الصلصال
2008-07-29
بقايا دمي مبعثرة في حضور ، وكنت عرفت البنات اللواتي عرضنني للمضي بليلة الخارج ، وقلن هلم لموتك ، أنا بذرة الشوق وحارسة الصلصال ، بالأمس مر عاشقي من مدخل العشق ،قرنته بالموت ، حياة المقيم بمجاهر الفرح قلت :
_ إن يكن للكهف فائدة فحفي به أن يأوي إلية الفراشات والعناكب ، أما أنا فلي بيتي، صدر حبيبي الذي جعلته مرقدي ، لا يعنيني الموت ، أنا أحتسي فنجان قهوتي الصباحي ،وأنظر في قعره ، لأرى صورة حبيبي ، حبيبي في كل شيء ولا شيء فيه ، حبيبي قمر المسرات ، لا بل حبيبي المسرات ذاتها .
قالت البنت التي رأيتها تغازل حبيبي في وقت مضى: عزيزتي لا تنهكي قلبك فالرجال لا يفكرون إلا وفق ما يريد صلصالهم .
قلت :فإن الوقت لم يمض إذاً ، لنعلن عن رغبة مدافن الصلصال في تكور جديد ،بالأمس رأيته في منامي حبيبي مات والرجال اللذين عبروا به صوب مدفنه الأخير آبوا ولكنه كان يناديني أن تعالين أيتها الفاتنة ، فأنت حياتي وموتي وقبري .تبعته حتى مرابع عشقنا الأولى ، هناك حيث شجرة الفناء ، كنت أفني فيه وأغيب ، وكان ينعتني بأوصاف الوقت ، صحيح أن الوقت قد تبدَّل ،فإن يكن حبيبي غائب في ركائب المرئي ، فهو حضور كامل البهاء بصدري ولم يزل غائر عشقي يذكره ولن ينس ما كنا عليه، بلغنا سدرة منتهانا وليس لنا من القوت غير بذرة مقفلة ، سنزرعها إذاً وستنمو ، ستنمو بأحشائي وتكبر ، ويوماً ما سأجني ثمرتها ،حبيبي في تجدده .
قالت أنت لا تفهمين من تفسير الأحلام شيئا .. قلت تكلمي إذاً بما تعرفين .. قالت :دعوةالميت في الحلم والذهاب معه يعني الذهاب معه إلى الموت .. هل كنت ستتبعين رجلاً ميتاً إلا صرت مثله ، ثم و بشفتيها أصدرت صوتا يشبه جمعا من الزنابير هكذا كانت تريد أن تبعد حشد الشياطين والأرواح والحاسدين في آن معاً.. هكذا حرَّفت أحلامي وأشاحت وجهها . قلتللقانصة : سيَّان عندي إن تكن هذه السيدة صادقة في مقالتها أم مزيِّفة ، فالحقيقة الواحدة هي العشق ، العشق ياصديقتي رهاني على إكتمال إنسيتي ،لم يكن حبيبي كما تدعين ،وإذ صاغ من الطين بذرته كان يقرأ صورة الكامل المتأله ، وأنا خادمة لإله هو خادمي في آن ، بذرة حبيبي التي أودعنيها كانت ذات طعم ورائحة ولون ، وهي هدية العارف للعالم ، قلت لكم أنا حارسة الصلصال ونهري لا يتدفق إلا ليروي ظمأ المحرومين ، والإله إذ خصني بجمال الرؤيا ، كان يعدني لإتصال القادم من أحوال الطين وإنفلاقاته في تكور جديد ، ولأني حزمت معصيتي وأودعتها بذرة الحبيب ، عرضني الوجل لرمي أدران الخطيئة في برزخ الأهوال ، أهوال الناقص ، والإله يحبني كاملة غير منقوصة .
قالت : لو أن نهراً ليتفجر من خطيئة حبيبين ،لكان نهر خطيئتنا وحبيبي الذي عرَّف الليل بأنه ساعة عرفانه بتمامي ، لم يكن كالذي تصفين ، وإلا لكنا إلهين في تراب لا يحوي غير واحد ، الآلهة عزيزتي لاترضى التنافس ، وإلا فكيف يفسَّر أن للجمال إله واحد عليم بكل أحواله .
قلت: عليك سيدتي ألا تتمادين في إطلاق الأقوال هكذا ، فلو كنت علمت أن المثني هوا لواحد أبداً ،لكنت عرفت الإله في حضوره الجميل بقلبك . يا عزيزتي :ستدركين الواحدية إذا ما نقبت بقلبك لتجدي حبيبيك حاضراً هناك ، أما رأيت كيف أنه حاضر لايغيب ، وأنتما للعيان شيئين غير أنكما بالداخل واحدٌ أبداً . كنت التعدد ولكني عرفت واحدية التكون إذ تحسست القلب لأجد حبيبي نائم في تمام الهناءة .
من قبل ! كان قلبي مدفن العاشقين ، كثيرون هم الذين مروّا من هنا، منهم من عبر ومن مات بداخلي ، وكنت أنقب عن بقايا عشق أذكره كل حين ، فوجدت جمجمة بقلبي لحبيب قديم ، كانت الجمجمة صدئه ، ويسيل منها صديد نتن ، حاولت القفز فوقه لكني انزلقت ، لطخني السائل حتى أخمص القدمين ، ولم أعثر على حبيبي الذي جئت أبحث عنه . قلت لنفسي: ربما توارى عني حين جعلت الصلصال ملعباً لأولى المزواجات النزقة .
ياله من حبيب شقي ، كنا نتمرق في اشتهاءاتنا حتى نفادها ، وإذ يعجز عن مضارعة شبقي، كان يقول : عليك إذاً بكفاية ذاتك محنة الاحتياج ، غريب ذلك الولد . أو لم يفكر لحظتها في أن ذاتي ليست إلا تمام اندماجنا .
عزيزتي : يكفي أني دفنت بقلبي عدداً وأخيراً اعد مقبرة الحبيب الأخير ، ولو انك ستستهجنين كون قلبي مقبرة لعشاقي ؛ لكني ما فكرت لحظة أن أدفن أحدهم إلا بعد هزيمته وعجزه أن يكون الواحد ، الواحد الذي نحن معاً ، أما حبيبي الأخير فسأدفنه بذات المقبرة ليس لشيء سوى دسُّه ومواراته عن أعين الساحرات حين قلن برغبتهن في امتصاص عصيره .
08-أيار-2021
29-تموز-2008 | |
28-كانون الأول-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |