قصة / أنتم على موعد مع أكبر الفضائح السعودية
2006-04-09
فصل من رواية "بنات الرياض"
إلى عيني الاثنتين..
أمي.. وأختي رشا
وجميع صديقاتي
بنت الرياض (1)
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
سورة الرعد: 11
سيداتي آنساتي سادتي... أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية، أصخب السهرات الشبابية. محدثتكم؛ موا، تنقلكم إلى عالم هو أقرب إليكم مما يصوره الخيال. هو واقع نعيشه ولا نعيش فيه، نؤمن بما نستسيغ الإيمان به ونكفر بالباقي.
لكن من هم فوق الثامنة عشر، وفي بعض البلدان الحادية والعشرين، أما عندنا فبعد السادسة (لا أعني السادسة عشرة) للرجال وسن اليأس للفتيات. لكل من يجد في نفسه الجرأة الكافية على قراءة الحقيقة عارية على صفحات الإنترنت، والمثابرة المطلوبة للحصول على تلك الحقيقة، مع الصبر اللازم لمسايرتي في هذه التجربة المجنونة. إلى كل من مل قصص الحب الطرزاني، ولم يعد يرى أن الخير لون أبيض، والشر يرتدي الأسود. إلى من يعتقد بأن 1 + 1 قد لا يساويان اثنين، وإلى من فقد إيمانه بأن الكابتن ماجد سيسجل هدفي التعادل والفوز في آخر ثانية من الحلقة! إلى كل الساخطين والناقمين، الثائرين والغاضبين، وكل من يرى أن الناس خيبتها السبت والحد، وإحنا خيبتنا ما وردتش على حد... إليكم أكتب رسائلي، علها تقدح الزناد، فينطلق التغيير.
هذه ليلتي، وقصة الأمس بطلاتها «منكم وفيكم»، فنحن من وإلى الصحراء نعود، وكما تُنبت نجدُنا الصالحَ والطالحَ، فمن بطلات قصتي من هي صالحة ومن هي طالحة ـ وهناك الاثنتان في واحدة ـ و«استروا على ما واجهتم»! ولأني قد بدأت في كتابة رسائلي جرأة من دون مشاورة أي منهن. ولأن كلاً منهن تعيش حالياً تحت ظل «راجل» أو «حيطة» أو «راجل حيطة» أو وراء الشمس، فقد آثرت تحريف القليل من الأحداث مع تغيير الكثير من الأسماء، حفاظاً على العيش والملح، بما لا يتعارض مع صدق الرواية ولا يخفف من لذع الحقيقة. صحيح أني مستبيعة و«لا أنتظر شيئاً. لا أخشى شيئاً. لا آمل في شيء»، على رأي نيكوس كازانتزاكيس، إلا أن حياةً صمدت على الرغم من كل ما ستقرؤون، لا أظن أن هدمها ببضع رسائل بريدية «بالشيء المحرز»!
سأكتب عن صديقاتي
فقصة كل واحدة
أرى فيها، أرى ذاتي
ومأساة كمأساتي
سأكتب عن صديقاتي
عن السجن الذي يمتص أعمار السجينات
عن الزمن الذي أكلته أعمدة المجلات
عن الأبواب لا تُفتح
عن الرغبات وهي بمهدها تُذبح
عن الزنزانة الكبرى
وعن جدرانها السود
وعن آلاف، آلاف الشهيدات
دُفِنّ بغير أسماء
بمقبرة التقاليد
صديقاتي
دمىً ملفوفة بالقطن، داخل متحف مغلق
نقودٌ صكّها التاريخ، لا تُهدى ولا تُنفق
مجاميعٌ من الأسماك، في أحواضها تخنق
وأوعية من البلور، مات فراشها الأزرق
بلا خوف
سأكتب عن صديقاتي
عن الأغلال دامية بأقدام الجميلات
عن الهذيان، والغثيان... عن ليل الضراعات
عن الأشواق تدفن في المخدات
عن الدوران في اللاشيء
عن موت الهنيهات
صديقاتي
رهائن تُشترى وتُباع في سوق الخرافات
سبايا في حريم الشرق
موتى غير أموات
يعشن، يمتن، مثل الفطر! في جوف الزجاجات
صديقاتي
طيورٌ في مغائرها
نموتُ، بغير أصوات.
صح لسانك يا نزار يا قباني. رحمك الله «مي يو ريست إن بيس». صدق من لقبك بشاعر المرأة، «ومن لا يعجبه ذلك فليشرب من البحر»، ففي الحب لا بعدك ولا قبلك كما تقول الأغنية المعروفة، ولو أن الفضل تعاطفك مع نون النسوة لم يكن سببه طفرة جينية في كروموسوماتك الرجالية، وإنما انتحار أختك المسكينة بسبب الحب، «ويضرب الحب شو بيذل»! فـَ«يا بخت» المرحومة بلقيس، ويا «قرد» حظنا من بعدك؛ أي يا لتعاسة الحظ، وأظن التعبير النجدي مشتق من حيوان القرد لكثرة تنطيطه، الذي يبه الحظ في عملية وقوفه وانبطاحه المستمرين، أو هو من حشرة القرادة كما يقول البعض. للأسف، يبدو أن المرأة منّا لن تجد نزارها إلا بعد أن «تخلّص» على إحدى أخواته، لتتحول بعدها قصة الحب الجميل من فيلم أبيض وأسود إلى حب في الزنزانة، ويا قلبي لا تحزن!
نكشت شعري، ولطخت شفتي بالأحمر الصارخ، وإلى جانبي صحن من رقائق البطاطس المرشوشة بالليمون والشطة. كل شيء جاهز للفضيحة الأولى.
***
اتصلت مدام سوسن بسديم المختبئة مع قمرة خلف الستار، لتخبرها أن شريط الزفة مازال عالقاً، والمحاولات جارية لإصلاحه:
ـ دخيلك قولي لقمورة تهدّي حالها... ماصر شي! لساتون الناس مأربزين هون ما حدا فل، وبعدين كلّيات العرايس الكوول بيتأخروا شوي تيعملوا سسبنس!
قمرة على وشك الانهيار، وصوت والدتها وأختها حصة اللتين تصرخان في وجه منظمة الحفل، يأتي من آخر القاعة منبئاً بفضيحة وليلة سوداء. وسديم مازالت إلى جانب صديقتها العروس، تمسح عن جبينها قطرات العرق قبل أن تلتقي بالدموع التي تحبسها أطنان من الكحل داخل جفنيها.
يملأ صوت محمد عبده المنبعث من جهاز التسجيل القاعة الضخمة، وتصل إشارة البدء من مدام سوسن إلى سديم، التي تلكز قمرة بكوعها:
ـ سرينا.
تنهي قمرة المسح بيديها على سائر جسدها بحركة سريعة بعد أن قرأت المعوذتين والإخلاص ثلاثاً مخافة الحسد، وترفع طرف الفستان العلوي الذي ينحسر باستمرار عن نهديها الصغيرين، ثم تبدأ بهبوط الدرجات الرخامية بأبطأ مما تدربت عليه مع زميلاتها في البروفة، مضيفة ثانية سادسة على الثواني الخمس التي تفصل كل خطوة عن التي تليها. تذكر الله قبل كل خطوة وتدعو أن لا تدوس سديم ذيل الفستان فيسقط عنها، أو أن تدوس هي الطرف الأمامي الطويل فتقع على وجهها كما يحدث في الأفلام الكوميدية. يختلف الأمر كثيراً عن البروفة، فحينها لم يكن هناك ألفا مدعوة يحدقن في خطواتها وتحصين لفتاتها وابتساماتها، ولم تكن هناك مصورة تعمي عينيها بفلاشاتها. مع تلك الإضارة المزعجة والأعين المثبتة عليها، يصبح الزواج العائلي الضيق الذي طالما نفرت من فكرته، أروعَ حلم، في ليلة من كابوس طويل!
تسير سديم محنية الظهر خلف صديقتها خوفاً من أن تظهر في الصور، تتابع العملية بتركيز شديد. تصلح وضع الطرحة المثبتة فوق رأس قمرة وتسحب لها ذيل الفستان بعد كل خطوة، ورادارها يلتقط حوارات على الموائد القريبة:
ـ من تكون؟
ـ ما شاء الله، ملح وقبله!
ـ أخت العروس؟
ـ يقولون صديقتها من زمان.
ـ يبدو لي أنها سنعة ودبرة. من بداية العرس وهي تدور وتباشر. شايلة العرس على رأسها.
ـ أحلى من العروس بكثير! تصدقين أنا سمعت أن الرسول دعا للشينة؟
ـ عليه الصلاة والسلام. إيه والله، الشيون هم اللي سوقهم ماشي هالأيام. مهوب حنا، مالت على حظنا!
ـ فيها عرق؟ بياضها بياض شوام مهو بياضنا المشوهب!
ـ جدتها لأبيها سورية.
ـ سديم الحريملي. خوالها ماخذين مننا. إذا ولدكم معزم، جبت لكم الأخبار كلها.
بلغها أن ثلاثاً قد سألن عنها منذ بداية العرس، وها هي تسمع الرابعة والخامسة بأذنها. كلما جاءتها إحدى أخوات قمرة لتخبرها بأن فلانة سألت عنها كانت ترد بحياء: «سألت عنها العافية». يبدو أن الفرج قد حان وأن زواج قمرة سيفرط السبحة كما قالت لهم الخالة أم نويّر، إن هي نفذت الخطة بدقة كما تفعل حتى الآن.
سياسة الـ«يالله يالله» بمد الياءين مد حركتين، أي الـ«بالكاد» هي أضمن الطرق في مجتمعنا المحافظ إلى خطبة سريعة حسب تعليمات أم نويّر، «وبعدها استخفي مثل ما تبين!». في الأعراس والنزّالات والزّوارات وحفلات الاستقبال، حيث تلتقي النساء والعجائز منهن تحديداً ـ رأس المال وأمهات العيال كما تحلو للفتيات تسميتهن ـ يجب إتباع هذه السياسة بحذافيرها: «يالله يالله تمشين، يالله يالله تتحركين، يالله يالله تبتسمين، يالله يالله ترقصين. الله الله بالعقل والثقل، لا تصيري خفيفة! الكلمة بحساب واللفتة بحساب...»، ولا نهاية للتعليمات.
تتخذ العروس مكانها على المنصة الفخمة (الكوشة)، وتصعد إليها والدتها ووالدة عريسها لتباركا الزواج السعيد وتلتقطا بعض الصور التذكارية إلى جانبها قبل دخول الرجال.
تبدو اللهجة الحجازية مميزة في مثل هذا العرس النجدي القح:
ـ أجدادنا الفراعنة؟
يطغى تأثير الجدة المصرية على لسان لميس وشخصياتها... تهمس في أذن صديقتها ميشيل وهما تتأملان المساحيق الكثيفة التي تغطي وجه صديقتهما قمرة، وخاصة عينيها، اللتين بدا بياضهما بلون الدم من كثرة الكحل الذي تسرب إلى داخلهما.
ترد ميشيل بالإنكليزية:
ـ وير ذا هيل. دد شي قت ذس دريس فروم؟!
ـ مسكينة يا قمورة، يا ريتها راحت للمشغل اللي خيطت عندو سدومة بدال هالعك اللي عاملتو بنفسها... شوفي فستان سديم! اللي يشوفو يفكر إنو لإيلي صعب!
ـ اللي يسمعك يقول في واحدة من هالمعازيم عارفة إن فستاني لباجلي مشكا! ما حدن دري عنك ماي دير! نو بودي كان تل ذا دفرنس إلا القليل، وهذول بالذات ملا تقينهم في عرس قروي زي هذا، وبعدين إنني شايفة كيف الميك آب حقها مرة تو متش؟ إذا هي سمرا ليش يحطون لها فاونديشن أبيض زي الطحين! مخلينها طالعة زرقاء! وفي فرق واضح بين وجهها ورقبتها. يععع... سو فالقر!
ـ الساعة حد عشر! الساعة حد عشر!!
ـ الساعة واحدة ونص يا هبلة.
ـ لا يا تنحة! قصدي التفتي يسارك زي عقارب الساعة لما تكون على الحد عشر... عمركو ما حتتعلموا أصول الحش! المهم شوفي البنت هادي... أما عليها «مواهب»!!
ـ أي واحدة فيهم؟ الدفع الأمامي والا الخلفي؟
ـ الخلفي يا حولة!
ـ تو متش.. هاذي المفروض يأخذون منها ويعطون قمرة حُقن من قدام ومن ـ زي حقن الكولاجين!
ـ أحلى مواهب فينا حقة سديم. أحسن إنو جسمها مرة أنثوي! يا ليت عندي مواهب زيها من ورا.
ـ صح شيز سو كير في بس يبغى لها تنحف شوي وتلعب رياضة مثلك... أنا اللي الحمد لله مهما أكلت ما أسمن فمرتاحة.
ـ لله يا بختك... أنا عايشة في مجاعة دائمة علشان جسمي يظل كدا.
تلمح العروس صديقتيها إلى طاولة قريبة وهما تبتسمان وتلوحان لها وفي عيني كل منهما سؤال تحاول إخفاءه: «لِمَ لستُ مكانها؟؟».
فتنتشي في تلك اللحظات الثمينة من حياتها وهي ترى أنها ـ وهي أقلهن تميزاً كما كانت تعتقد دائماً ـ أول من تزوجت بينهن.
بدأت المدعوات بالصعود إلى المنصة أفواجاً لتهنئة العروس بعد أن توقف التصوير، فصعدت كل من سديم وميشيل ولميس، وهمست كل منهن في أذن قمرة وهي تحتضنها وتقبلها:
ـ قمر والله! ما شاء الله. تبارك الله. طول الزفة وأنا أذكر الله عليكِ.
ـ مبروك حياتي... مرة حلو شكلك. الفستان طالع عليك شيء خيالي!!
ـ يا ألله! تجنني يا بت! أيش الحلاوة هادي؟ أحلى عروسة شفتها في حياتي!
تتسع ابتسامة قمرة وهي تستمع إلى مديح صديقاتها وترى الغيرة المخبأة في أعينهن. تقف الثلاث لالتقاط بعض الصور مع العروس السعيدة، وتجتهد سديم ولميس في الرقص حولها، بينما تتفحصهما أعين الخاطبات هما وميشيل بتمعن. تتباهى لميس بطولها الفارع وجسمها الرشيق وهي ترقص بعيداً عن سديم التي حذرتها مسبقاً من الرقص بجانبها حتى لا يلاحظ الجميع قصر قامتها وعودها الريان الذي تتمنى لو تستطيع شفط بعض الدهون من أماكن معينة منه حتى تصل إلى مستوى رشاقة لميس أو ميشيل.
يندفع الرجال فجأة كالسهام يتوسطهم العريس راشد التنبل، باتجاه منصة العروس، فتتزاحم النساء مبتعدات وكل واحدة تبحث معها أو مع من حولها عما تغطي به شعرها ووجهها والمكشوف من جسدها عن أنظار الرجال القادمين.
عندما أصبح العريس ومن معه على بعد خطوات بسيطة منهن، رفعت لميس طرف المفرش الذي يغطي الطاولة لتغطي به العاري من صدرها، وغطت توأمها تماضر ظهرها وشعرها بشالٍ من لون الفستان، بينما ارتدت سديم عباءتها السوداء المزركشة الأطراف وطرحتها الحريرية التي أخفت بها النصف السفلي من وجهها، أما ميشيل فقد ظلت على حالها وراحت تتفحص أوجه الرجال واحداً تلو الآخر غير عابئة بهمهمات النساء ونظراتهن الحارقة إليها.
صعد راشد مع أبي العروس وخالها وإخوتها الأربعة إلى المنصة، وكل منهم يحاول لمح أكبر قدر ممكن من أوجه النساء اللواتي تركزت أنظارهن على الخال الأربعيني، الذي يشبه الأمير الشاعر خالد الفيصل إلى حد كبير.
عندما وصل راشد إلى عروسه القمرة، مد يديه ليرفع الطرحة عن وجهها كما أشارت له والدته، ثم اتخذ مكانه إلى جانبها مفسحاً المجال لبقية الرجال حتى يباركوا لهما زفاهما الميمون.
تعالت أصوات صديقات العروس: ألف الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله محمد.
وتوالت الغطاريف.
انصرف الرجال بعد دقائق قليلة، توجه بعدها العروسان نحو قاعة الطعام لقطع قالب الحلوى، تتبعهما المقربات من الحاضرات.
هناك هتفت صديقات العروس بحماسة: «عاوزين بوسة! عاوزين بوسة!»، فابتسمت أم راشد واحمر وجه أم قمرة، أما راشد فحدّجهن بنظرة أسكتتهن في لحظة. لعنتهن قمرة في سرها لإحراجها أمامه بهذا الأسلوب، ولعنته أكثر لإحراجه إياها أمام صديقاتها بعدم تقبيلها!
دمعت عينا سديم وهي ترى قمرتها وصديقة طفولتها تغدر قصر الاحتفالات مع زوجها إلى الفندق الذي سيقضيان فيه ليلتهما، ليسافرا في الغد لقضاء شهر العسل في أماكن مختلفة من إيطاليا، ينتقلان بعدها إلى الولايات المتحدة ليبدأ راشد في التحضير للدكتوراه.
كانت قمرة القصمنجي أقرب إلى سديم من بقية فتيات الشلة الرباعية، بحكم دراستهما معاً في مدرسة واحدة وفصل واحد منذ الصف الابتدائي الثاني، بينما لم تنضم إليهما مشاعل العبد الرحمن أو ميشيل كما يناديها الجميع، إلا في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة، بعد أن عادت مع أبويها ومشعل الصغير ـ ميشو ـ من أميركا. انتقلت بعدها بسنة إلى مدرسة تعتمد على اللغة الانكليزية في مناهجها كلغة أولى، لعدم إتقانها اللغة العربية التي تعد أساسية في مدرسة قمرة وسديم، في مدرستها الجديدة تعرفت إلى لميس جداوي؛ الفتاة الحجازية التي تربت منذ طفولتها في الرياض، وأصبحت صديقتها المقربة، وصارت الفتيات الأربع على اتصال دائم وعلاقة متينة، استمرت حتى بعد انتقالهن إلى الجامعة.
درست سديم إدارة الأعمال، واتجهت لميس نحو دراسة الطب، بينما اختارت ميشيل علوم الحاسب، أما قمرة التي كانت الوحيدة المستخرجة من القسم الأدبي بينهن، فقد احتاجت إلى كثير من الوساطات حتى تم قبولها لدراسة التاريخ، إلا أنها خُطبت بعد بداية الدراسة بأسابيع قليلة، فقررت الانسحاب من الجامعة لتتفرغ لتجهيزات الزواج، خاصة أنها ستنتقل بعد الزواج إلى أميركا حيث يكمل زوجها دراساته العليا.
***
قمرة على طرف السرير، في غرفتها بفندق جورجونيه في فينيسيا. تمسح فخذيها وقدميها بمزيج مبيض من الغليسرين والليمون أعدته لها والدتها، وقاعدتها الذهبية تملأ ذهنها: «لا تصيري سهلة...». التمنع هو السر لإثارة شهوة الرجل. لم تسلّم أختها الكبرى نفلة نفسها لزوجها إلا في الليلة الرابعة، ومثلها أختها حصة، وها هي ذي قمرة تحطم الرقم القياسي ببلوغها الليلة السابعة بعد زواجها من دون أن يلمسها راشد حتى الآن، مع أنها كانت على استعداد للتخلي عن نظريات والدتها بعد أول ليلة معه، عندما نزعت ثوب زفافها وارتدت قميص نومها السكري الذي ارتدته مراراً قبل الزواج في أيام الملكة أمام المرآة في غرفتها، مثيرة به إعجاب والدتها التي كانت تذكر الله خشية الحسد وهي تغمز بطرفها لقمرة التي يملؤها مديح والدتها بالثقة والغرور، حتى وإن علمت أنها تبالغ فيه.
خرجت من الحمام في تلك الليلة لتجده نائماَ! ومع أنها تكاد تجزم بأنه تظاهر بالنوم بعد أن التقت عيناهما للحظة خاطفة، إلا أنها صرفت عنها وساوس إبليس كما سمتها أمها في آخر محادثة هاتفية لهما، وكرست طاقاتها لجذبه إليها بعد أن أعلنت والدتها أن سياسة التمنع قد «جابت العيد»!
أصبحت والدتها أجرأ في الحديث معها عن شؤون المرأة والرجل منذ عقد قرانها على راشد، بل إنها لم تكن تتكلم معها في أي من هذه المواضيع من قبل. تلقت قمرة دروساَ مكثفة في العلاقات الزوجية من المرأة نفسها التي كانت تقطع صفحات الروايات العاطفية التي كانت تستعيرها ابنتها من زميلاتها أيام الدراسة، وتمنعها من زيارة صديقاتها، ما عدا سديم التي تعرف خالتها بدرية معرفة وثيقة من خلال «دائرات» نساء الحي قبل انتقال الخالة إلى المنطقة الشرقية.
تؤمن أم قمرة بنظرية المرأة الزبدة والرجل الشمس، ولكن كل ذلك قد تغير فجأة بمجرد خطبة البنت. أصبحت قمرة تستمع إلى أحاديث والدتها عن «عملية الزواج» بلذة شاب يقدم له أبوه سيجارة ليدخنها أمامه لأول مرة.
08-أيار-2021
07-أيار-2006 | |
24-نيسان-2006 | |
24-نيسان-2006 | |
24-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |