ليلتي الثانية مع الله في قاسيون
سحبان السواح
خاص ألف
2014-06-14
ترددت كثيرا على قاسيون علني ألتقى الله مرة أخرى، ولكن مكانه كان شاغرا في كل مرة، اصابني القلق، أهي مرة ولن تتكرر، لقائي مع الله.. جلوسي معه وجها لوجه، كصديقين قديمين. هل فعلت شئيا أزعجه، هل قلت كلمة لم تتناسب مع مقامه العالي، توجهت نجو السماء وصرخت أينك يا الله، أنا بحاجة لك... ولكن جوابا منه لم يأت.. في جعبتي الكثير من الأخبار عما يجري في الشام.. كل الشام.. عن الخيانات، عن القتل، عن الكراهية التي تتحكم بالجميع.. بالجميع دون استثناء.. وحتى أسليه كنت سأحدثه عنا يا حبيبتي أعرف أن الله يحب أن يسمعها.. فهو يحب الحياة ويحب الحرية ويكره الشر. كنت أود أن أحكي له قصتنا حين سألتني فجأة:
ـ أتحب أن أرتدي لك تنورة قصيرة حين نخرج معا
أجبتك:
ـ طبعا.
قلتِ بدلع الأنثى:
ـ ألا تغار من أن يشاهد الآخرون ساقيي
قلتُ لك:
ـ بل أسعد بأنهم يعجبون بما أملك، أبتهج بالشبق يتقافز في عيونهم، بالرغبة تتحكم بسلوكهم، بحقدهم علي.
قلتِ بغنج:
ـ ولكنك لا تملك.. هما ساقاي وأنت لا تملكهما
قلتُ مظهرا الغضب:
ـ ليكن.. فعلا أنا لا أملكهما
شعرت بضيقي فاقتربت مني عانقتني بحب وقلتِ:
إذا كنت تملك روحي فكيف لا تمتلكني كلي.. أنا كلي لك.. سأرتدي تنورتي القصيرة، ودعهم لشبقهم. فأنا لك.
أينك يا الله لماذا تركتني وحيدا، من غيرك يمكن أن يستمع إليَّ، لمن سواك أتجرأ أن أحكي لك عنها..
أيام، اسابيع، وقارب الشهر أن ينتهي، وأنا أتردد كل يوم فلا اراه، في اليوم الأخير من الشهر وجدته متربعا في مكانه، ملهوفا اقتربت منه،
ـ غبت عني كثيرا يا الله!!!
نظر إلي.. ثم نظر إلى دمشق مطفأة الأنوار يملأ الدخان سماءها.. مترامية تحت قدميه، قدمي قاسيون، وقدمي الله..
ـ لم أعد أحتمل ما يجري.. لست مسؤولا عنه..
ـ ولكن يا رب أنت القادر.. امنعهم قلت
حزينا و دموع تترقرق في عينيه:
ـ أنا قادر في الخير مكبل في الشر.. الشر يخلق نفسه بنفسه.. خلقته داخل النفس البشرية لكي يستطيع أن يرى الخير.. فبالضد ترى الأشياء.
ـ وها نحن نرى أسوأ أنواع الشرور
نظر إلي مليا.. تنهمر الدموع من عينيه
ـ هذه دمشق، دمشقي.. عشقي.. لا أرتاح إلا على أرضها.. دمروها.. كما رغب تماما.. كما خطط وحلم..
قلت:
ـ من يا رب.. من الذي خطط؟؟
نظر إلي.. تمتم بكلمات غير مفهومة.. وصلني منها كلمة يهوه..
مستغربا سألت:
ألست ويهوه واحدا يا رب؟؟؟
صرخ مستنكرا..
ـ هو ابليس.. هو الشيطان.. هو الشر المطلق الذي لا شر يفوقه.
مستغربا قلت: وكيف سمحت..؟
قاطعني بصوت يكاد يسمع هسيس مهموس
ـ لست كما صوروا لكم.. لست القادر على كل شيء.. خلقت الكون، خلقت الأضداد.. ولأنني لا أريد أن أتحكم بحيواتكم، تركت لكم منفذا .. مساحة حرية لا أتدخل بها.
كانت الحيرة تتملكني، أسئلة كثيرة دارت في ذهني عن قدرات الله، المتجلية في أسمائه الحسنى كان ينظر إليَ ..ابتسم حزينا
لست الله الذي صوروه لكم.. كل نبي أو رسول صورني على هواه، كما رآني لا دخل لي بكل دياناتكم.. لم أفعل شيئا سوى أني خلقتكم أحرارا.
ـ وكل ماعدا ذلك؟؟؟؟ قلت
قال ـ هي اختراعات الانبياء وقبلها اختراعات الآلهة التي أنتجها العقل البشري..
قلت: بل أبدعت العقل البشري..
قال: هذه هي معجزتي الحقيقية. ولكن ما خلقته كان عقلا مبدعا.. حوله يهوه إلى عقل سقيم، إلى سجود وركوع لامعنى له، لم أطلب منة ولا صدقة تقدموها لي بسجودكم الطويل، بإضاعة وقتكم بالصلاة التي لامعنى لها.. خلقتكم أحرارا، فاستعبدتم أنفسكم. بخمس صلوات وبقيام الليل لتشكروني، ولم أطلب هذا الشكر.. حين خلقت آدم.. خلقته حرا وحواء أيضا.. فما الذي حصل.. كانت الجريمة الأولى.. وتبعتها كل الجرائم الأخرى.. خلقتكم خيرين.. فتحولتم إلى اشرار.
قلت.. هامسا وخائفا من ردة فعله
ـ ولكنك خلقت فينا الشر
قال: لا يعرف الشيء إلا بضده. كيف سيكون الخير لو لم يكن الشر..
محتارا كنت.. فصمت. أشحت بوجهي نحو دمشق التي تحترق، حرائق ودخان وظلمة في كل مكان.. لا أنوار كالنجوم تملأ فضائها.. عتمة وشر مستفحل من جميع الأطراف.. الكل يتربص بالكل ليس من أجل الحرية، وإنما خدمة للشر المطلق، ليهوه ..نعم ليهوه الذي انتصر على الله لأنه الشر والله هو الخير.
قلت أما من حل يا رب
قال: الحل في دواخلكم.. تخلوا عن أنانيتكم، عن رغبتكم في الشر، عن رغبتكم في السلطة، عن رغبتكم في نساء جيرانكم، وأملاك أخوتكم، ستصلون إلى بر الأمان.
تركني فجأة كعاصفة غاب وهو يقول لن تراني مرة أخرى إلا بعد أن تعيدوا لي دمشق كما كانت.. وسأبحث عن مكان لا دخان حرائق فيه، ولا روائح أجساد محروقة ودماء أخوة مسفوكة.. ولا أحقاد.. ولا طمع بالسلطة والمال. حينها فقط سأعود إليكم.. صديقا لا ربا تعبدون.