أورنينا خارج أسوار السجن
خاص ألف
2013-10-27
سقطت إنانا عن نجمتها، باتت امرأة مقهورة تركض وراء لقمتها ولا تصل، تقف في طابورالموت من أجل رغيف خبز لايُشبع. أما عشتار فلم تعد ربة الأمومة بل غدت امرأة تبكي أمومتها حين مسحت حليبها عن شفاه طفلها الباردة في دير العصافير. عناة لم تعد آلهة تتربع في عرشها، بل هي امرأة تلم الهجرة وراء الهجرة وتصر الوطن في قلب مزقه التشرد من المخيم إلى أصقاع اللجوء الباردة. لم تعد النساء آلهة بل صرن أسطورة الشقاء. هن من بحثن عن الحرية في جنبات الثورة، قاومن الموت بالحياة، زرعن الأمل في طين اليأس، صرن أسطورة حين قاومن الجبروت ، لم يعدن تمثالاً تجلّد في كتب التاريخ، هن شجرالمشمش، وزهراللوز، وخير الزيتون. هن من حُجب نورهن عن الشمس حين خلعن الظلم عن جلدهن وانتفضن ضد الطغيان بأغنية وأهزوجة ليكسرن بها مخلب الجلاد، هن صوت أورنينا تغني أغنية الحياة لتكسر سور السجن وتهزم سراديب الموت وتخرس فحيح السجان.
هن المعتقلات السوريات، هن سليلات زنوبيا تتبعن درب كرامتها، هن الملكات المقهورات اللواتي رفض أن يعشن في مملكة الموت، هن المجد المنسي ، هن الحاضر المغروس في عين الجلاد وظلمه، هن المدن، والأرياف، والجامعات، والحارات، هن الحكايات تبوح بها أرصفة الوطن، ويرويها الهواء، هن أربعة آلاف زهرة وربيع وأكثر يغمضن عيونهن على ليل السجن ويفقن على نعيق الغربان حين تتناثر اللغة كالرغوة والزبد من أفواه الجلادين، وترتمي السياط من أيديهم لتعذب أرواحهن، هن من صغن من الجلد والعظم والجسد روح المقاومة، صغن إرادة البقاء في أقبية الليل والسجن.
دمعة دمعة، وحرقة قلب تزيد الهواء اشتعالاً، تبني المرأة اليوم اسطورتها الجديدة، تلملم الحب من جنبات الموت المتناثر على زهر المشمش وأوراق الليمون كي تعيد للصباح فجره، ولليل سهر العشاق، وللنهار معنى الحياة. أعادت المرأة السورية ترتيب الحروف لتعطي ألق المعنى للعاشق على أبواب الشعر، وجوهر الأمومة عندما يُفتقد الخيار بين الموت والحياة. إنها تبني أسطورة المرأة عندما تأخذ شكل الوطن.
ولأن الليل لا يدوم ولا بد أن تنزاح الظلال القاتمة عن مساحات الروح بدأن بالخروج من غياهب الموت والتعذيب، وقفن على الحدود اللبنانية كشجر الحور في الغوطة، وقفن كالنعناع خجولات ولكن منتصبات، فهن الأمهات والأخوات والبنات، هن أسطورة الوطن وروح الحرية.
قطرة قطرة رأين النورعلى حافة الوطن، وحيدات، مفرقات، ينتظرهن اللامكان، مسيجات بشريط حدودي كحد سكين جاهز ليقطع الحبل السري مع وطن أسبغن عليه المعنى.
أغروهن بالإنزلاق من حافة الوطن نحو المجهول، من حريق الوطن إلى نار الغربة. ولكن، لأن الوطن تعشق في مسامات الروح وسال من أصابعهن ألماً وحباً وذكرى، رفضن الغربة وفضلّن العودة إلى الوطن برغم مساحة الموت فيه، مازال للروح متسع أن تستنشق الهواء بجانب حائط أو تحت ظل شجرة.
خرجن من السجن بلا مستقبلين ولا ياسمين وربما بلا أهل، يحملن صرة الذكريات عن الجلاد والزنزانة، ومساحة الخوف وتصلب الهواء ورطوبة الموت، خرجن وفي القلب غصة عن رفاق مازالوا يتكسدون بالآلاف في مساحات تضيق على الأنفاس، ويدق الموت باب أرواحهم مع كل صوت سجان، وصرير شراقة، وطلب تحقيق.
خرجن من أقبية الموت إلى سوريا الوطن ، وطن ضاعت ملامحه. خرجن إلى شرفات مزقها الموت، وشوارع احتلها الصمت، إلى أرصفة خوت من عشاقها، وأشجار لم تعد تقوى على حمل أوراقها... إنه الموت يندس مع أصغر التفاصيل، الشام تسربلت بالحواجز والرصاص، وغطى الهواء الأصفر زهر المشمش في الغوطة، وبكى الزيتون دماً في المعضمية، ونزفت كروم العنب في داريا... وفي حمص ضاع الرصيف وتاه الشارع، وفي حلب ودير الزور وفي كل مكان ناح المكان على الأطلال.
وبرغم مأساوية المشهد وثقل الليل على صدورهن، ونزيف الحزن من عيونهن فإن مساحة الحب أكبر وحدود القول أوسع، فالحنون لن يكتحل بالمعنى إذا لم يغمره دفء الربيع، والربيع لابد قادم، والأمل مازال يداعب أطراف المستقبل عن سوريا الحرية، سوريا الكرامة، سوريا لكل السوريين. حينها ستمشي نساء سوريا منتشيات بوطن الحرية والكرامة، يتذكرن كل هذا الألم كحكاية قديمة، ويحكين عن ليالي السجن ككابوس مر في ليل العمر ومضى.
سعاد قطناني
08-أيار-2021
29-نيسان-2017 | |
17-أيلول-2014 | |
17-آب-2014 | |
04-آب-2014 | |
01-آذار-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |