الخوف الأدرد" وكسر حواجز الخوف بين أرواح جيل
2009-10-24
"الخوف الأدرد"، هو عنوان الرواية الثانية للصديق والروائي الكردي السوري عبدالحليم يوسف، التي صدرت حديثاً في مدينة دهوك، بدعم من سلسلة منشورات مؤسسة "سما" للثقافة والفنون بإمارة دبي، وبلوحة جميلة بريشة الفنان التشكيلي النرويجي ادوارد مونييه.
رواية "الخوف الأدرد" بعموم أحداثها، وصغرى وكبرى تفاصيلها المتشعبة وتحركات شخوصها المرئيين واللامرئيين، الهامشيين والأساسين حياتياً وإفتراضياً، هي رواية تحتفي بعالم الخوف، ذلك العالم الذي سيطر ويسيطر بقوة على أروقة المكان وردحات الزمان معاً، حيث كل شئ من حولك، مخيف، مرعب، ويفضي الى الارتعاش من جميع الأبواب، وكل متحرك، في الرواية يخيف، وما ان تتوارى عن عالم الخوف ذاك، حتى يفتح الخوف أمامك آفاقاً كنت قد تجاهلته، أو تناسيته في مكان آخر، وهذه العوالم الاستثنائية، غير غريبة عن عوالم حليم يوسف الروائية والقصصية، منذ اصداره الأول، إبداعياً، مجموعته القصصية الأولى "الرجل الحامل" حيث كنا سوية زملاء في كلية الحقوق بجامعة حلب بسوريا، ومنذ صدور باكورة رواياته في العام 1999 في بيروت تحت عنوان "سوبارتو".
لا تقف رواية "الخوف الأدرد" عند محاور عديدة، بقدر ما تقف باجلال عند ظاهرة الخوف المريبة جداً، عبر شخوص ليسوا بأبطال أوليين أو أساسيين، مثل شخصيات موسى وتوتنو وكالو، وهذه الأسماء بحد ذاتها، محاكاة لواقع حال الجزيرة السورية حيث بيئة يوسف، وبيئة كتاب شغلوا الصحافة لمدة قصيرة ثم تواروا طويلاً، ولكن البعض ما زال مستمراً ومتواصلاً مع الكتابة، كوفاء واحتراف لا بد منه، بعد اشتغال طويل على الهم الانساني إبداعياً.
أن الاستناد الى ظاهرة الخوف بكليتها، وزرعها ومن ثم حصدها، سواء في العراء أو في نفوس أناس معاشين، يحيلنا الى محاولة كسر حاجز الخوف، الخوف من الاتفاقيات المبرمة سابقاً مثل اتفاقية سايكس بيكو أولا، ومن ثم الخوف من الثأر كعادة اجتماعية سيئة ثانياً، ومن ثم الخوف من رجالات الشرطة والمخابرات ثالثاً، وثم الخوف من الضمير، الضمير الانساني رابعاً وأخيراً الخوف من المجهول والمصائر والأقدار المجهولة برمتها، وهذه الحالات تحيلنا بدورها الى المراحل التاريخية التي تتوقف عندها أحداث الرواية، من حيث سرد الأحداث التي مرت بها منطقة معينة، هي منطقة الحزيرة السورية، ومن ثم الدهاليز المخيفة التي تقف حائلاً دون الوصول الى الأهداف، الأهداف الكبرى طبعاً، بواقعية مفرطة، كما ولا تخلو الراوية من روح السخرية ورسم عوالم كوميدية يستطيع الروائي عبدالحليم يوسف رسمها بسهولة ودقة متناهيين، وهو الذي له باعه في هذا المضمار، مضمار الكتابة الساخرة، لا سيما في اصداراته التي أخذت حيزاً لا بأس بها من الاهتمام والنقد من لدن الكتاب والنقاد معاً، في مدن موزعة مثل استنبول وبرلين ودمشق وحلب، لا سيما مجموعاته القصصية "الرجل الحامل" ومن ثم مجموعته "نساء الطوابق العليا" التي صدرت في بيروت في العام 1995، ومجموعته القصصية الثالثة "موتى لا ينامون" التي صدرت عن دار نشر آفستا في استانبول العام 1996، وروايته الأولى "سوبارتو" في بيروت ودمشق العام 1999، ومجموعتيه "مم بلا زين" و" عندما تعطش الأسماك" في استانبول أيضا الى نتاجه الروائي "الخوف الأدرد".
إذا استطاع الروائي حليم يوسف في روايته "سوبارتو"، اخضاع شخوص الرواية لرغبته، وامتحانهم مراراً وتكراراً عبر احداث دقيقة، ومدروسة جيداً، الى حد التشهير ببعض الأبطال في الرواية، الذين كانوا في الأساس شخوصاً واقعيين، فانه في روايته هذه "الخوف الأدرد" ترك للأقدار أن تأخذ بمصائر أولئك الشخوص، لا يتدخل شخصياً وعنوة، بل لا إرادياً في أحيان معينة، كانه مشاهد متمعن في التفاصيل، يترك للاحداث أن تسير لوحدها، دون أن يأخذ بيدها أحد، وهذا ما ميزّ روايته هذه، التي استندت بكل كلمتها وصفحاتها على واقع هو واقعه، وهو البعيد عنه، ولكن هذه الحالة لا تجعل منه مستنداً الى الذاكرة بقدر ما تأخذه نشوة الخوف هناك، بعد أن عانى الخوف، الى درجة الهرب منه، لا سيما إدركه أن لا نجاة من شباك تحصد الأحلام.
رواية "الخوف الأدرد" رواية المكان باميتاز، لأنها تدلك على المنعطفات والشوارع في مدن نألفها بكل سهولة ويسر.
النشر الورقي جريدة الاتحاد
08-أيار-2021
24-تشرين الأول-2009 | |
30-أيار-2008 | |
17-أيار-2008 | |
13-نيسان-2008 | |
18-آذار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |