بينما كيري سيحل اليوم في عمان ضيفاً «عزيزاً» فإنه لابد أنْ يسمع ،إذا كان لا يعرف هذا، أنَّ هذه الإدارة الأميركية ،التي على رأسها باراك أوباما، قد فشلت فشلاً ذريعاً في سوريا وسلمتها لحزب الله ولـ «داعش» ولفيلق القدس وفيلق«أبو الفضل العباس» و«عصائب الحق» و«ذو الفقار» وأنها فشلت في التعاطي مع المشروع النووي الإيراني وبذلك فأنها لم تكسب دولة الولي الفقيه في حين أنَّ هناك مؤشرات شبه مؤكدة على أنها ستخسر حلفاءها العرب وأولهم المملكة العربية السعودية وأيضاً ربما باقي الدول الخليجية!!.

وهكذا فإنها الآن ،أي الإدارة الأميركية، أمام إمتحان صعب فإمَّا أنْ تنجح وتعوِّض كل شيء وينسى أهل هذه المنطقة كل إخفاقاتها «الإستراتيجية» الآنفة الذكر وإما أن تفشل ويُصبح أنَّ عليها أن تلملم ما تبقى لها في الشرق الأوسط ،حيث أنها خسرت مصر وأنها ،كما يبدو، ستخسر تركيا وترحل وتترك روسيا لتسرح وتمرح ولتتمدد في المستقبل القريب لإستعادة أوروبا الشرقية ولِتُخْرِجَ ونهائياً بدايات النفوذ الأميركي من جمهورياتها الإسلامية ولتكْنس قواعد الصواريخ الأميركية التي تعتبر موسكو أن وجودها يشكل إمتهاناً لها وتعدياً على كرامتها القومية.
إنَّ رهان القضية الفلسطينية هو آخر وأصعب الرهانات فإمَّا أن تنجح هذه الإدارة الأميركية ،وعندها فإنَّ العرب سينسون كل شيء وسيرفعون شعار :«عفا الله عمَّا سلف»، وإما أن تفشل وعندها فإنَّ إسرائيل حتى إسرائيل ستلحق مصالحها وتستبدل هذا الرهان على الأميركيين برهان على الشرق الأقصى وعلى الصين الشعبية تحديداً التي ،معتمدة على إقتصاد متفوق وقوي، باتت تسعى لقيادة القافلة الكونية.

إنه على كيري أن يدرك ،إنْ هو لم يدرك بعد، أنَّه لا يمكن بل ومن سابع المستحيلات أن يعترف الفلسطينيون بدولة يهودية و»للشعب اليهودي فقط» فهذا إعتراف بالرواية الإسرائيلية لتاريخ فلسطين وتاريخ هذه المنطقة ستترتب عليه أمورٌ كثيرة.. وهذا يعني أنه يجب الإعتراف بالولايات المتحدة دولة «بروتستانتية» وبالمملكة المتحدة دولة «إنجليكانية» وبروسيا دولة «أرثوذوكسية» وبفرنسا دولة «كاثوليكية».. وهذا يعني أن العالم كله سيعود إلى مراحل الحروب والصراعات الدينية والطائفية.

ثم وإنه على كيري أن يدرك أنَّ هذه الإشتراطات الإسرائيلية ،من حكاية السيطرة على الأغوار الغربية لنهر الأردن إلى رفض الإعتراف بأن القدس الشرقية (العربية) عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة وأيضاً إلى رفض الإعتراف بحدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، تعني أن الإسرائيليين يعتبرون الفلسطينيين مجرد جالية على أرضٍ ليست أرضهم.. وهذا يعني أن بنيامين نتنياهو و»زمرته» اليمينية المتطرفة يريدون إستسلاماً وليسي سلاماً.. وهذا لا يمكن أنْ يكون حتى وإن إستمر إحتلال إسرائيل لأرض ووطن الشعب الفلسطيني بمقدار ما إستمر أحتلال «الفرنجة» لهذه الأرض ولهذا الوطن بعد ما سماه الغرب ،وليس العرب، :«الحروب الصليبية".
إنَّ حاجة إسرائيل لأغوار الأردن الغربية لإسباب أمنية كذبة كبرى مكشوفة لا يمكن أن يصدقها إلاَّ من هو ،حتى وإنْ كان يحمل الجنسية الأميركية، أشدُّ تطرفاً من بنيامين نتنياهو ومجموعته اليمينية الحاكمة فأمن الدول في هذا القرن الحادي والعشرين لم يعد لا بالجدران المرتفعة ولا بـ»الأشرطة» العازلة ولا بالقبضة الحديدية الضاربة ولا بصواريخ «الباتريوت».. وإنما بإعطاء من له حقاً حقه وبالكف عن ذهنية التمدد والتوسع وبالتخلص من المفاهيـم القائمة على الخرافات التاريخية التي إذا كان الإسرائيليون سيبقون يتمسكون بها فإنهـم سيأخذون أجيالهـم المقبلة إلى نهايات مأساوية مؤكدة .. وهكذا وعلى أي حال فإننا نقول :شرَّفت يا كيري بابا يا بتاع النووي الإيراني!!.

عن جريدة الرأي .