وجوه (٢)/ قصة: إيلسا مارستون ترجمة:
صالح الرزوق
خاص ألف
2015-02-25
و الأن، على كل حال، على النقود التي تكسبها أن تغطي تكاليف إضافية. عليها أن تعمل لساعات أطول، و تبدو منهكة كلما عادت للبيت، ترمي نفسها في أحضان المقعد، و ترمي حذاء الكعب العالي، و تغلق عينيها. ثم بعد لحظات تتنهد من قلبها المكلوم، و تسحب نفسها من الكرسي، و تتوجه للمطبخ لتباشر بتهيئة العشاء.
و كما تفعل كل الأمهات، طبعا، عليها إطعام العائلة، في نهاية الأمر.
و لكن العشاء ليس طيب المذاق كالسابق. و تتكرر نفس الوجبات لمرات متتالية. و أمه على ما يبدو لا تبذل نفس الجهد بصناعة وجبات ممتازة. ربما من الصعب عليها، تجهيز طعام بعد ساعات عمل شاقة.
و بدأ سهيل بالتفكير. هل دائما يجب أن تكون الحال هكذا؟. ربما عليها أن تبحث أحيانا عن بعض التجديد.
وهكذا... ربما... يمكن لسهيل أن يطهو الغداء لها في إحدى الأمسيات!. نعم- لم لا؟. سيكون جاهزا حينما تعود للبيت، و لا يتوجب عليها طبخ أي شيء. ماذا عن ليلة يوم الجمعة؟. طبعا، هذه مفاجأة ستباغتها. و يمكنها أن ترتاح و تكون سعيدة. و ستختفي خطوط الإرهاق من وجهها، و ستبتسم له.
في صباح اليوم التالي، كانت الفكرة لا تزال تبدو جيدة. الجمعة... هذا سيوفر له خمسة أيام ليكون جاهزا. و ربما سيتمكن من أن يحسن أداءه في البيت، أيضا. سيبذل اهتماما أفضل، و لن يشكوا منه معلمه... هذا المعلم الغبي الذي يشبه التين المجفف. التعليم كأنه ثمرة تين أيضا. على أية حال، سيبذل سهيل كل جهده لأنه لن يتمكن من تحمل فكرة نظرات أمه لو عاد إلى البيت مع علامات سيئة.
بعد تناول طعام الإفطار، أسرع سهيل إلى موقف الحافلة. وحينما وصلت الحافلة في النهاية، لم تكن مزدحمة، و تمكن من دس نفسه إلى مقعد يمكنه منه تقليب النظر في الناس المجاورين له.
تذكر قناع وجه والده في الضوء الملون في الحمام، و الابتسامة الجذابة لوجه هدى الجميلة، و بدأ يتساءل حول هذه الوجوه التي تحيط به. بنية، محمرة، شاحبة، بعضها ناعم و جميل مثل المشمش، و بعضها متجعد مثل التمر الجاف... مختلفة فيما بينها. و لكنها ربما جميعا تخفي قصصا وراءها أيضا.
ذلك الرجل البدين بعينين نصف مغلقتين و خدين ممتلئين - هل يأكل أيضا كثيرا بنهم، أم أن الطعام هو الشيء الوحيد الذي يستمتع به في الحياة؟. و تلك المرأة الشابة، التي لها عينان تختلسان النظر دائما من جانب لآخر... ماذا تخاف من رؤيته؟. ربما كل هذه الوجوه تخفي الحقيقة، أشياء لا تريد من الناس الآخرين أن يعرفوا بها. أراهن أن كل وجه لديه شيء من ذلك. وجهي كذلك.
في المدرسة مر اليوم بسرعة، و فورا. الرياضيات كانت بسيطة. و انتهى سهيل من وظيفته و قرر أن يكتب، على زاوية الدفتر، تفاصيل غداء يوم الجمعة. حمص و سباغيتي و سلطة و فاكهة. و سيكون بين يدي أمه شيء ما، و لن يتوجب عليه شراء كل شيء. و بالنسبة للسلطة و التفاح سيشتريها من النقود التي حصل عليها من والده.
توجد ميزة واحدة لو أن والدك يتخذ إجراءات الطلاق- في هذه الحالة والدك يهبك النقود، و يحاول أن يرضيك!.
يعود للغداء. حمص... هذا يحتاج لبعض التحضيرات. عليك سلق الحمص الجاف و طحنه ثم مزجه باللوازم. و يجب استعمال المقادير المناسبة. و إلا لن يكون طيب المذاق. في نهاية حياته العائلية، قبل أن يغادر والده، تذكر سهيل، كم كان يتذمر من تحضير الوالدة للحمص، مع أنه كان يحبه سابقا.
في الإجازة، بينما الطلاب يتململون في باحة المدرسة الصغيرة و يلتهمون الوجبات الخفيفة الجاهزة، أثنى سهيل على شطيرة اللحمة التي مع صديقه رئيف. دائما مع رئيف طعام جيد. و لا بد أن أمه طاهية ممتازة، فكر سهيل بصمت، و هذا أوحى له بفكرة.
" هل ستعلمني والدتك كيفية تحضير الحمص؟".
" تحضير الحمص؟ لماذا، لماذا تريد ذلك؟".
" حسنا.. خطر لي...". هل يجب أن أبوح له بنيتي؟ أعتقد يجب أن أفعل.
"حسنا. كما ترى. سأوضب الغداء لوالدتي".
و انفجر رئيف من الضحك و قال:" أنت ستطبخ الغداء؟ ستحرق كل المطبخ!".
" كلا لن أفعل- بمقدور أي كان أن يطبخ. أنت فقط... طبعا يجب أن تتعلم كيف".
وأدلى صديقه بملاحظات أعمق، و تحملها سهيل بصبر، و في النهاية وافق رئيف بقوله:" حسنا، رافقني إلى البيت. ستكون أمي هناك. و ستخبرك كيف تجهز الحمص. لكن عدني أن لا تفجر مطبخ بيتنا".
أحيانا كان يدهش سهيل أنه من بين كل الأولاد في المدرسة، يشعر بالصداقة تجاه رئيف، مع أنه من الأقلية المسيحية. و ماذا في ذلك؟ رئيف طيب المعشر. و يحب الضحك و المداعبة، و هو ليس سيء النية.
و حينما وصلا إلى بناية بيت رئيف، انتابت سهيل الدهشة مجددا. كانت عائلة رئيف تعيش في شقة أصغر من بيت سهيل، و هي في حارة متواضعة، و ترى النفايات على السلالم و تشاهد الرسوم القذرة. كان يسمع أن أصحاب المحال المسيحيين هم من الأثرياء. و لكن بمجرد ظهور أم رئيف، لم يجد سهيل وقتا للتفكير. كانت امرأة كبيرة و صاخبة بوجه محدد و يعلوه شعر أجعد، و مباشرة قادت الولدين للمطبخ و قدمت لهما كعك الزبيب. و حينما أخبرها رئيف ماذا يريد سهيل، انفجرت بالقهقهة.
قالت أخيرا:" حسنا، يا صغيري. أول شيء تحتاج إليه فتاحة علب قوية. أحضر علبتين من الحمص من البقالية. و ستوضب أمك ما يكفي من الثوم-".
و لكن توقف سهيل عن الإصغاء. حمص معلب!. لا يزال يسمع صوت والده، و هو حانق من حمص الوالدة لأنه حمص المعلبات. قال لها:" كلا. أفضل الطريقة الأخرى، من الحمص المجفف".
و عبست والدة رئيف و قالت:" و لكن هذا يحتاج لوقت، و مجهود، النقع و السلق. حسنا، لو هذا ما تريد، استمع جيدا إذا".
يتبع.....