المنتزه / قصة سوزاناه كارلسون / ترجمة:
صالح الرزوق
خاص ألف
2014-04-19
جلست البنت بين القاذورات في قمة بيكنيك بوينت ( المنتزه )، تراقب فلينة سنارة الصيد في المياه الداكنة. فتح الرجل الذي رافقها المبردة و أخرج علبة بيرة و سألها:" هل تريدين صودا؟".
" كلا".
أغلق المبردة و عاد أدراجه و وقف بمحاذاة عود البامبو. تجشأ و مسح ذقنه بقفا يده.
كان اسمه مايكل. و هي تبغضه. و هو غبي و بخيل. و يعتقد أن البطات الإناث السمراوات نوع مختلف عن حلقة الذكور المتميزين. و يعتقد أيضا كل حلقات ( نجوم المصارعة ) مباريات حقيقية. إنها لا ترغب أن تكون هنا و لكن هذا ما يتوجب عليها أن تفعله.
غطست فلينتها في الماء لفترة وجيزة. رمشت بعينيها، و تساءلت هل هذه خدعة من النور المتراجع. و اعتقدت ربما هي تتحرك، و ربما كلا. تسارعت الحركة و غطست تحت سماء وردية داكنة انعكست على المياه. أمالت السنارة، و انحنت القمة، و صاح مايكل يقول:" اللعنة عليك إن لم تحصل على هذه السمكة. قاتل".
لم ترد. و لكنها تحب هذه الحالة. إغاظة السمك و سحبه للشاطئ. هذا يكسر الموجات، حتى تهدر. و ستكون كبيرة بما فيه الكفاية لتحتفظ بها. بكرة السنارة الرخيصة تئز و تشتكي. و السمكة تصارع كما لو أن لديها أمل بالإفلات.
قال مايكل و الغضب يصبغ صوته:" اللعنة". ثم ألقى السنارة مجددا، و لكن سنارته ذات الطراز القديم لا تستطيع أن تصل لنوعية السمك التي تصطادها.
قبضت البنت على السمكة بيدها، و براحتها مهدت بنعومة زعنفة الظهر الشوكية على طول الحراشف الفضية و السود لعمودها الفقري. كانت قد علقت بالخطاف بشكل مؤذ. النهاية الحادة برزت من إحدى عينيها. بحذر برمت و سحبت الخطاف، محاولة إلحاق أقل ضرر ممكن بها. قبض مايكل على السمكة من يدها و قال:" هات هذه". و جر الخطاف. و صنع صوتا مائيا قارسا. و تحركت عين السمكة و غارت في زاوية من وجهها. و تسرب الدم من غلاصمها.
سحب مايكل حامل حبل الصيد من المياه القريبة من موطء قدميها. كانت ثلاث سمكات تكافح في الهواء. أفلت حبل النايلون ليتيح له الدخول في فم السمكة و يخرج مدمى من الغلاصم. ثم ألقى حبل الصيد مجددا في الماء. و عاد إلى سنارته. تعلم البنت أن السمكات ستعيش هناك. و ستكون معا في المياه القليلة، و ستعيش بعد رحلة العودة إلى السيارة في قليل من الماء الذي يتوفر في أسفل سطل مايكل. و ستستمر على قيد الحياة حين يلقيها في حوض الاغتسال في الحمام داخل شقة أمها، و ستكون على قيد الحياة حينما يضع الطرف المشرشر لسكينه على الجبين البني الذي يلتمع. إنها لا تستطيع التفكير بهذه الأشياء. هناك شيء ما في داخلها و عليها أن تسكته.
قبل ولادتها بفترة طويلة، كان أبواها طالبين يدرسان هنا. من الصعب أن تتخيلهما يسيران بنفس المسار الذي مشت عليه هي و مايكل نحو نهاية بيكنيك بوينت ( المنتزه). حيث تجلس الآن، و لكن هذا ما حصل. إنها تتصورهما يمشيان يدا بيد تحت الشمس الضعيفة في بدايات الربيع، في ذلك اليوم شاهدا الجثة. كل يوم تسير بذلك الاتجاه تتساءل أين وجداه بالضبط. لقد قتلت المرأة نفسها في العام السابق، و أمضت الربيع مطمورة تحت الثلوج و الجليد.
لا شك أن عددا من الأزواج مروا بها بينما الثلوج تذوب و العشب ينمو، بينما أوراق الأشجار تزدهر و العصافير تعود و هكذا انتشرت الرائحة. و قبل أن يقترب والدا البنت من شم الرائحة اعتقد عابرو السبيل أنها رائحة نفايات مهملة على ضفاف بحيرة ميندوتا. نفايات أسماك، ماتت و تركت لتتعفن على طول الخط المائي. و لكن والد البنت خمن السبب. فقد اشترك بالحرب. و هو يعلم كيف تكون رائحة الشخص الميت.
تساءلت البنت كيف هو شكل المرأة الميتة في ذلك الوقت. و تساءلت هل كان والداها يحبان بعضهما بعضا.
و هي تجهز الخطاف و الخيط في خضم جيش الظلام الذي يزحف بجسمه و يتغلغل، تساءلت عن الاختلافات الممكنة بين رائحة الشخص الميت و رائحة السمك النافق. مسحت يديها بالجينز، و تركت بقعا من نخاع و دم السمك و أحشاء الطعم عليه، ثم ألقت الحبل عبر سماء سوداء بلون الفحم. ضربت الفلينة الماء بصوت خافت، و استقر الحبل وراءها كأنه خيط من الحرير، و لفترة وجيزة عكست الأشعة الأخيرة للشمس. جلست بين النفايات و راقبت الفلينة بانتظار أن تغوص تحت سطح المياه مجددا.
سوزاناه كارلسون Susannah Carlson: كاتبة أمريكية من مواليد سانتا بربارة ، كاليفورنيا. تحمل إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة سان فرانسيسكو الحكومية. تعيش في صانفيل.
الترجمة من مجلة نارايتف ( سرديات )، عدد شتاء 2014.