نص / وإياك كما في الحكاية كنت
سمر محفوض
2006-04-09
ياأبت ولست ذاهبة إلى أي مكان، فلتأت الأمكنة إلي. ولا إلى أي زمان فلتأت الأزمنة إلي. أنا الامتداد، وأنا المصلوبة والأولى والأخيرة، في الأسفار جميعها. ولست أبالي، لا أنا مشغوفة بالظفر، ولا الحداد. يا أبت كل هذا الضجيج يغري بالصمت وما لست أدري. حقول النوم شاسعة، وهو صدانا الذي لا يقال. لا ينبغي أن يقال يا أبت.
رأيت في يقظتي نبعا يخرج من الكف، وينتشر في الفضاء، بين حين وحين بلا إفراط. ثم يلتجئ إلى الطفولة، وكأن هاتفا صاح بي أأنت. وكنت أخفق كما في الأزمنة الأولى. الصوت مرخما كان ينادي (عمن تبحثين) من أرض الروح خاطبني. حولي ورد كان يضطرب والعشب انحنى يا أبت رعد تفجر في الكلمات. فرفقا بنا.
يا أبت قد تركنا ساحة النبيذ، وتركنا النديم وحيدا ينسج أرضا للمستجير. ويسفح من مقلتيه شواظ التباريح. لا الحب يحنو علية ولا الموت يدنوه لاشيء غير التبلغ بالجمر. وكان يتسامق مرتصفا أبراجا للأطيار ينفحها الخصب في نبضات خلايانا. يا للشوق اللاهب في الجسد الكوني الرائع ويا أيها الملك الطيب ملك البنفسج الرهيف والمتمهل حتى في انسحابه الرقيق. كما أنت في كل أهوائك متمهل ولاهث منفلت إلى حيث عرشت الفحولة المهيمنة على مقامات الحكاية كما ترويها الطقوس المقدسة. والتي لن تكرر إلا نادرا و التوق يخرج من أسر طقسه الغريق. والمملوك لأسباب الزوبعة التي تكدس في أرجاء التثاؤب بهجتها. وكنا منتظرين قوافلنا كنواطير السهول القاحلة، تلك التي لا تنبت سوى الانتظار، قلق
الولوع المسكون بالانبعاثات، والجمر في فضاءات مفتوحة على الاحتمالات المرتبكة وسط الذهول المنبثق هكذا فجأة بمهرجان الشهقة التي نبتت فوق الماء. وأنا المنتظرة بواباتك أن تفتح ليخرج منها طيف أحاذيه ويؤلمني بريق الصور المبهرة والمتروكة للعابرين إلى نبع الشمس المضبوطة على فضاءاتها الفوضوية. وها الندى قد بدأ نهوضه من راحة الشمس والشمس امرأة مزهوة بفتنتها تتعم بالرحيق. امرأة يجتاحها عشق الظل فتنتشي والمشهد مفتوحا على احتمالات تتصاعد من المكان في ظهيرات متماوجة تحرس الخدوش الدفينة بالصدر وذا الفلتان الآسر للنبض المتناوب كمن يخلع روحه قطعة، قطعة. وأنا الراحلة دوما نحو مداراتك لا أستطيع أن أقف فأذوب في الفراغ المشبع بهذيان البراري ولا أن أبقى فأترمد عند خطوط الأفق. أنا المتأهبة لحريق هائل والمكان ما عاد يحتمل اللهب المنداح والشوق تغلغل كالندى المنهال فوق أرض عطشى عذوبة باردة ومنعشة في القيظ برودة تلمها الأرض وتتمسك بالندى. من يمسك بالندى يمسك بذاكرة الرب الضبابية ويسكنها قلبه للأبد.أطياف شجو بعيد قادم مع الريح. أحس أني أحتاج كل غيوم السماء يا أنت أدعو البحر ليكون ضيفي معك وأنت تفوح حولي برائحة الأعشاب والصخور والجزر العتيقة فتتركني شفافة ومحتارة ومستباحة للدمع المريد كأن قوى خفية تجذبني نحو عدم التوازن والثبات كل الكون مؤقت والحكاية وحدها طاغية كما ينبغي في تفاصيلها المحرضة على الرحيل الدائم تتغلغل في النسيج الضوئي المتجلي رويدا، رويدا : كأن الغياب تقمصني كأجزاء فصل واحد من العبث المنتقى خصيصا لمسافة الرواية المفتوحة على عوالمها المتروكة للمصادفة وألغاز الأزمنة المرحة. أدخل الهذيان عاشقة تحلق فوق أمواجك. و الفضاءات المترامية متهادية في ضوء الخبر. والحكاية أليفة ومنعشة لا تريد إنهاء الأسئلة الواجفة على بداية التخوم المتسعة كحدقة أعيننا المدهوشة بالسحر الدائم، والرحيل الدائم. غبار وفواصل وعوالم تنسحب رويدا.. رويدا من الضحكات المشرعة، لنكتشف بعدها أن المكان أي مكان هو وهم يمارسه زمن أعمى كل شيء. وهم ماعدا الولع المخبأ تحت الجلد يخيط الدقائق ليوقف العبث ويعلن دفئه ككارثة قيد الانفجار يمضي بالمكان إلى حتفه ليتركنا وحيدين مغلفين بالوجد و بالتوق وبالنداء؛ ألا هل من مارد يقذفنا إلى مياه المحيط إلى عناوين شواطئ مجهولة. أو هل من زوبعة تزرعنا في رمالها المتحركة فنمتد فيها واحات نضرة باحثين عن سر الخلود الذي يصهل بعروقنا
لم نكن نحتاج الغياب ولا التهويم من سيأتي بعدنا للنبض الخفاق سيعيش الخديعة كاملة ويكتشف أننا استقطرنا الود حتى آخرة وأنه فقط واقف على نواصي الحنين المنبسط
كصحراء الصدى وكنا سكبنا من أيدينا ينابيع دافقة تلد القصيدة تلو القصيدة متجاورة مع سنابل يانعة حتى الصمت تحيلنا إلى جهات لم يفسدها ملح الدمع الأخرق ليضيف إلينا غموضا يغري بمتابعة الحكاية حتى آخرها. تلك المهفهفة حولي منذ أزمنة الخلق الأولى والحضور الحذر بلا مسمى.
نتحرك بنشاط الماء المنسرب على عجل من غيمة مسرعة كل الكلمات تتساقط مني وأنا لا أستطيع الوقوف على حافة الصبر. ولا أملك أمري، فأرحل. مازلت أنتظر بقية الحكاية لأصعد بها إلى أخر سماوات ضلالاتي وأوهامي التي لاتحد ولا تنكمش أحاول لملمة المجهول الذي ينسج لي أشواقه الغبارية كي يستمتع بدهشتي، وينذرني للبهجة التي تتآمر مع الريح فتمحي خطى الظل المسرع إلى أخر الحب، وأخر رصيف المساءات المتناسلة كما العتابا على الحدود الجبلية ليلة اغترابك الذي جمع الزنابق لجسدك الذي أتعبته المسافات ووحام القرنفل. أي اله أنت وأي بحر. يا أبت الذي استخف بالبكاء فغدا الدمع وطنا أخضر وغدت التفاصيل أليفة كأن المعاني مذ خلقت تحلم بأمكنة بعيدة، وبانتظار غير قابل للترابط أو التوازن لذا يحلم بالمطر المحمل بالتناقض، والوصايا الصاخبة، كي لا تكتمل الحكاية، فتسقط المسرة المحافظة على حرارة الأنفاس. والوقت المنذور لترميم الخراب حيث وجه الرب يرتسم جليا في المخيلة الخصبة.
يا أنت كيف سأجرؤ على الانسحاب من فصول لم تكتمل بعد، وأنا أنتظر خاتمة الحكاية. ها الريح متآمرة مع خطوك تمجد اليقين. والحب الذي يصبح عصيا ويصبح قاتلا نتوجه للغياب مرة أخرى حين نفاجأ ببضعة فصول وأكثر من غد مشلوح بسحابة مكتنزة بالفرح.
و أنا كم لا أعرف كم. كأنك الخارج للتو من العبق طازج النبض في البراري التي تنزاح حتى حدود الصرخة، فأسمع الريح التي تخبر أن الله لم يغير صفاته حسب المكان أنه فقط يتجزأ بالتفاصيل التي ساورتنا، ا فخلقنا أسفارنا الزاهيات والأسطورة أنثى عاشقة من ضلعها تنتزع عاشقا فينتظم في عبادتها وتجعله وريث الخراب النبيل وتجعله ملك الكلمات الممسوسة
يا أنت الشوق مملكتي فمتى. ترسم خطوتك طريقا نحوي.