وجود
2008-09-17
قبلاً كانت تسليه الديدان الصغيرة وهي تعبره في كل الأوقات وترسم فوق جسده خطوطاً وممرات, وتصنع من كتله المبعثرة جسوراً تعبرها دون ملل.
كان يقنع نفسه أن هذا الوجود لم يكن صنيع صدفة وأنه كان محكوماً بوجود تلك الديدان التي كانت تسليه وتشعره بوجوده, ولكنه حين تجرأت إحدى الدودات النشيطات على اقتحامه_ بأن دخلت أذنه بمنتهى الوقاحة_ قرر _ودون أن يفكر باحترام فضولها الأنثوي _ أن يحزم أمتعته ويرحل, وترك يومها خلفه فراغاً ربما كان كبيراً, وربما احتاجت الطبيعة يوم ذاك إلى زمن طويل حتى انتهت من ملئه.
* * *
أعجبه العيش في الشارع, ربما لأنه كان أكثر حياة ولأن الأصوات التي كانت تخترقه كانت تصل إلى دورته الدموية لتحرك في داخله جيناته الإنسانية بالوراثة.
تأقلم بسرعة مع ضجيج السيارات, ومع فكرة أن حياته كانت مرتبطة بسرعة تجنبه لكتلة السيارة التي توشك في كل مرة على أن تصدمه وينجح هو في كل مرة في تجنبها, لكنه لم يلبث أن مل اللعبة, وقرر أخيراً مغادرة الشارع حين أدرك بعد وقتٍ ليس بقصير أنه ليس من كان ينجح بتجنب السيارات, بل هي من كانت تتحاشى الاصطدام به.
* * *
على حافة الرصيف أمتعته الحياة أكثر, كان يجلس طويلاً يراقب الأقدام المتحركة وهي تخطو حوله بسرعةٍ ورشاقة, وكان كثيراً ما يعشق نجاحه في أن يكتشف شكل الحذاء _ وفي كثيرٍ من الأحيان لونه_ بمجرد أن يشعر بوقع الخطا قربه, لكنه وفي ذات غفلة أخطأ ورفع نظره للأعلى قليلاً فاكتشف أنه كان يعيش في مكان ربما هو منخفض جداً على قامة البشر.
* * *
على سور الحديقة, اقتنع أن هذا المكان هو الأمثل لوجوده, حتى أنه وفي لحظة من لحظات الصفاء رفع رأسه معاتباً الله لأنه تأخر طويلاً قبل أن يرشده إلى مكانه الصحيح, وفي ذات اللحظة التي نظر فيها للأعلى سقط فوق وجهه زرق طائر من طيور الحديقة كان يحلق بجناحيه عالياً.
* * *
الهواء, اليوم مازال يسكن الهواء, ومازالت صرخات ألمه غير مسموعة, كل الفراغات _ التي ربما كان قد تركها خلفه_ تلاشت, وهو مازال يسكن الهواء,صحيح أننا لا نستطيع رؤيته ولا الإحساس به إلا حين نتنفسه بطريق الخطأ ونختنق من وجوده, لكنه مازال يسكن الهواء.
ريم طويل /سوريا
08-أيار-2021
17-أيلول-2008 | |
07-أيار-2008 | |
21-نيسان-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |