أُنَاسٌ عَلى الجِسر (فيسوافا شيمبورسكا) ترجمة
أنس مصطفى
خاص ألف
2014-03-29
كَوْكَبٌ غَرِيبٌ، عَلَى ظَهرِهِ أُنَاسٌ غُرباء
خَاضِعُون لِلوَقت ولا يُودُّونَ الإعترافَ بِذَلِك
يملكونَ أساليبهُم في التَّعبيرِ عن الإحتجاج
يصنعونَ صُورَاً صغيرةً على هذا النَّحو:
لا شيءَ مميّز لدى الوهلةِ الأولى،
هناكَ ميَاهاً،
ضِفَّةً،
قَارِباً صَغِيرَاً يُجاهِدُ التيَّار،
هناكَ جِسرَاً فَوْقَ المِيَاه،
وأُنَاساً عَلَى الجِسْر.
أُنَاساً يبدو وكأنَّهم يحثُّونَ الخُطَى،
لأنَّ المطَرُ قد بدأ يَسُوطُهُم مِن سَحَابةٍ داكِنة.
لكِنْ لا شَيءَ آخرَ يحَدُث..
السَّحَابَةُ لا تُغيِّر الشَّكلَ وَلا اللَّون،
والمطرُ لا يَنتهي ولا يَزِيد،
القَارِبُ يواصلُ الإبحارَ دونَ حَرَاك،
يَركُضُ النَّاسُ علَى الجِسر،
تَمَامَاً حيثُمَا رَكَضُوا مِن قبل.
مِن الصُّعوبةُ أن تمرَّ بهذا دونَ تعليق:
هَذِهِ الصُّورةُ ليست بأي حالٍ بريئة
قد أوقِفَ الزَّمنُ هُنَا،
قَوَانِينَهُ لم تَعُد تُرَاعَى.
تَأثِيرهُ مُنكَرٌ علَى الَأحدَاث،
مُتَجَاهَلٌ وَمُهَانْ..
كل ذلكَ بسببِ متَمَرَّد،
إسمهُ هِيرُوشِيغه أوتَاغاوا
(كائنٌ -بالمناسبة-قد رحلَ كما ينبغي منذُ أَمَد)
قد تعثَّر الزَّمنُ وَسَقَط.
ربمَّا هيَ محضُ مزحَةٍ تافهة،
نَزوَةٌ على حفنةٍ من الَمجَرَّات،
علينا-تحسباً- رغم ذلك
أن نُضيفَ تعليقاً أخيراً
يحدثُ أنه من اللائق
أن تقدّر ھذہ الصورة عالياً،
أن تمجَّد منذ أجيال
للبَعض حَتىَّ أنَّ هَذَا غَيرُ كَافٍ،
يمضونَ لِيَسمَعوا ثَرْثَرَةَ الَمطَر،
ليحسِّوا برودةَ زخَّاتهِ عَلَى الظُهورِ والأعنَاق،
ينظرونَ صَوبَ الجِسر والنَّاس،
كما لو أنَّهم يُبصِرونَ أَنفُسَهُم هُنَاك، في ذَلِك الركضُ الَأبَدِي
بِطولِ مسافةٍ لا تُطوى ولا تنتهي،
ولدَيهِم قدرةَ أَنْ يُصَدِّقُوا
أنَّ ذلكَ حقيقي..
..
..
ترجمة: أنس مصطفى
..
..
ولدت الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا في كورنك، غربي بولندا في 2 يوليو 1923 ثم عاشت منذ العام 1931 في كراكوف، المدينة التي إرتبطت بها فيما بعد. درست افيسوافا للغة البولندية والأدب ثم تحولت لدراسة علم الإجتماع في الفترة ما بين 1945 و 1948 بالمدينة ذاتها إلا أنها لم تكمل تعليمها الجامعي لأسبابٍ ماديَّة. ظهرت الشاعرة على الساحة الأدبية لأول مرَّة لدى نشرها قصيدة (أبحث عن الكلمة).
أنتجت فيسوافا 16 " كتاباً شعرياً من بينها: (لهذا السبب نحن أحياء، مساءلة النفس، نداء إلى ييتي، ملح، مائة وواحد قصيدة، مائة فرحة، قصائد منتقاة، رقم ضخم، أناسٌ فوق الجسر، البداية والنهاية، لحظة)، وقد ترجمت أشعارها إلى الإنجليزية، الألمانية، الفرنسية، السويدية، التشيكية، الإيطالية، الصربوكرواتية، السلوفاكية، الرومانية، البلغارية، المجرية، العبرية، الدنماركية، الصينية، اليابانية، العربية ولغات أخرى أيضاً.
حازت فيسوافا على جوائز عديدة منها: جائزة غوتة ( 1991 )، جائزة هيردر ( 1995 )، الدكتوراة الفخرية من جامعة آدام ميكيوفيتش ببوزنان (1995 )، وفي العام 1996 حازت على نوبل في الأدب، وجاء في حيثيات خطاب الجائزة: منحت الجائزة للشعر الذي إستطاع من خلال السخرية المحكمة أن يضع السياق التاريخي والبيولوجي تحت الضوء في شظايا الواقع الإنساني, حينها قالت في خطابها للجمهور في ستوكهولم: المعرفة التي لا تُبدِي تساؤلات جديدة هي معرفة ميِّتة، تفقد حرارتها كما نعلم من التاريخ الحديث والقديم، ومن الممكن أن تشكل خطراً على مجتمعات بأكملها. لذا أقدِّر كلمتين صغيرتين هما:" لا أدري"، صغيرتين لكن لديهما أجنحةٍ قوية تظهر لنا مناطقاً غير معروفة بدواخلنا أو في كوكبنا, الجدير بالذكرِ أيضاً أن شيمبورسكا مترجمة للأدب الفرنسي وكاتبة للمقالات الأدبية.