البَاصُ الأَخِير /مارك ستراند/
أنس مصطفى
خاص ألف
2014-01-09
إنَّها العتمَة..
مطرٌ خفيفٌ يبلِّلُ الطُّرُقات.
لا شيءَ يتحرَّكُ في
متنزِّه لُوتا..
يتدلَّى النَّخيلُ على العشبِ الملبَّد،
والشُّجيراتُ الكثيفة،
المحزومةُ في رُزُمٍ
تتلاطمُ بجوارِ الأَرصفة.
العالمُ بعيدُ المنَال.
أشباحُ السَّابحينَ تنهضُ ببطءٍ من الزَّبد،
وتنعطفُ عَالياً في الرَّزَاز.
يتمشُّونَ على الشَّاطئ
وأعينهم تتَّقِدُ كالنُّجوم.
وريو تنام:
البحرُ حُلمٌ
فيهِ تموتُ وتولدُ من جديد.
البَاصُ يُسرِع
غيمةٌ بنفسجيَّة تتبدَّى في إستفاقتها.
تبدأُ ساقايَ بالإرتعاش.
رئتايَ تمتلئانِ بالبُخار.
عرقٌ يغطِّي وجهي
ثمَّ يسَّاقطُ على صَدري.
عُنقي وكتِفَايَ تؤلِماني.
لستُ متأكِّداً حتَّى من يقظتي
أُمسِكُ بالحافَّةِ السَّاخنةِ للمِقعَد.
يبتسمُ السَّائق.
بِنطَالهُ مرفوعٌ فوقَ ركبتيه،
ربلَتَاهُ العاريتانِ تلمعانِ في الحَر.
إمرأةٌ تحاولُ تعزيتي.
تضعُ يدَها تحتَ قميصي
وتكتبُ أسماءَ أزهارٍ عَلى ظهري.
تنُّورتها سودَاء.
وعلى ركبتيهَا رسمٌ لجمجمةٍ صغيرةٍ وعظامٍ متصالبة.
هنالَكَ حديقةٌ في عينيها،
حيثُ صفوفٌ من شواهدَ بيضاءَ شاحبة
تزحمُ الهواء.
وأناسٌ يقفونَ ملوِّحينَ بالوَدَاع.
إحسُّ كأنِّي هناك.
المرأةُ تهمسُ عبرَ أسنانها
تضعُ شفتيها على خدِّي.
يلتفتُ السَّائق.
عيناهُ مغلقتان،
ويمشِّطُ شعرهُ للوراء.
يخبرني بأن أكُونَ شجاعاً.
أحسُّ ضرباتَ قلبي تخفتُ كلَّما تحدَّث.
تقبِّلني المرأةُ من جديد.
يصطكُّ فكُّها،
وأنفاسُها تلتصقُ بعنقي مثل غشاوة.
ألتفتُ نحو الزجاجِ المشروخِ للنَّافذة
مُبلَّلاً بالمَطَر.
تُرى أين كُنت..؟
ألتفتُ صوبَ ريو-
لم يعد شيءٌ مثلما كان.
المسيحُ الذي كان واقفاً
في بركةٍ من أنوارِ المصابيحِ
عالياً على ربوتهِ
توارَى عن الأبصَار.
الخليجُ أسود.
والمدينةُ السوداءُ تغرقُ في ضريحها،
ولن أعودَ ثانيةً..
..
..
مارك ستراند:
شاعر، مترجم، كاتب مقالات وفنان تشكيلي أميركي. ولد بسمرسايد بكندا في العام 1934. تخرج من كلية أنتيوش، ثم درس التلوين بجامعة يال. درس الشعر الإيطالي في القرن التاسع عشر في الفترة بين 1960 إلى 1961. ثم نال ماجستير الفنون الجميلة من جامعة أيوا عام 1962.
له عشر مجموعات شعرية منها المرفأ المظلم 1993، الحياة مستمرة 1990، قصائد منتقاة 1980، ساعة متأخرة 1976، قصة حيواتنا 1973، أكثر عتمة 1970، أسباب للمغادرة 1968، والنوم بعين واحدة مفتوحة 1964.
له كتب نثر، وكتب للأطفال أيضاً. ترجم مجموعات شعرية لرفائيل ألبرتي، ولكارلوس دروموند دي أندرادى.
حاز على العديد من الجوائز والمنح منها جائزة بولينجن 1993، ماك آرثر 1987، بوليتزر 1999، جائزة المعهد الوطني للفنون، جائزة مؤسسة روكفيللر، جائزة مؤسسة أنغرام ميريل، بالإضافة لجائزة إدغار آلان بو.
عمل أستاذاً في العديد من الجامعات الأميركية كجامعة شيكاغو، جون هوبكنز، ويدرس حالياً بجامة كولومبيا.
..
..
ترجمة
أنَس مصطفــى:
كاتب وشاعر
الخرطوم/السودان
صدر له: (نثار حول أبيض)-شعر، القاهرة-2006
(سُهدُ الرُّعاة)-شعرالقاهرة،-2011
مراجعة
محمَّد النَّحاس:
كاتب ومترجِم
يقيم بالدوحة-قطر