وكأنها لا تصدق أنه واقفٌ أمامها. تتفقّده بيدها. تلمس وجوده. حدوده الخارجية. هيكله, من جانب وجهه الأيمن, هابطةً إلى كتفه, إلى ذراعه, إلى كفّه. تقبض على حدوثها به.
تلتفّ على استقامته. تبرّر بهذا بأنها لا تثق بحضور الأحجام وحدها. بل بذلك اليقين الذي يحركها في ممشى الوجود.

تقبّله بروحها. وتندلع منها إليه. في ثباتٍ خارجيّ. في تموّجٍ يجرف بأركانها الداخلية.
تعلم تماما أنها تستنشقه. لذلك فهي حيّة الآن. يبدو الأمر كمعادلة رياضية لها طرفان.
متساويان. في اتجاه واحد من التفاعل المحتدم. بعد عمليات معقّدة من الجرح والزمن. تثبت بأنها تلتقيه. تحقق النجاح الأقرب. تستقر ذراتها في هذه النتيجة على هذه الحالة الذائبة فيه.
لو أنها استدارت منذ زمن! لعرفته. لكن ربما لم تكن لتلتقيه في هذه البقعة الضوئية من الحب. وبذات التنهيدة, التي آذنت لهما بشهيق عميق بالحياة.

تعيد بناءها أمامه. يتعجّب من نضارة شفتيها اللتين تتفتحان له فجأة. يختارا الورديّ كلونٍ لخلفية عينهما المستمر دون اتفاق مسبق.

الأصوات الآتية من الكون: ضجيج الشارع, كركرة اليمام الذي لا يكاد يذكر بالنسبة لضجيج الشارع. بائع الكرنب على عربته الكارو. نهيق حمار عربة بائع الكرنب. بكاء طفل الجيران في عامه الأول. مزامير السيارات الصناعية. عقرب الدقائق المارّ دومًا بينهما على أطرافه؛ كي لا يصدر ضجيجا على صوت نبضيهما. وأيضا نبضاهما.
يمرّ العقرب ليتسع زمنٌ ينقضي بينهما, تاركًا لهما ساحة هذا اللقاء. يتفرقا بعده في طريقين مختلفين للرحيل.

تحبه. نعم تحبه. وتتعلّم من وحيها أنّ بعض المستقبل يحضرها الآن. بكامل شغفها تصير مثل غابة. مستعمَرةً من الحنين. تصير مثل ليل راغب بنجمة. تصير مثل نجمة لا يصفها شيء.

اليوم أكمل لها نصف دينها وكلّ دنياها. اليوم ارتدى زيّ عمال البناء ووضع أولَ حجر في قلبها. هو حجر كريم. ترك بفنائه بهوًا لاستقباله الدائم. وغرفة نوم.

الممرات المتصلة التي تصنع شبكة في أنحاء جسدها, كانت تدفّق أكبر عدد من زوّار كريات الدم. ترتفعن فيها بنجاح. يتوافد الجميع, الحب والعمر والزمن قاصدين القلب. حيث هو, حيث هي وهو فيه.

24/1/2014