Alef Logo
ابداعات
              

'عابرة سبيل هائمة' لكلاويز فتاح تعكس حياة الكوردي المغامرة

فتح الله حسيني

2008-05-30


في قصة "عابرة سبيل هائمة" تمجد الروائية والقاصة الكوردستانية كلاويز صالح فتاح الدور الانساني والبطولي الذي لعبته جمهرة من المناضلين الكورد بأسماء شتى، في مناطق متفرقة من العراق، سواء في كوردستان أوفي بغداد أوفي مدن الوسط والجنوب، وذلك التمجيد ليس إلا تدويناً صرفاً لوقائع مرت، كان يجب أن تدون.
وه نه و شه، الشخصية المحورية في القصة، التي تهرب من المجهول، بحسب تصورها، فانها تهرب من المعلوم سردياً، أوان هربها المباغت من منزل خالتها، هذه الخالة الطيبة قلباً وروحاً ولكن هي امرأة لا حول لها ولا قوة في ظل زوج متعامل مع السلطة، والتي تتوارى شخصيتها تماماً في القصة، من البداية الى النهاية، إلا عندما تتذكرها وه نه و شه بحنين قاتل، لا سيما إدراكها التام بانها لن تترك خالتها إلا بسبب عمالة زوجها ولا مبالاة ابنها الثمل على الدوام، الذي بدوره يهجم بشكل لاأخلاقي عليها كل ليلة بعد وجبة ثمالة وحفلات سمر وقمار في بيته مع ثلة من القوادين والفاسدين.
بتصفير القطار، صفيره الأول، وسيره على سكة مرعبة باتجاه المجهول بالنسبة لوه نه و شه، يكون تنفسها لا طبيعياً، في ظروف أشبه بالموت المفاجئ، فما أن ترى حركة غريبة، بمناسبة وبلا مناسبة، حتى تحس أن كل مَنْ في القطار من مسافرين ومفتشين ومرافقين وطاقم الخدمة ينظرون إليها فحسب، وكأنها وحدها مسافرة في هذا القطار.
في أول بدء الرحلة تجلس الهاربة وه نه و شه الى جانب العمة رحمة خان، في كرسي واحد، بلا استئذان، ثم ما تلبث أن تتمكن من التقرب الى هذه السيدة الفاضلة، التي تحاول أن تسكت قلق الفتاة التي تجالسها، بين فينة وأخرى، لاسيما ملاحظتها المستمر لقلقها أثناء تفقد مفتش القطار لتذاكر المسافرين.
تدرك "العمة رحمة خان" للوهلة الأولى، كما ستقول لها هذ الاسم الى آخر القصة، ان الفتاة يكتنف حالتها غموض ما، ولكن لم تكن تدرك انها هاربة من فساد أخلاقي يطاردها، لتحبها أكثر، فيما بعد، بعد سيناريوهات متفاوتة في الطول والتوقيت، يصل المسافرتان معاً الى بغداد، المدينة الحلم بالنسبة لوه نه و شه، تصلان الى منزل شرمين، ابنة رحمة، الفتاة التي تغير من جمال بري، بعد تغيير اسمها الحقيقي، فتقودها فضولها في التعرف أكثر على شخصية بري، التي عرفتها الخالة بانها إحدى قريباتها، ولكن سرعان ما تحس بما يجول في خاطر ابنتها شرمين وغيرتها على زوجها من بري، ذلك الزوج الذي ما كان يعود من عمله الى المنزل إلا في نهاية المساء، فيجده يتردد بين ساعة وأخرى على المنزرل بمناسبة وبلا مناسبة محملاًُ بأكياس الطعام والملذات.
تقود الأقدار، مصير بري أو وه نه و شه الى شمال، ابن العمة رحمة خان، الذي تجده بري لأول وهلة، شاباً حماسياً تقوده مبادئ الكوردايتي بعيداً عن شهوات الحياة، فيعيش متوارياً عن الأنظار، متخفياً في منزل مستأجر في أحد الأزقة المهملة عن طريق رفيق، هو دكتور، دون أن يدرك صاحب الدار أن الشاب المستأجر لديه له مشاكل أمنية وسياسية مع السلطة الحاكمة.
لا يقتنع شمال في بداية الأمر بوجود بري لديه في المنزل، وهو بالأساس يرفض فكرة أن يجالس فتاة، ثم تقنعه والدته بفكرة بسيطة بعد أن تنبهه وتسأله أليس كل نضاله من أجل المساكين والفقراء وإعادة الحقوق الى أصحابها، يرد بكلمة نعم، فتقول له: إذاً ليس أمامك إلا أن تساعد هذه الفتاة وهي في أوج محنتها.
القصة برمتها قصة أقدار مختلفة تقود أبطالها الى مصائر مجهولة، في ظل نظام سياسي باهت، فظ، يستخدم لغة الحديد والنار مع شعبه، والقصة تتمركز أحداثها المتتالية بين كركوك المدينة ذات الأحداث الساخنة وبين بغداد المدينة التي تكون في قمة الهرم السلطوي من سجون وزنازين وقتل تحت التعذيب، ومع ذلك يجد الكوردي لنفسه فيها ملجأ ليناضل من أجل عدالة قضيته.
في أول خروج له من بغداد، بعد أن يتعرض منزله للتفتيش والمداهمة من قبل رجال الأمن، يتوارى شمال في بيت شقيقة رفيق له في كركوك، لا يخرج من البيت، بينما رجل البيت يعمل طاهياً لدى مدير شرطة كركوك، فيشك هذا الرجل بضيفه، متسائلاً في قرارة نفسه: لماذا ضيف شقيق زوجتي في منزلي؟ وسرعان ما تكبر الشكوك وتتفرع الى أن يقوده تفكيره الى شراء مسدس وقتلهما معاً، زوجته والضيف، في شك أوحد في إنهما يخونانه.
يأتي القدر هذه المرة من صوب الزوجة، التي تحس بقلق زوجها حيال مكوث ضيفهما في البيت وعدم خروجه، فتتقرب اليه بود، ونعومة، ويقنعه بأن كل ما يفكر فيه هو محض شك لا أكثر، فيخجل الزوج من تصرفه الخاطئ بعد أن يعرف من زوجته أن ضيفه أحد الملاحقين من قبل الأجهزة الأمنية، وهو مناضل كوردي، وقد توارى في منزله بالذات لأنه يعمل في منزل مسؤول أمني لا أحد يتجرأ على الاقتراب منه تحت أي ذريعة كانت، ثم ما يلبث أن يقود الطاهي قدره نحو منحى آخر، وهو منحى السياسة التي لم تك تعني آنذاك إلا الولوج الى صفوف المناضلين من أجل الكوردايتي، فيبدأ الطاهي بتوزيع البيانات السياسية على كل من يصادفه في طريقه بين حقول بابا كركر وبين مكان عمله اليومي، غير آبه بالمصائر، بعد أن فكر ملياً بأن الانسان يقود الموت الحتمي، فلماذا لا يموت ميتة مشرفة.
في الطريق من بغداد الى كركوك، وهذه المرة أيضا تكونان وه نه و شه ورحمة خان في كرسي واحد في القطار، ولكن هذه المرة في الدرجة الثانية، وفي غرفة المبيت، وبخوف أقل، ليذهبا الى شمال هناك، واجواء القطار فيها مصير معتم كأضواء عربات القطار الخافتة، يصلان الى عنوان أشبه بسر مستتر، الى استديو تصوير : وكلمة السر "فريدون يسلم عليك" فيصطحبهما الشاب مريوان الى حيث المطلوب، بعد أن تكون بري أو وه نه و شه قد حلمت بشمال وهي نائمة في القطار، أن شمال يقبلها من فمها بحرارة وأن عنقها وصدرها كله ملك لشمال وكذلك شمال بكل شبابه ملك لفتاة جميلة وجذابة مثل بري.
"عابرة سبيل هائمة"، قصة تعيد الى الأذهان ماعاناه الكورد أبان حكم الطاغية في العاصمة ومدن أخرى، وليس في أماكن سكناهم على أرضهم التاريخية فحسب، هي قصة يغيب عنها الخيال فتضحى بمجملها وأحداثها قصة واقع معاش بامتياز.
هامش:
اسم الكتاب: عابرة سبيل هائمة ( قصة طويلة).
المؤلفة : كلاويز صالح فتاح.
الترجمة الى العربية : عبدالكريم شيخاني.
طبع مؤسسة حمدي للطباعة والنشر / السليمانية.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الخوف الأدرد" وكسر حواجز الخوف بين أرواح جيل

24-تشرين الأول-2009

'عابرة سبيل هائمة' لكلاويز فتاح تعكس حياة الكوردي المغامرة

30-أيار-2008

الأسى الكردي الطافح في رواية 'العالم غابة' للروائية كلاويز

17-أيار-2008

كالمساء ، كالصباح ، كالوداع*

13-نيسان-2008

نص / نهار مؤجل

18-آذار-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow