تشاهد الجبال و عاصفة من الغيوم.
كان الولد الذي يعمل في صالة مونتيزوما يتيما، و هذا هو موضوع كلامه الأساسي. في الزيارة الثالثة، عقدنا أواصر الصداقة. كان عمره ثمانية عشر عاما فقط، و يرغب بشراء سيارة، و لذلك وفر كل ما بمقدوره: لأن الإكراميات قليلة. و حسب أقوال لورا، هو بطيئ الحركة قليلا، و لكن أعتقد أنه رائع.
في كل حمام عمومي، توجد إمكانية لنشوب مشاحنات من وقت لآخر. و لكننا لم نشاهد أو نسمع شيئا من ذلك. أما الزبائن، المعتادين على بعض آليات العمل غير الواضحة، فهم يحترمون و يطيعون كل كلمة من تعليمات اليتيم. فوق ذلك، لتكون منصفا، لم يكن هناك عدد كبير من الناس، و هذا شيء ليس بوسعي أبدا تبريره، فالمكان نظيف، و حديث نسبيا، و هو مزود بأمكنة فردية للساونا لتحصل على حمامات بخار، مع توفير خدمات بار في الساونا، و علاوة على ذلك، كل شيء رخيص التكلفة. و في ساونا رقم 10، شاهدت لورا عارية لأول مرة، و كل ما فعلته أن ابتسمت و لامست كتفها و قلت لا أعلم أي صمام يجب تدويره لأسمح للبخار بالانطلاق.
كانت الساونا، مع أنه يمكنك أن تدعوها غرفا خاصة، مجرد تجمع من مقصورتين صغيرتين يصل بينهما باب من الزجاج. في الأولى يوجد بالعادة كنبة- كنبة قديمة تذكرك بالتحليل النفسي و بيوت العاهرات، و طاولة قابلة للطي، و حمالة معاطف. بينما المقصورة الثانية هي حمام البخار الحقيقي، مع دوش ساخن و بارد و دكة على طول الجدار و هي من رخام أزوليغو ( رخام براق يستعمل في إسبانيا و البرتغال - المترجم)، و تحتها الأنابيب المخفية التي تطلق البخار.
و الانتقال من غرفة إلى التي تليها شيء مدهش، و بالأخص إذا كان البخار كثيفا و لا يمكننا رؤية بعضنا البعض. بعد أن نفتح الباب نتجه للمقصورة المزودة بالكنبة، حيث الفضاء واضح، و خلفنا، كأننا في حلم، غيوم من البخار تمر بجوارنا لتختفي بسرعة. هناك يطيب لنا الاستلقاء و أيدينا متماسكة و أجسامنا تبرد و نحن نسمع أو نحاول أن نسمع الأصوات القادمة من الصالة و التي تكون بالكاد محسوسة.
إننا عمليا نتجمد و يغمرنا الصمت، و أخيرا نسمع تدفق الماء في الأرض و الجدران، صوت خرير يشبه أصوات الهررة و هو ناجم عن ماء حار يمر بالأنابيب و يصب من مراجل توفر المادة اللازمة للعمل من أماكن سرية موجودة في المبنى.
قالت لورا: ذات يوم سوف أتجول هنا، كانت خبرتها بغزو الحمامات العامة أوسع من خبرتي. و لكن لم تخبرني بأشياء كثيرة، لو أخذت بعين الاعتبار أنني لم أتجاوز من قبل عتبة مثل هذه المحافل. و مع ذلك، قالت إنها لا تعرف شيئا عن الحمامات. لا تعرف بما فيه الكفاية. لقد ذهبت إليها عدة مرات برفقة إكس، و قبل إكس، مع شخص له من العمر ضعف عمرها، و كانت تشير له دائما بعبارات غامضة. عموما، لم تذهب إليها ما يزيد على عشر مرات، و دائما لنفس المكان، صالة مونتيزوما.
معا و نحن نقود بينيللي- من النوع المنتشر في كل الأنحاء، حاولنا زيارة كل الحمامات في مدينة مكسيكو، تقودنا حماسة لا حدود لها هي مزيج من الحب و اللهو. و لكن لم ننجح. على العكس، كلما أمعنا بذلك اتسعت الهوة من حولنا، هوة السينوغرافيا السوداء الحالكة للحمامات العامة. تماما مثل الوجه المخفي للمدن الأخرى في المسارح و الحدائق و الموانئ و الشواطئ، و المتاهات و الكنائس و بيوتات الدعارة و البارات و صالات السينما الرخيصة و الأبنية القديمة و حتى في السوبرماركتات، إنه يمكنك أن تجد الوجه المخفي لمدينة مكسيكو في شبكة واسعة من الحمامات العامة المرخصة و نصف المرخصة و غير المسموح بها. أما برنامجنا فقد كان في البداية بسيطا:
طلبت من الصبي في صالة مونتيزوما أن يدلني على مكان بعض الحمامات الرخيصة. فقدم لي خمس بطاقات، و كتب على قطعة من الورق أسماء دستة من الأماكن. و منها تشعبت محاولات البحث لعدد لا حصر له من المرات.
كانت البرامج تختلف باختلاف المباني. وصلنا لبعضها في العاشرة صباحا و غادرنا في ميعاد الغداء. و هذه كقاعدة هي أماكن مضاءة و لها جدران رقيقة حيث نسمع أحيانا ضحكات المراهقين و سعال رجال ضائعين و وحيدين، إنهم نفس الرجال، الذين بعد قليل من الوقت، سوف يتحاملون على أنفسهم، و ينهضون ثم ينشدون أغنية البوليرو. أما جوهر تلك الأماكن على ما يبدو هو في فكرة المطهر، صبي ميت بعينين مغلقتين.
لم يكونوا نظيفين جدا، و لكن ربما كان التنظيف يجري لاحقا في النهار. و في غيرها، كنا نظهر في الرابعة أو الخامسة مساء، و لا نغادر حتى يخيم الليل. هذا برنامجنا الاعتيادي. و الحمامات في تلك الساعة على ما يبدو تتمتع أو تعاني من ظل دائم. إنه ظل خداع، مثل قبة أو شجرة نخيل ، أقرب شيء للجرابيات، في البداية تكون ممتنا له، و لكن في النهاية يكون أثقل من شاهدة القبر.
و في السابعة و السابعة و النصف و الثامنة مساء تزدحم الحمامات. و على الرصيف المجاور للباب يقف المراهقون للحراسة، و هم يتكلمون عن البيسبول و الأغاني الشعبية. و تردد الممرات صدى النكات الذميمة التي يتبادلها عمال قدموا للتو من معاملهم و ورشاتهم. و في البهو يرحب الاستعلامات و أولئك الذين يقتلون الوقت في الكنبات أشخاص اعتياديون، إنهم عصافير البوابة الذين يرددون الاسم الأول أو اللقب الشائع nom de guerre. و لو أضعت طريقك في الممرات، يفتح ذهنك شيء بجرعات قليلة، القليل فقط، و يقدم لك المعلومات اللازمة. أبواب مفتوحة أو نصف مفتوحة، كأنها انزلاقات، كأنها شقوق في الأرض، توفر لك رؤية لوحات حية تسعد المشاهد: مجموعة من الرجال العراة سلموا أنفسهم بالكامل للبخار، مراهقون ضائعون كالنمور في متاهة من المياه المتساقطة، لاعبو جمباز و جماعة من مهنة كمال الأجسام و أشخاص وحيدون يقومون بحركات بسيطة و لكن مرعبة، تجد أيضا ثياب مجذومين معلقة تتدلى هنا و هناك، و يوجد رجال مسنون يشربون لولو و يبتسمون و هم يميلون على باب الحمام التركي المصنوع من الخشب. من السهل أن تعقد صداقات، و قد فعلنا ذلك. و اضطرت جماعتان لتبادل التحية بعد أن مرتا عدة مرات في الممرات. و هذا يعود لنوع من التضامن بين الجنسين. أما النساء، في معظم الحمامات العامة، قلة دائما و ليس من غير الشائع أن تسمع قصصا غريبة عن اعتداء أو تحرش، مع أنه في الحقيقة لا تعزى مصداقية لتلك الحكايات.
هذه الأنواع من الصداقات نادرا ما تتجاوز تناول البيرة أو كأسا من المشروب في البار. في الحمامات نقول مرحبا و في الحالة القصوى نستحم متجاورين في الساونا. و بعد قليل، أول جماعة تنتهي تنقر على باب الأصدقاء، و من غير انتظار الجواب، ينادي أحدهم قائلا إنهم سينتظرون في مطعم كذا و كذا. ثم يغادر الآخرون و يذهبون للمطعم و يتناولون مشروبا أو إثنين. و في النهاية يقولون وداعا حتى المرة القادمة. و أحيانا يثق بك هؤلاء الأزواج، الرجل أو المرأة، لا سيما إذا كانوا متزوجين حقا، و لكن ليس فيما بين بعضهم البعض، و يخبرونك عن حياتهم و أنت تهز رأسك، و تقول: ذلك هو الحب، يا له من عار، إنه القدر، هذا بسبب الأولاد.
كم هذا شاعري و لكنه مصدر للإحباط و الضجر. هناك صداقات أخرى أكثر حركة بقليل، و تشمل الأشخاص الذين يزورونك في غرفتك الخاصة.
ويمكن لهؤلاء أن يكونوا مضجرين مثل النوع الأول، و لكنهم أشد خطرا. إنهم يظهرون بلا مقدمات، و يقرعون الباب فقط، دقة غريبة و سريعة، و يقولون: اسمحوا لنا بالدخول. و نادرا هم أشخاص وحيدون، و تقريبا هم دائما ثلاثة معا، رجلان و امرأة أو ثلاثة رجال، و الدوافع التي يفسرون بها الزيارة تكون حمقاء أو غير قابلة للتصديق: لتدخين حشيشة صغيرة، و هو غير مسموح به في الحمامات الجماعية، أو لبيع شيء أو آخر.
كانت لورا دائما تسمح لهم بالدخول. في المرات الأولى القليلة شعرت بالتوتر، و كنت جاهزا للعراك حتى أسقط منقوعا بالدم على بلاط الغرفة الخاصة. و توقعت منطقيا أنهم جاؤوا للسرقة أو لاغتصاب لورا، أو للاعتداء الجنسي عليّ، لقد بلغ السيل الزبى. و كان الزوار يشعرون بذلك، بطريقة ما، و لا يتكلمون معي إلا حين الضرورة أو إذا جعل السلوك اللائق تجاوز وجودي مستحيلا.
لقد ذهبت كل الاقتراحات و الصفقات و الهمسات نحو لورا. فهي التي سمحت لهم بالدخول، و هي التي استفسرت منهم عن الدواعي اللعينة التي تقف وراء قدومهم، و هي التي تركتهم يمرون عبر الغرفة إلى الكنبة ( كنت أستمع من وراء البخار و أرى كيف جلسوا - الأول ثم التالي ثم الذي بعده- ثم عادت لورا، دونما حركة، و كان بمقدورنا رؤيتها عبر زجاج الباب المغطى بالجليد و الذي يفصل البخار من المقصورة المقابلة، و التي تحولت فجأة إلى قضية غامضة). و أخيرا، نهضت، و وضعت منشفة حول خصري، و دخلت.
حياني رجل و ولد و بنت بتردد عند رؤيتهم لي، كأنهم و بعكس المنطق، يتوقعون لورا فقط و ليس كلانا. كأنهم يتوقعون أن يروها هي فقط. عيونهم السود لم تهمل إيماءة واحدة منها، و هم على الكنبة، بينما أيديهم الحرة تلف سيجارة الحشيش.
كان يبدو أن المحادثة مشفّرة بلغة لا أعرفها. و بالتأكيد ليس بلغة المراهقين العامية التي ذاع صيتها يومذاك، و التي بالكاد أتذكر منها اليوم عبارة أو اثنتين، و لكن بلهجة عامية بذيئة لكل فعل فيها و لكل جملة لمسة لها معنى جنازة و قبر. ربما قبر في الفضاء. ربما واحد من الوجوه المشوهة لقبر متهدم. ربما. و ربما كلا. في كل حال، انضممت للحوار، أو حاولت ذلك.
لم يكن ذلك سهلا. و لكن لحق بي التعب. أحيانا، مع الحشيش يأتون بقوارير من الكحول. و القوارير ليست مجانية، و لكن مع ذلك لم ندفع الثمن مطلقا. كان عمل الزوار في الساونا بيع الماريغوانا و الويسكي و بيض السلاحف، و هذا نادرا بموافقة من الاستقبال أو طاقم الحراس، الذين تحتاج لإقناعهم من غير تردد. و لهذا السبب من الأهمية بمكان أن يجدوا شخصا يحميهم و يتستر عليهم.
و أيضا إنهم يبيعون بطاقات المسرح، و يجنون منها ما يكفي، أو يرتبون لعروض خاصة لها جو العزوبية في المساحات التي يحجزها شريكان.
و تكون حالة هذه الشركات المتنقلة متواضعة أو مزدهرة، و لكن العقدة الدرامية للمشهد هي نفسها دائما: الرجل العجوز يستقر على الكنبة ( أفترض أنه يفكر) بينما الولد أو البنت ، أو الولدان، يتبعان المشاهدين حتى صالة البخار. و كقاعدة عامة لا يستمر العرض لما يزيد على نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة، بتدخل أو بلا تدخل من المشاهدين.
و حينما ينتهي الوقت يفتح الباب الرجل الجالس على الكنبة و يعلن للجمهور المحترم، و هو يسعل بسبب البخار، الذي مر بسرعة إلى الغرفة الأخرى، نهاية العرض. كانت الإعادة مرتفعة الثمن جدا، مع أنها لا تستغرق أكثر من عشر دقائق. كان الصبيان يحصلون على دوش سريع، ثم يخطفان ثيابهما من يد الحارس. و أتذكر أنهما يرتديان الثياب و أجسامهما لا تزال رطبة. أما المدير الفني ذو الأصل الوضيع، و لكن الذي لديه خبرة كان يستفيد من اللحظات الأخيرة ليقدم للمشاهدين المبتهجين ما لديه من عجائب في سلته و حقيبته: الويسكي الذي تشربه بأكواب من الورق، سجائر حشيش ملفوفة بيد خبيرة، و بيوض السلحفاة التي يثقبها بإبهامه الضخم، ثم يعصر عليها الليمون و الفلفل الحار و هي في كوب من زجاج.
في غرفتنا الخاصة كانت الأمور مختلفة. إنهم يتكلمون بنعومة. و يدخنون الماريجوانا. و يسمحون للوقت بالمرور، و هم ينظرون لساعات اليد مرارا و تكرارا و حبات العرق تغطي وجوههم.
أحيانا يتبادلون اللمسات، و يلمسوننا- و هذا شيء لا مهرب منه، بغض النظر عن الغاية، لو أننا جميعا نجلس على الكنبة- و لكن تلاصق السيقان و الأذرع يكون أحيانا منغصا و مؤلما. ليس من ألم الجوع للجنس و لكن ألم الضياع الذي لا عذر له أو ألم الهزيع الأخير من الإحساس بأمل يجوب أصقاع هذا البلد المجهول و الغامض.
و لو أنهم أصحاب، توجه لورا لهم الدعوة ليتخلصوا من ثيابهم و ينضموا إلينا وسط البخار. و نادرا ما يقبلون. و يفضلون التدخين و الشراب و الإصغاء للقصص. ثم يسترخون. بعد قليل يغلقون الحقيبة و ينصرفون. ثم، في نفس اليوم بعد الظهيرة لمرتين أو ثلاث مرات، يعودون و يتكرر الروتين. و لو أن لورا بمزاج طيب، تسمح لهم بالدخول، و لو أنها متكدرة لا تفعل. بل توبخهم من وراء الباب و تدعوهم للتوقف عن التجسس علينا.
كانت العلاقات، باستثناء مشاحنة يتيمة واحدة أو إثنتين، مبنية على الانسجام. أحيانا أعتقد أنهم كانوا يحبون لورا من فترة طويلة حتى قبل أن يلتقوا بها. و ذات ليلة، وفر لنا الرجل العجوز، الذي أتى بهم، عرضا ( في ذلك الوقت كان يوجد منهم ثلاثة، عجوز و شابان ). لم نر مثل هذا العرض من قبل. سألت : كم تبلغ كلفته؟. لا شيء. فطلبت منهم لورا الدخول. كانت غرفة البخار باردة. تخلصت لورا من المنشفة و فتحت الصمام: و بدأ البخار بالتصاعد من الأرض. و شعرت كما لو أننا في حمام سريع في سجون النازية و هم على وشك أن يقتلونا بالغاز. و تعمق هذا الشعور حينما رأيت الولدين يدخلان، و خلفهم العجوز المتهور، لا تغطيه غير بعض السراويل الداخلية القذرة العسيرة على الوصف. ضحكت لورا. نظر إليها الولدان، بقليل من الخجل، و وقفا في منتصف الغرفة. ثم ضحك الإثنان أيضا. و جلس العجوز دون أن يتخلص من لباسه الداخلي الفظيع، بيني و بين لورا. هل ترغب أن تكتفي بالمشاهدة أم أن تشاهد و تشارك؟. قلت: المشاهدة.
قالت لورا: سوف نرى كل ما هو عرضة لهذه المخاطر. ثم ركع الصبيان كأنهما سمعا صوتا آمرا و بدآ بتدليك بعضهم البعض بالصابون. و في حركاتهم الخبيرة و الميكانيكية يمكنك أن تلاحظ كم هما متعبان و أن تنتبه لسلسلة من الرعشات التي يمكن بسهولة ربطها بوجود لورا.
مر الوقت. و استعادت الغرفة كثافة البخار فيها. على أية حال، كان يبدو أن الممثلين الساكنين و هم بوضع البداية، قد جمدوا: لقد ركعوا و وجوههم متقابلة، غير أن ركوعهم كان بطريقة فنية قوطية، و قد شرع كل واحد فيهم يستمني الآخر بيده اليسرى و هو يحافظ على توازنه بيده اليمنى. كانت ملامحهما مثل العصافير. منحوتتان لعصافير معدنية. لا شك أنهما متعبان، و لكنهما لم ينجزا المهمة، كما قال الرجل العجوز. في الواقع إن عضويهما الجنسيين المبللين بالصابون منتصبان لأعلى بقوة. قال العجوز: لا تفقدا ذلك يا أولاد. و بدأت لورا تضحك مجددا. قال واحد من الولدين: كيف تتوقعون منا أن نركز لو واصلتم الضحك طوال الوقت؟.
نهضت لورا، و تجاوزتهما، و استندت على الجدار. كان الممثلان المتعبان بيننا. و شعرت بالوقت ينشطر في داخلي. و دمدم العجوز بكلمات ما. نظرت إليه. كانت عيناه مغلقتين كما لو أنه نائم. قال واحد من الصبيين: لم ننم هكذا من فترة طويلة. و أفلت قضيب شريكه. ابتسمت لورا له. بجانبي، بدأ العجوز بالشخير. ابتسم الصبيان، و شعرا بالطمأنينة و اتخذا وضعا مريحا. و سمعت صوت طقطقات عظامهما. و انزلقت لورا على الجدار حتى التصقت مؤخرتها برخام الجدار. قالت لواحد منهما: أنت هزيل جدا. أنا؟ ثم قال لها الصبي: و أنت. في الحقيقة لقد كنا جميعا بمنتهى النحول.
أحيانا يجعل صفير البخار تمييز و سماع الأصوات الخافتة مسألة صعبة. أما جسم لورا المستند على الجدار بركبتيها المرفوعتين لأعلى، فقد غطاه العرق: كانت القطرات تنحدر على أنفها، و على رقبتها، و تصنع شقا عميقا بين ثدييها، حتى أنها تعلقت بشعر عانتها قبل أن تسقط على رخام الأرض الحار. دمدمت قائلا: يا الله نحن نذوب. و غمرني فجأة الشعور الفادح بالحزن.
وافقت لورا بهزة من رأسها. و كانت تبدو حلوة جدا في تلك اللحظة. فكرت: أين نحن؟. و بقفا يدي مسحت القطرات التي انحدرت من حاجبي إلى عيني و منعتني من النظر الواضح. و تنهد واحد من الصبيين. و قال: أنا مرهق جدا. فاقترحت عليه لورا أن يخلد للنوم. كان هذا غريبا: و شعرت كأن النور يخف، و يفقد بريقه، و خشيت أن يصيبني الإغماء، ثم خمنت أن البخار الفائض عن اللزوم يبدل من الألوان و النبرات، و لذلك مال الجو ليكون أشد حلكة.
تبادر لذهني: كأننا نراقب غروب الشمس، هنا، في الداخل، من غير نوافذ. ويسكي و ماري جاين ليسا صحبة طيبة. قالت لورا كما لو أنها تقرأ أفكاري: لا تقلق، كل شيء ممتاز. ثم شرعت تبتسم، ليس ابتسامة ساخرة، و ليس كما لو كانت ترفه عن نفسها، و لكن ابتسامة طرفية، ابتسامة عقدتها في مكان ما بين الإحساس بالجمال و البؤس، و مع ذلك هو ليس الجمال و البؤس بحد ذاته، و لكنه القليل من الجمال و القليل من البؤس، أقزام مثيرون للشك ، أقزام رحالة و لا يمكن استيعابهم. قالت لورا: استرخ، هذا بسبب البخار فقط. و هز الصبيان رأسيهما عدة مرات فقد كانا مستعدين لتقبل كل شيء تقوله لورا من غير تردد.
ثم سمح واحد منهما لنفسه أن يسقط على الرخام، ارتكز برأسه على ذراعه و سقط بالنوم. نهضت، محاذرا أن لا أوقظ العجوز، و اقتربت من لورا: و قرفصت بجوارها، و دفنت رأسي في شعرها الرطب و المعطر. و شعرت بأصابع لورا تحضن كتفي. في فترة وجيزة، فهمت أن لورا تلهو، بنعومة، و لكنها تلعب: كان لونها الوردي حماما شمسيا على كتفي، ثم مر أصبعها المزين بالخاتم من جواري و تبادلا التحية بقبلة. ثم ظهر الإبهام ثم انحدر كل من الوردي و أصبع الخاتم حتى نهاية الذراع. ثم أصبح الإبهام ملك الكتف و استلقى لينام. بدا لي أنه التهم بعض الخضار التي تزرع هناك، و انغرس ظفره في لحمي، حتى عاد الوردي و أصبع الخاتم، و التحما بالأصبع الوسطى و السبابة. و كلها معا أرعبت الإبهام، الذي اختفى وراء الأذن و تجسس على بقية الأصابع من هناك، دون أن يفهم لماذا استبعدوه، بينما رقص ما تبقى على الكتف و شربوا و مارسوا الحب، و في خضم غيبوبة الثمالة، فقدوا توازنهم و سقطوا من السفوح و انحدروا على الظهر، و قد اغتنمت لورا الفرصة لتحضنني و تلمس برفق شفتي بشفتيها، و في نفس الوقت تسلقت الأصابع الأربع المرضوضة مجددا، و تمسكت بالعمود الفقري، و لاحظت الإبهام الفقرات من غير التفكير بترك أذنه.
قلت همسا: وجهك يلتمع. عيناك، و أطراف الحلمتين. قالت لورا: و أنت أيضا. شاحب قليلا على ما أظن. و لكنك تلتمع. إنه البخار الممزوج بالعرق. كان واحد من الصبيين يراقبنا بصمت.
سأل لورا: هل حقا تحبينه؟. كانت عيناه واسعتين و سوداوين. جلست على الأرض. قالت لورا: نعم. قال الصبي: لا بد أنه يعشقك. ضحكت لورا مثل ربة منزل. و قالت: نعم. فقال الصبي: لديه أسباب واضحة. قلت: نعم. لديه أسباب كافية. هل تعرف كيف هو مذاق العرق الممتزج بالحلوى؟. إنه يعتمد على النكهة الخاصة لكل شخص.
استلقى الصبي قرب شريكه، على خاصرته، و قد ضغط صدغه بقوة على الرخام، دون أن يغلق عينيه. انتصب قضيبه الآن. و لامس ساقي لورا بركبتيه. و رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يتكلم. و قال: فلنعمد للنكاح قليلا. و لم ترد لورا. كان الصبي على ما يبدو يتكلم من وجهة نظره الخاصة. هل تعرفين كيف هو مذاق القليل من البخار الممزوج بالقليل من العرق؟. ما هو مذاقه حقا؟ كيف ستكون نكهته؟ كان البخار قد جهزنا للنوم.
انزلق العجوز قليلا حتى استلقى بالكامل على الدكة. و تكور جسم الصبي و انكفأ على نفسه، و التفت ذراعه حول خصر الآخر المستيقظ. و وقفت لورا لتراقبنا مطولا من الأعلى. و خطر لي إنها ستفتح الدوش، و هذا سيترك مفعولا قاتلا على النائمين.
قالت: الجو حار. حار لدرجة لا تحتمل. لو أنهم ليسوا هنا( كانت تقصد الثلاثي)، لطلبت من البار صودا. قلت لها: بمقدورك ذلك. لا أحد ينوي أن يأتي إلى هنا. قالت لورا: كلا، الأمر ليس كذلك. هل أطفئ البخار؟. قالت لورا: كلا. رفع الصبي رأسه و حدق بقدمي بإمعان. قالت لورا: ربما يرغب بممارسة الحب معك. و قبل أن أتمكن من الإجابة، لفظ الصبي من غير تحريك شفتيه تقريبا كلا مفخمة. قالت لورا: كنت أمزح. ثم ركعت قربه و بيد واحدة حضنت مؤخرته. و رأيت بنظرة عائمة و مقلقة كيف أن قطرات العرق تنحدر من جسم الصبي على جسم لورا و العكس بالعكس. و قد كانت الأنامل الطويلة على يد صديقتي و على مؤخرة الصبي تلتهب بالحرارة المرتفعة و الرطوبة و بدرجة متساوية.
لا بد أنك متعب. ذلك العجوز مجنون. كيف خطر له أنه بمقدوركما النكاح هنا؟. انزلقت يدها على مؤخرة الصبي. قال همسا: إنه ليس خطأه. أضافت لورا: لقد نسي الولد المسكين ما هو السرير. و ما هي الثياب الداخلية النظيفة. من الأفضل له أن لا يرتدي شيئا. قلت: نعم. هذا مريح له أكثر. قال الصبي: أقل غرابة، و لكن أليس من المناسب أن ترتدي السراويل الداخلية البيضاء النظيفة؟. الضيقة و لكن ليس الضيقة جدا. ضحكت أنا و لورا. وبخنا الصبي بهدوء قائلا: لا تضحكا، هذا شيء جدي. كان يبدو أن عينيه ممحيتان، عينان رماديتان مثل الإسمنت تحت المطر. قبضت لورا على قضيبه بكلتا يديها و جذبته. سمعت نفسي أقول: هل أطفئ البخار؟. و لكن الصوت كان خافتا و بعيدا. قالت لورا: أين بحق اللعنة ينام مديرك؟. هز الصبي منكبيه. و قال همسا: أنت على وشك أن تضريني. بيد واحدة، أمسكت كاحل لورا، و بالأخرى مسحت العرق الذي يسيل على عيني. و نهض الصبي حتى استوى جالسا، و بإيماءات منضبطة، جاهد أن لا يوقظ شريكه، ثم قبل لورا. أحنيت رأسي لأراهما بشكل أفضل: امتصت شفتا الصبي السميكتان شفتي لورا و هما مطبقتان، حيث بمقدورك بصعوبة أن ترسم ابتسامة.
طرفت بعيني. لم أشاهدها تبتسم بهذه المثالية. و فجأة، أخفاها البخار. شعرت بنوع من الرعب الغريب. رعب من أن البخار سوف يقتل لورا؟. و حينما فتحت شفتيها، قال الصبي إنه لا يعلم أين نام العجوز. رفع واحدة من يديه على رقبته و رسم إشارة قاطعة. ثم حضن رقبة لورا و جرها لقربه. تأقلم جسم لورا المطاطي المرن مع الوضع الجديد. و ركزت تحديقها بالجدار، ما سمح لها البخار أن تراه من الجدار، جذعها يميل للأمام، و الثديان يرعيان على صدر الصبي أو أنهما مضغوطان فوقه بقوة خفيفة.
أحيانا كان البخار يجعلهما غير مرئيين، أو أنه يغمرهما نصف غمر، أو يلونهما باللون الفضي، أو يجرهما لوسط شيء يشبه الحلم. و في النهاية، كان من المستحيل لي أن أراها. أول ظل كان فوق ظل آخر. ثم لا شيء. كانت الغرفة تبدو على وشك أن تنفجر. انتظرت لعدة ثوان. و لكن لم يتبدل شيء. على العكس، حصلت على الانطباع أن البخار يتراكم باضطراد. مددت يدي و لمست ظهر لورا، التي كانت منحنية بشكل قوس فوق ما أفترض أنه جسم الصبي.
وقفت و تقدمت خطوتين على طول الجدار. و سمعت صوت لورا تناديني. لورا و فمها ممتلئ. قلت: ماذا تريدين؟. أنا أختنق. عدت أدراجي، بحذر أقل من السابق، و انحنيت، و تلمست طريقي في أرجاء المكان حيث توقعت أنهما موجودان. و لمست الرخام الحار فقط. خطر لي أنني أحلم أو أنني على وشك الجنون. و عضضت يدي و لذلك لم أصرخ. قلت بصوت ينوح: لورا؟. و قربي كان صوت الصبي مثل رعد بعيد. كان البخار الممتزج بالعرق له طعم متميز بالنسبة للصبي. وقفت مجددا. في هذه المرة كنت مستعدا للرفس بلا تمييز. و لكن تلمست نفسي. قالت لورا من مكان ما: أطفئ البخار. و بثبات و تلكؤ كنت جاهزا للزحف حتى الدكة.
و بينما أعمل على رؤية الصمامات الأساسية، سمعت شخير العجوز و هو يصفر عمليا في أذني. و فكرت: إنه حي يرزق. و أطفأت البخار. و أول الأمر لم يحصل شيء.
ثم قبل أن تستعيد الخيالات الشاحبة الوضوح فتح شخص ما الباب و غادر غرفة البخار. انتظرت. أيا كان ذلك الشخص فقد كان في الغرفة المجاورة و يصدر ما يكفي من الضجيج. ناديت بهدوء: لورا. لم يرد أحد. و أخيرا، أصبح بمقدوري رؤية العجوز و هو مستمر بالنوم. و على الأرض، واحد ينطوي على نفسه و الآخر يستلقي ، إنهما الممثلان. الذي يعاني من السهاد كما يبدو قد غط بالنوم فعلا. قفزت من فوقهما. في غرفة الكنبة، كانت لورا ترتدي ثيابها. ألقت لي ثيابي بصمت مطبق. قلت: ماذا جرى؟. قالت لورا: هيا نرحل.
التقينا بالثلاثي مرة أخرى مرتين، مرة في واحد من تلك الحمامات، و المرة الثانية في أزكابوتزالكو، حمامات الجحيم، كما تقول عنهما لورا، و لكن الحال لم تكن كالسابق، فقد دخنا سيجارة ثم ألقينا تحية الوداع adios. و واظبنا على زيارة تلك الأماكن لفترة طويلة. كان بمقدورنا ممارسة الحب في مكان آخر، و لكن كان هناك شيء له علاقة بطريقة الحمامات العامة فقد جذبتنا كأنها مغناطيس. و من الواضح، لم يكن هناك نقص في عدد الحوادث الجانبية: شباب يائسون يتسابقون في الممرات، محاولة لاغتصاب على الماشي، و تفتيش تمكنا من تحاشيه بالحظ و المكر- المكر، هو من خصال لورا؛ الحظ، إنه التضامن البرونزي المعقود بين المستحمين.
من مجموع تلك الأماكن، فقط قليل منها يختلط مع وجه لورا المبتسم، لقد بدأنا نفكر بيقينيات حبنا. و أفضل شيء، و ربما لأننا فعلناها هناك لأول مرة، نتذكر صالة مونتيزوما، و الذي دائما عدنا أدراجنا إليها. و الأسوأ، مكان في كاساس أليمان كنا ندعوه عن وجه حق الألماني الطائر. و هو المكان الذي يبدو مثل مشرحة.
مشرحة مثلثة: مضادات التلوث و اليد العاملة و الأجسام. و لكن ليس الرغبة. و لدي نوعان من الذكريات لا زلت أحتفظ بهما و هي الأكثر رسوخا. الأولى سلسلة من الخيالات عن لورا، عارية ( على الدكة، بين ذراعي، و تحت الدوش، أو مستلقية على الكنبة تفكر) إلى أن يتكاثف البخار بالتدريج، و يجعلها تختفي بشكل كلي. و في النهاية..خيال أبيض فارغ. الذكرى الثانية هي الجدارية في مونتيزوما. عيون مونتيزوما التي لا قاع لها. رقبة مونتيزوما معلقة فوق سطح البركة. و الحراس ( و ربما هم ليسوا من الحرس ) الذين ضحكوا و تبادلوا الكلام فيما بينهم، حاولوا ما بوسعهم أن يتجاهلوا أي شيء يراه الإمبراطور. و سحابات من العصافير و الغيوم اختلطت معا في الخلفية. و لون صخور البركة، بغض النظر عن اللون الحزين الكئيب الذي شاهدته خلال رحلاتنا، الذي لا يمكن مقارنته إلا ببعض الوجوه، العمال في الصالات، الذين لم يعد بوسعي تذكرهم، و لكن الذين كانوا هناك بالتأكيد.
روبيرتو بولانو Roberto Bolaño :
الترجمة عن النيويوركير . 22 نيسان. 2013.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |