قصة / جثة دافئة
2008-04-21
كانت تجلس في زاوية الغرفة ,تماماً قرب النافذة و قد أسندت رأسها إلى ظهر الكرسي ودموعها تنهمر بصمت ٍ مبالغ ٍ فيه .
كان السواد الذي ترتديه يتناسب مع الضوء الخافت في الغرفة ومع المطر المنهمر خارجا ً ,ويتناسب كذلك مع فراغها الداخلي ,فكانت تبدو وهي على حالتها هذه كجزء ٍ من أثاث الغرفة وضعت لتكمل التصميم الكلاسيكي الحزين لغرفة جلوس من العصور الوسطى .
"ولكن لو أنها تنهض بجلستها قليلا ً ,وتبعد رأسها عن الكرسي فتشمخ به نحو الأمام وللأعلى قليلا ً,ثم تعيد كتفيها للخلف وتمسك طرفي المقعد بقليل من الحزم .
ربما بدت حينها أكثر جمالاً منها وهي في حالتها الاستسلامية هذه."
هذا ما كان يفكر فيه وهو واقف أمام الباب يمسك معطفه المبلل ولا يزال مستعداً لتعليقه .
شعر بالارتباك حين أنه انتبه إلى أن ما كان يفكر فيه "هو شيء ليس عليه أن يفكر فيه"
وهويتأمل حبيبته تجلس قبالته باكية .
"ولكن لا ستبدو في هذا الوضع كأنها تهم بالنهوض لملاقاة شيء ٍ ما قادم ٍ من السماء ,وستكون كتلتها حينها أكبر من أن تتناسب مع بقية الكتل الموجودة في الغرفة ,أو حتى مع الزاوية التي اختارت أن تجلس فيها ...."
ربما كان عليه أن ينتبه لهذا حين وضع تصميم الغرفة وحين قام باختيار الأثاث ,وربما لم يكن عليه أن يستجيب لها بوضع كرسيها قرب النافذة .
أدارت رأسها ببطء شديد لتنظر إليه من خلا ل الدموع التي غطت وجهها .
"ربما لو أن ثوبها كان مكشوفا ً على الصدر أكثر ,ولو أنها تركت شعرها فوق كتفيها ينساب بعشوائية ,وتخلصت من حالة التشنج التي تلبسها لكانت ستبدو أكثر انسجاماً وقرباً....
ولكن لا ,فالضوء الخافت في الغرفة الذي يوحي بالكآبة والنافذة التي لا تبعث نحوها أي شعاع نور ستجعل من المشهد مليئاً بالمتناقضات وستكسر حالة الهدوء في الغرفة ...."
تأملته طويلاً قبل أن تشيح نظرها بعيداً نحو النافذة وتعود لمراقبة قطرات المطر من خلال الدموع .
"تماماً,لو أنها تميل برأسها أكثر نحو اليمين وترجعه للخلف حتى يبدو الخط المميز لرقبتها واضحاً ,ولو أنها تنزل يدها اليمنى إلى جانب الكرسي بعفوية بدلا ً من تركها متشنجة فوق الصدر ,عندها كان شكلها سيبدو أكثر وضوحاً وأكثر قرباً ,وربما أكثر جمالاً ."
كانت ابتسامته تمتد لتشمل جسده كله وهو يراقبها بهدوء ترفع رأسها للأعلى ثم أكثر لليمين ثم للخلف ...
"تماماً هكذا ..."
انتفض جسده فرحاً حين أنزلت يدها اليمنى لتتدلى إلى جانب الكرسي .
لكن الهدوء داهمه فجأة وشعر بخيبة كبيرة :"كانت تبدو أكثر انسجاماً لكنها كانت تبدو تماماً كجثة حتى أن دموعها توقفت ولم يعد صدرها يعلو ويهبط ليبث الحياة في المشهد .
كانت خيبته أكبر حين توقف المطر وانبعث نور الشمس من النافذة ليسقط فوق جسدها _قادمٌ من السماء _.
تملكه الغضب وشعر بأنه يكرهها فهي لم تعرف يوماً كيف تكون مناسبة له,استدار خارجاً وضرب الباب خلفه بعنف وبقيت هي فوق كرسيها جثة دافئة تظن أنها بهذا الشكل تناسبه .
08-أيار-2021
17-أيلول-2008 | |
07-أيار-2008 | |
21-نيسان-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |