كلُ عيدْ وأنتَ سُوري
جوان سوز
خاص ألف
2013-10-17
ـ على أطرافِ المَدينة حَواجِزٍ أَمنيّة مُشَددة مِنْ الداخل ومِنْ الخارج , على اليَمين جنودٌ واقِفون , في الباص , سترى رُكاباً تائِهون من طولِ المَسافة , سيتَمَعَنُ أحدُهم بِهَويتك , فكُن لَطيفاً ولا تترَدَّد في الجواب عن سؤالِهِ عن التأجيل وكُن حَذِراً من هاتِفُك الذي سَيجلِبُ لَكَ الوَيلات إن رأى مْحتَوياتِهِ .
تابِعْ سيرُكَ في الباص , ولا تَنظرْ لِمَا يَحصُل في جِوارُك , فَمِنَ المُحتَمَل أنْ يكونَ الرَصاص مِنْ نَصيبُكَ وأنتَ شاردٌ تتَمَعَّنُ في الخراب الذي حَلَّ بالمَدينة بعد هذا الكابوس , فلا تَفقِدْ الأمَل في العَودةِ مِنْ جَديد , وأنتَ تَنزِلُ مِن الباص وترى غْيابَ الجَميعِ مِنْ حَولِكَ , ضَجيجُ الحافِلات والشوارع النائِمَة , لا تسأل أينَ هُم الأطفال وأنتَّ تتأمَّلُ الكراسي الفارِغَة دون الألعاب , ولا تَشكي من ثِقَلِ حَقائِبِكَ دون أن تَجِدَ مَن يُساعِدُكَ في حَملِها , فَما مِنْ ضِحكةٍ لِهذا الغَريب وهو يَمرُ مِن هذا المَعبَّر , هُوَ ضَيفٌ ثَقيل وأنتَ غائِبٌ , رُبَما قَد نسيتَ شَكلَهُ منذُ أنْ تَسَلَّلَت الأرقامُ إلى يَومياتِكَ المُكتظَة بالأشواك , بالقَتلى , بالجَرحى , ناهيكَ عن المُعتَقلين , عَن المَفقُودين , فأنَّكِ قَد نسيتُهُ حَتماً منذُ أن إستَبدَلتَ الهويةِ بالنزوح وبات الحُزنُ خَيمَةٍ وأنتَ تَعيشُ حَياة اللجوء .
فلا تُفكِر باسمِهِ ولا بِمَوعِدِ قُدُومِهِ , فهو ليسَّ من الباعةِ المُتَجَوِلين ولا زائرٌ في هذا البَلدِ الأَمين , لا تترقَب ماضيَّهُ ولا تَعصِرْ الذاكِرَة لأجلِهِ بَعدَ مَوتِنا , مَوتِ كُلِ السُوريين ولا تَستيقظُ منذ الفَجر ولا تُرَدِدْ خَلفَه آيةُ " ياسين " ودَعْ المساكينَ في البساتين جائِعون ولا تَسأل إذاً ... إذاً مَن يَكون ؟
أترُّكْ لَهُ الغابة كُلُها , فما مِن بَهجَةٍ لَهُ وما لنا هَذا الإمتِحان , هو عابرٌ مِثلُنا , أضاعَّ الدربَ فأتى إلينا , مُخطِئٌ هو بالزمان والمَكان مَعاً ... هو عيدْ وليس بابنِ جارُكَ هو " عيدْ شَهيد " وما لنا هذا العَيد , هو كافرٌ كأسيادهِ وضيفٌ ثَقيل كوجودِنا هُنا خارج دائِرة الموت .
أترُك لَهً كُل شَيءْ ودَعْ الألوان تُعَرِفُ بِنَفسِها في ثلاثاء مَوتنا الذي تأخر والعيد الذي أطالَ بِنا هُنا دون أن نَعود , لا تَفعَل شَيئاً , لا تَجلبْ ضيافة العيد ودَعهُ يُثيرَ الغُبار في أواخرِ الخريف معَ سكاكِرِهِ دون أن تَسقطَ مع دموع طِفلُكَ وأنت تَستَنجِدُ بِحضورِهِ على سَماعة الهاتِف , فَكُلِ الأسلاكِ باردة وكُل بِقاع الأرضِ لا تَعتَرِفُ باسمائِنا , يَكفي .. يَكفي .. لِأقول : (كُلُ عيدْ وأنتَ سُوري) ولِتَكُن الأضاحي مِنْ مُخلفاتِ الماضي , في صيغَة الزَمنِ الَجميل .