جنيف ..... اختبار هشاشة المعارضة السورية .
باسم يوسف
خاص ألف
2013-10-17
مرة أخرى تتكشف المعارضة السورية عن حجم الخراب والهشاشة في بنيتها الأساسية , ومرة أخرى تثبت هذه المعارضة أنها لم تكن ولا لحظة واحدة بحجم المهام التي تنطحت لها زورا وبهتانا .
عندما انفجرت الثورة السورية في آذار من العام 2011 , وحده النظام كان يدرك حجم الخراب والعطب الذي أحدثته سنوات حكمه الطويلة والقمعية في عمق بنية النسيج السوري , ووحده كان يدرك أن معارضيه , غير قادرين على قيادة تغيير حقيقي , فاشتغل على تفتيت ماهو أخطر بالنسبة له وهذا الأخطر هو ما يمكن وضعه تحت بندين اثنين :
1- المعارضة الدفينة والعميقة والمتجذرة داخل روح ووجدان المجتمع السوري , والمتراكمة عبر عقود طويلة من القمع والاذلال والنهب والفساد , هذه المعارضة غير المؤطرة هي الخزان الحقيقي للثورة السورية , وهي التي لم يكن ينقصها إلا القيادة الواعية لطبيعة المرحلة والنظام , لتحقق انتصار لا لبس فيه على نظام فاقد لكل امكانات البقاء لديه الا امكاناته القمعية والأمنية .
2- القيادة الشابة التي قادت انفجار الثورة , والتي كان من الممكن لو استمرت , لما تمكنت المعارضة الحالية من امتطاء ظهر الثورة والعبث فيها .
لهذا عمد النظام ومنذ اللحظات الأولى لرسم استراتيجية مواجهته للثورة السورية على تفتيت ركائز الثورة الحقيقية واستبدالها بركائز أشد صخبا لكنها بلا أي تأثير , فقام بتصفية الكوادر الأساسية للثورة منذ البداية وبعنف لامثيل له , فاعتقلهم ثم غيبهم في سجونه ومن ثم قتلهم بوحشية بالغة , دفعت قسم كبير من ما تبقى منهم الى الفرار خارج سوريا , وبقيت لديه المشكلة الثانية والمتمثلة بحجم الرفض الهائل للشعب السوري له , فعمد الى تفتيت المجتمع عبر سياسة تطييف الثورة ومن ثم عمد الى تفتيت حاضنتها الأساسية عبر تعديد مرجعياتها الدينية , وعبر انشاء التيارات الأشد تطرفا وتناقضا مع عمق الروح السورية , بصياغة أخرى , استطاع النظام إخراج العلويين من الثورة ووضعهم الى جانبه عبر اشاعة الرعب في صفوفهم من طبيعة القادم ووجهه المتطرف , هذا الرعب الذي حيد المسيحيين أيضا وبنسبة ربما تكون أقل , الدروز وأخرج قسما كبيرا من الأكراد عبر تحالفه مع ال بي يو دي , وبعد هذا التفتيت الطائفي , انتقل الى تفتيت السنة أنفسهم , فعمد الى خلق تشكيلات كثيرة متعددة ومتباينة المصالح .
لكن ومع كل هذا ومع كل محاولاته , استمرار الزخم الذي يقدمه المخزون الرافض له داخل المجتمع , لم يكن أمامه بد من استعمال القمع السافر والمجنون وصولا الى استخدام السلاح الكيميائي ووصولا الى دفع الحركات الشديدة البشاعة ك داعش وغيرها الى تصدر مشهد الثورة السورية , فصارت اللوحة بمجملها بالغة الصعوبة أمام الثورة وأكثر سهولة أمام النظام , صحيح أن هذا دمر سوريا وشرد أهلها وسبب مئات آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين وبعدد أقل بقليل من المعاقين والجرحى , وتسبب بنزوح وهجرة ملايين السوريين , ناهيك عن حجم الدمار والخراب الذي أصاب البنية التحتية والفوقية للدولة السورية , لكن متى كان نظام كالنظام السوري يهتم بوطن أو بشعب .؟؟
في كل هذا السيناريو المجنون لنظام موغل في البشاعة واللامسؤولية اتجاه الوطن والشعب , استطاعت معارضة شديدة الهزالة ومتشرزمة ومسكونة بالوهم والارتجال , أن تتصدر المشهد السياسي للثورة السورية , ولهذا لم يكن غريبا أن تتمكن صيغتان فاشلتان من قيادة الثورة , وكلا الصيغتين هما أسوأ ما يمكن ان تنتجه ثورة بحجم هذه الثورة , وأقصد هيئة التنسيق والمجلس الوطني .
لا أظن أنني أبالغ إن قلت أن تشكيل المجلس الوطني كان بمثابة الطعنة الأشد إيلاما للثورة السورية , ولا أتردد في القول أن الخدمة التي قدمها المجلس الوطني للنظام هي من الأهمية أنها كانت بمثابة المنقذ له في تلك الفترة من عمر الثورة , ولم يكن الدور الذي فعلته هيئة التنسيق بأفضل مما فعله المجلس الوطني , لكن تباين التأثير بينهما يكمن في أن هيئة التنسيق لم تكن محط آمال الناشطين على الأرض , على العكس من المجلس , وهكذا اطمأن النظام الى غياب قيادة حقيقية للثورة .
استغل النظام كل من الهيئة والمجلس لصالحه عبر سياستين مختلفتين , فالهيئة (وهي التي يقودها مجموعة من العجزة , تعبر رؤاهم السياسية من خلال حسابات الخوف والأهمية الشخصية ومراعاة بعض العلاقات مع افراد السلطة ) حملت خطابها المحنط , وتمترست وراءه , مغمضة إحدى عينيها عن حقيقة أن الشعب السوري قد فجر ثورته وهذا يتطلب لغة أخرى , وفاتحة عينها الأخرى بكل اتساعها على النظام , ومحاذرة أن تصطدم معه بشكل فعلي , فتغاضت عن الدور المشبوه لل ( pyd ) وتمسكت بشعار السلمية لتتجنب اتهام النظام لها وخوفا منه , وليس لأنه تكتيك خاطئ , في الوقت الذي لم يكن أحد يتوقع أن يحافظ شعب يباد بكل الهمجية على سلميته , وغاب المجلس الوطني في لعبة الارتباط بالخارج والعمل بدلالته وفي حسابات المجد الشخصي لأفراده , ومستعملا آليات شعبوية وشرعية مزيفة صنعها بنفسه وصنعها له مال سياسي ووسائل إعلام معروفة بأجنداتها ومرجعياتها , كانت كلتا القيادتان تبحثان عن مكاسبهما الشخصية وعما يمكن أن يبررا به فشلهما , ضاربتان بعرض الحائط , التكتيكات الحقيقية التي يمكن استنباطهما من حاجة الثورة السورية ومن تقدم المعطيات على الأرض .
عندما تشكل الائتلاف الوطني , كان من المفترض أن تعمل القيادة الجديدة على تجنب الأخطاء القاتلة للمجلس والهيئة , لكنها وبحماقة أشد أعادت إنتاج نفس المشكلات البنوية ضمن الجسد الجديد , وهكذا انتقلت كل العاهات التي قادت المجلس الى الفشل , عادت الى واجهة الائتلاف , فلم تتغير اللوحة وبقيت المشكلة ذاتها , كل الذي حدث أن غرفة الإنعاش الدولية التي أبقت المجلس على قيد الحياة ومن ثم قررت اخراجه منها , تم استبدالها بغرفة إنعاش مجهزة ومدعومة بشكل أفضل , الأمر الذي أعطى الائتلاف قدرة أكبر على الوهم والاستمرار .
كان النظام من جهته يراقب كل التشكيلات السياسية , لكن عينيه لم تبارحان الثورة التي تشتعل على الأرض , فهي مشكلته الحقيقية وما تبقى لا أهمية له , وعندما اتجه المجتمع الدولي الى زيادة التصعيد مع النظام لغاياته وأهدافه , أعطي الائتلاف اهتماما اكثر ودفع الى الواجهة , وضغطت جهات كثيرة لترميم الائتلاف بحيث يتمكن هذا الائتلاف من أن يلعب دور الواجهة السياسية للثورة .
الآن تبدو اللوحة على النحو التالي :
ثمة قرار دولي بنقل هذا الصراع إلى مرحلة جديدة , بعدما حققت أطراف كثيرة خارجية أهدافها المتمثلة , بتحطيم امكانات سوريا , وبالتخلص من السلاح الكيميائي للنظام , وبضمان ضعف كل الاطراف السورية بحيث لن يتمكن أي طرف من الدفاع بشكل حقيقي عن مصالح الشعب السوري الوطنية بما في ذلك وحدة سورية أرضا وشعبا , هذا القرار الدولي يدفع جميع الاطراف الى الحل السياسي , هذا الحل الذي يدرك النظام حتميته , لكنه يشتغل على تهيئة كل الشروط كي يكون في صالحه عبر ما يلي :
زج أطراف ليست جذرية في موقفها منه الى طاولة المفاوضات وعلى مقاعد المعارضة , كهيئة التنسيق وال pyd) ) وبعض الاحزاب المعارضة في الداخل والتي هي على اتم الاستعداد للقبول بقيادة النظام للدولة مرة أخرى , وبالتالي تحقيق اختراق مهم على جبهة المعارضة , ويتبقى الائتلاف والذي يجب تفتيته بحيث يفتقد إمكانية أن يكون الطرف الأساسي في التفاوض .وعليه يصبح التفاوض في جنيف محددا بالاطراف التالية : نظام متماسك في جهة ومعارضة لها رؤوس متعددة ومتباينة المواقف من الحليف للنظام الى المتواطء معه في جهة أخرى .
كان على الائتلاف أن يعمل على أن يكون الطرف الرئيس الممثل للمعارضة في جنيف , وأن يتمكن ولو لمرة واحدة من أن يخدم ثورة الشعب السوري وكان هذا ممكنا , خصوصا أن الكل يعلم أن التفاوض هو الحل الأكيد في النهاية وأن الخلاف يكمن في آليات هذا الحوار ومحدداته , وسبق للائتلاف أن وضع بعض هذه المحددات , مثل أن أي تفاوض لايفضي إلى رحيل رأس النظام وعصابته هو مرفوض , وأن نقل السلطة الى المعارضة يجب أن يكون كاملا , مع الانتباه الى أهمية بقاء مؤسسات الدولة ..و.. و
ولاجهاض شرط تنحي بشار الاسد وعصابته يتم العمل الان على تفتيت الائتلاف , سيما أن هيئة التنسيق والبي يو دي لايشترطان هذا الشرط , لكن كيف يتم ذلك ؟؟, يتم عبر اللعبة ذاتها , التي لعبها النظام مع المجلس الوطني سابقا , والمتلخصة بتظهير الائتلاف كجهة ترتجل مواقفها ومنقسمة وغير قادرة على ان تلعب دور البديل .
لذا نرى اليوم قرار المجلس الوطني بعدم الذهاب الى جنيف , ونرى تصريحات كمال اللبواني , هذين الموقفين يصبان موضوعيا في تشكيل جبهة المعارضة على النحو الذي يريده النظام .
فعدم الذهاب الى جنيف ليس هو الموقف الذي تحتاجه الثورة السورية في هذا المفصل وفي ضوء الشروط الحالية , وانما الذهاب الى جنيف ضمن الثوابت الاساسية للثورة السورية هو مايجب فعله , والأطراف التي تعمل جاهدة لتفتيت الائتلاف من أجل إضعافه كطرف مفاوض , هي تفعل ذلك لحسابات خاصة بها ولتقوية الأطراف الأخرى .
الآن يجب أن يكون للثورة السورية طرفها السياسي الشرعي , والذي يحرص على ثوابت الثورة التي صرخ بها الشعب السوري في شوارع وساحات الوطن ..... اسقاط النظام وسوريا الواحدة الحرة الديمقراطية التعددية , اما المعارضون الهوليديون أصحاب حركات الأكشن والذين يقفزون كالبهلوانات من خشبة إلى أخرى فإنهم لايفعلون سوى عرض مؤقت عابر قد يحصد بعض التصفيق لكنه لايفضي بهم إلا إلى غرفهم البائسة في انتظار عرض آخر .