سرق الإسلاميّون الثورة، وألبسوها ثوباً لم يفصّله لها من قاموا بها، فالثورة لم يقم بها الإسلاميّون، لا بل انضمّوا لها فيما بعد، ولم تقم الثورة من أجل صيغة حكم محدّدة مسبقة، بل قامت لخلاص الشعب السوريّ من الاستبداد والفساد الذي عاث في سورية طوال عقود. سكت الكثيرون عن هذه السرقة الفضيحة متعلّلين بأنّ إسقاط النظام هو الهدف الذي ينبغي من أجله السكوت عن كثير من القضايا الأساسيّة على اعتبار أنّها الأقّل أهميّة. الآن يأخذ الطائفيّون سورية إلى التقسيم، وتحت الشعار نفسه (إسقاط النظام وانتصار الثورة، من جهة، والخوف من التطرّف والموت من جهة أخرى)، فهل يجب علينا أن نمارس نفس السكوت اتجاه وأد سورية؟؟. مَن يعلو صوته الطائفيّ كثيراً واضعاً في خلفيّة صخبه العالي قصص الموت والتهجير والفظائع، يرتكب نفس البشاعة التي ينسبها للآخرين والتي يضعها في خلفيّة صراخه العالي، إنّه ببساطة يدفع بسورية إلى حيث لا تريد سورية ولا يريد مَن قام بالثورة لأجل سورية. مَن يزعم أنّ الابتعاد عن الخوض في الطائفيّة وقراءة الثورة على اساسها اليوم ، هو محاولة لتبرئة مجرمين، هو كاذب لأنّ محاكمة المجرمين لن تتمّ إلّا عبر الصيغة الوطنّية بينما ستنقذهم الصيغة الطائفيّة، والتقسيم وحده هو باب النجاة لكثير من المجرمين الذين يجب أن تطالهم يد العدالة، مَن يريد محاكمة المجرمين وإنقاذ سورية عليه أن يدفع باتجاه الصيغة الوطنيّة لا باتجاه الصيغة الطائفيّة. هناك فرق كبير بين الاختلاف في وجهات النظر سياسيّاً، وبين تأييد المجرمين والقتلة، فالتأييد لوجهة نظر سياسيّة شيء وتأييد الإجرام شيء آخر، وكما أنّ الإجرام خارج الحقل السياسيّ ومجاله هو القضاء، كذلك المؤيّدون له، هم خارج الحقل السياسيّ ومجالهم أيضاّ مجال القضاء والعدالة، فليس من الاختلاف في شيء وليس من السياسة في شيء وليس من الأخلاق ولا الوطنيّة أن تعتبر وقوفك إلى جانب القاتل أو المجرم رأيّاً سياسيّاً. لعلّ الطائفة الأكثر حاجة في هذه المرحلة للقضاء وللمحاكمات الشفّافة العادلة هي الطائفة العلويّة، إنّ محاكمة القتلة والمجرمين هو الطريق الوحيد لاستعادة الطائفة العلويّة لمكانها الطبيعّي ضمن لوحة المجتمع السوريّ، وإنّ طيّ صفحة هذه المرحلة بلا محاكمات (على الطريقة اللبنانيّة) سيحمِّل هذه الطائفة وزر أفعال لم ترتكبها وقد تحمل هذا الوزر فترة طويلة من الزمن، فالعدالة الحقيقيّة تؤسّس لوطن، بينما يفتك به إغفال العدالة وطمس هذه الجرائم وإخفاء الفاعلين الحقيقيّين لها. يشبه ما تصرّفت به المعارضة السوريّة حيال الطائفة العلويّة إلى حدّ كبير تصرّف حافظ الأسد حيالها، فكما استباحها حافظ الأسد وعائلته وعصابته وجعلوا منها غطاء ومكبّاً لكلّ جرائمهم وبشاعاتهم، ها هي المعارضة تستبيحها أيضاً وتلقي على كاهلها قذاراتها وأخطاءها ... باختصار الطائفة العلويّة الآن مستباحة من الجميع كالأرض المشاع كلّ يريد المتاجرة بها ...، لا شيء يوضّح هذه الحقيقة ويضعها في مسارها الوطنيّ الصحيح إلّا العدالة والشفافيّة في تحميل المسؤوليّة على مَن يتحمّلها فعلاً. لعلّنا في هذه المرحلة في تاريخ سورية نحتاج أكثر ما نحتاج إلى الجرأة في تحمّل المسؤوليّة والجرأة في تحميل المسؤولية لمن ارتكبوا الأخطاء التي حدثت في هذه الثورة، بصياغة أخرى أكثر ما نحتاجه هو الشفافيّة والوطنيّة في إنصاف الحقائق وقولها مهما كانت قاسية وجارحة. مَن يريد الخلاص لسورية الآن، ومَن يريد قيامة سورية كما أراد مَن ثار لها، فإنّ عليه أن يلتفّ حول محدّدات وطنيّة واضحة، وعلى كلّ القوى السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة أن تشتغل الآن على مشروع وطنيّ واضح جدّاً وشفّاف جدّاً، ويجيب على كلّ هواجس السوريّين حول وطنهم ودولتهم القادمة، لكن يجب أن نتذكّر دائماً وألّا يغيب عن بالنا أبداً أنّه ليس هناك ما هو أهمّ من إيقاف التقسيم وفضح حوامله الداخليّة والخارجيّة وفي مقدّمتهم الطائفيّون.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...