كتاب: الخلاص أم الخراب؟.. سوريا على مفترق طرق
خاص ألف
2015-03-17
ينطلقُ الكتاب من سؤالٍ عابرٍ يطرحه ياسين الحاج صالح: كيف يمكن للثورةِ السوريَّة تجنّب الوقوع في براثن نظامٍ قمعيٍّ شموليٍّ جديد؟
كتابٌ تخيّليٌّ، إلى درجةٍ معيَّنةٍ، من خلال الاقتراحات المقدَّمَة في المُحتوى. يتناول الوضع السوريّ القائِم من خلال أوراقٍ بحثيةٍ كتبها معارضونَ خمسةٌ أمضوا جلَّ حياتهم في سجون النظام السوريّ. جاءَ الكتاب بحِرَفيَّةٍ كتابيَّةٍ سياسيَّةٍ عاليةٍ، ولكنها تنزلقُ نحوَ التخيُّل -إن جازَ التعبير- في أغلب الأحيان، وذلكَ من خلال الحلول المُقترحَة. ففي الورقةِ الأولى يكتب (أحمد حسّو)، وهو إعلاميٌّ سوريٌّ معارضٌ يقيم في ألمانيا، بحثاً تفصيليَّاً جاءَ تحت عنوان:"الثورة السوريَّة، هل يمكن تجنّب انزلاق سوريا إلى نظامٍ شموليٍّ متطرَّف؟". عبر هذه الورقة يناقش حسّو مقدرات النظام السوريّ، المتمثل ببشار الأسد وأجهزته الأمنية، واختلاف الثورة السوريَّة عن مثيلاتها في اليمن ومصر وليبيا، وكيف أنَّ لهذه الثورة خصوصيةً تمثَّلَت في كلام الممانعة ومحور المقاومة الذي تمثِّله سوريا كدولةٍ متمحورة حول شخصية الأسد الابن وقبله شخصية الأسد الأب. كما أن الجيش السوريّ يختلف؛ هذا الجيش الذي لا يمكن نعتهُ بالجيش الوطنيّ الذي يمكن أن يقف إلى جانب الشعب وليسَ الحاكم، كما هوَ الحال في مصر. فبنية جيشٍ مثل الجيش العربيّ السوريّ بنيةٌ تربَّت، خلال عقودٍ طويلةٍ، على الولاء لشخص الأسد وللعائلة الأسديَّة، بالإضافة إلى الولاء الأعمى لكلام المقاومة الذي يترك أثره في نفوس أفراد الجيش العربيّ السوريّ. كما يتحدث حسّو، في فقرة من فقرات البحث، التي قُسِّمَت إلى مفاصل رئيسيَّةٍ، عن النظام وشيطنة الثورة السوريَّة، وتبيان أحوال اختلافها عن شبيهاتها العربيَّة لأسبابٍ متعددةٍ لعلّ أهمَّها التنوّع الهائل في التركيبة السكانيَّة من ناحية الطوائف الموجودة على الجغرافيا السوريَّة. ولعلّ الاختلاف الأبرز، وفقَ ما يراه الكاتب، هو التعقيد الأمنيّ المتمثل بالأجهزة الأمنيَّة والفروع الصغيرة التابعة لها في كافة المحافظات السوريَّة، والمتغلغلة في عمق المجتمع السوريّ، بالإضافة إلى قيادة الطائفة العلويَّة لكلّ تلك الفروع الأمنية. وليس غريباً، والحال هذه، أن قام الأسد الأب بتوزيع الحصص الأكبر من الألوية والفرق التابعة لقيادات الجيش على العلويين، في الوقت الذي جعل فيه السنَّة (الضبَّاط السنَّة) مجرَّد دمىً تتحرَّكُ بفعل أوامر القيادات العليا للأجهزة الأمنيَّة العلويَّة. كما يفرد حسّو مساحةً للحديث عن استماتة النظام واستنفاره واستخدامه كلّ الأسلحة في سبيل منع دخول المتظاهرين إلى ساحات دمشق المعروفة، كالأمويين، منعاً لتشكّل ميدانِ تحريرٍ على غرار ما حصل في مصر، كي لا يتمكّن الشعب السوريّ المحتجّ سلميَّاً من أن يصنعَ لنفسه قاعدةً عالميَّةً مُتعاطِفَة. ومن ثمّ محاولة التبيان للرأي العامّ العالميّ أنَّ هؤلاء ليسوا إلَّا غوغاء. فواجه المتظاهرينَ بقوَّة الحديد والنار دونما هوادةٍ أو رحمة. كما يتطرَّق البحث إلى ما يشبه التأريخ لبدء تشكُّل القوى السياسيَّة والتنسيقيَّات الشبابيَّة، وعلى الأخصّ في المناطق ذات الأغلبية الكرديَّة، وتأسيس المجلس الوطنيّ السوريّ، الذي ضمّ قوىً سياسيَّةً سوريَّةً متعدِّدة. كما يتحدَّثُ عن فشل الجيش السوريّ الحرّ في تشكيل قوّةٍ موازيةٍ لقوّة الجيش العربيّ السوريّ، وانعدام وجود قادةٍ للثورة، مّما جعلها غامضةً وضبابيَّةً، وإمكانية النجاح فيها غير معروفة.
أما في الورقة البحثية الثانية، التي جاءت تحت عنوان: "الثورة السوريَّة والمخاض الديمقراطيّ العسير"، وهو من كتابة أكرم البنيّ، فثمّة حديثٌ، عبر سردٍ كثيفٍ، عن معاناة السوريين، وكيف تحوَّلت ثورتهم إلى نزوحٍ وتشرُّدٍ بين أصقاع الأرض، وما حصل من انقساماتٍ ضمن المجتمع السوريّ خلال هذه الثورة التي لا زالت مستمرَّةً، ولا أحد يعلم مدى خطورة أو ازدياد هذا الانقسام مع تزايد العنف. طبعاً هذا كلّه ببساطةٍ بسبب قسوة واستبداد النظام السوريّ، إضافةً إلى اعتقالات الناشطين، واستغلال التعددية الطائفيَّة في زرع الفتنة من خلال ضخّ الانقسام الطائفيّ ونسيان الثورة، ثمّ تحوّلها من ثورةٍ سلميةٍ إلى ثورةٍ مطالِبةٍ بتدخّلٍ عسكريٍّ، وإضعاف قيمة خطوات الحل السياسيّ الذي باتَ معقَّداً. كما يركِّز البنّيّ على أهمية العمل المدنيّ وأولويّته في حلّ المُعضلَةِ السوريَّة، والاعتماد على السلميَّة عوضاً عن الحلول العسكريَّة التي تتّسم بالعنف، وما تتضمّنه هكذا حلول من تكلفةٍ بشريَّةٍ وماديَّةٍ باهظةٍ، واضعاً اللوم على المعارضة السوريَّة التي لم ترتقِ إلى مستوى الصعوبات والتحديَّات التي تواجهها ضدّ خطط النظام السوريّ وحلفائه. ويرى أنّ الواجب الذي لا بدّ للمعارضة أن تحققه تجاه الشعب السوريّ هو إعادة الثقة عبر إطلاق المبادرات لـ"تمكين الحراك الشعبيّ ودعم صموده وتغذيته بالخبرات السياسيَّة والمعرفيَّة". ولكي لا تنزلق الثورة السوريَّة نحو استبدادٍ آخرَ جديدٍ يجب أن تسعى لوضع تعريفٍ جليٍّ ومشتركٍ لمفهوم الدولة المدنيَّة وطمأنة الأقليَّات بغرض جرّها إلى صفوف الثورة، عبر تقديمِ مجموعةٍ من الحلول المقترَحَة لتنفيذها بعد زوال الاستبداد.
أمَّا في مبحث ياسين الحاج صالح، والمعنوَن:"في مسارات الثورة السوريَّة ومصائرها على أعتاب عامين ونصف العام من انطلاقها"، فيعالج الحاج صالح خطوطاً تمنع من وقوع الثورة السورية مرّةً ثانيةً بين براثنِ قمعٍ جديدٍ أعتى من قمع النظام، ولكن عبر تلخيصٍ محكَمٍ مَفَادُهُ: الكيانُ ينهار. النظامُ يستمرّ. الثورة تتعثّر. مشيراً إلى أربعةِ تحوّلاتٍ مهمةٍ لعلّ أبرزها المفعول التراكميّ للعنف المهوّل الذي سوف تُبان نتائجهُ على المنظور البعيد، مستذكراً القصف المستمرّ من قِبَل النظام بصواريخ سكود على مختلف المناطق السورية الثائرة، بالإضافة إلى أرقامٍ مخيفةٍ للمعتقلين السياسيين لدى النظام. ومن ثمّ مختتماً نظرته بسؤال: في أيَّة اتجاهاتٍ يحتمَل للوضع السوريّ أن يتطوَّر اليوم؟
كما يكتب أنور البنيّ مبحثاً بعنوان:"الثورة السوريَّة واحتمالات عودة الديكتاتوريَّة". وهيَ مناقشةٌ بطريقةٍ تسلسليَّةٍ لحال السوريين قبل اندلاع الثورة، والتراكم العميق للقهر السياسيّ عبر عقودٍ طويلةٍ، إضافَةً إلى الضغط الاقتصاديّ الهائل المُمارَس ضدّ المواطن السوريّ الذي كان في تدهورٍ مستمرٍّ، وارتفاع معدّلات البطالة في كلّ المجالات، والحظر الإعلاميّ المُمارَس، والضغط على الأقليَّات عبر محوها، كما هو الحال مع الأكراد في عموم سوريا، من تعريبٍ لقراهم ونقلٍ وتهجيرٍ وهضمٍ لحقوقهم. مسهباً في الحديث عن نشوء الديكتاتوريَّات، إسقاطاً على الحالة السوريَّة. كما يُعنوِن فقرةً: كيفَ نمنع نشوء الديكتاتوريَّة؟ وذلك من خلال ركائز يقترحها؛ وهي ركائز يستند عليها أيّ نظامٍ شموليٍّ للتحوّل إلى مرحلة الديكتاتوريَّة. كما يقترح، ضمن فقرة: كيف نبني سوريا دون الخوف من ديكتاتوريَّة جديدة؟، التركيز على البنية القانونيَّة التي هي بمثابة الأرضيَّة الأساسيَّة لمنع نشوء الديكتاتوريَّات. تلكَ الأرضيَّة التي تمثِّلُ ضميرَ المجتمع والحامية لحقوق الأفراد عامَّةً. كما يقدّم الكاتب قيماً توافقيَّةً عليا، ويعني بها تلك القواعد المؤسِّسَة للدستور والقوانين.
أما المبحث الأخير من الكتاب فقد جاءَ بعنوان:"خطّة التحوّل الديمقراطيّ في سوريا"، وهو من كتابة رضوان زيادة. وهذا المبحث هو الخلاصة التنفيذيَّة والتوصيات النهائيَّة لمشروع خطَّة التحوّل الديمقراطيّ في سوريا، الذي هو رؤيةٌ نهائيَّةٌ متّفقٌ عليها بينَ أطرافٍ عديدةٍ للنظر إلى فترةٍ انتقاليَّةٍ في سوريا ما بعد الأسد. بالإضافة إلى كلامٍ عن مجازر قوَّات النظام السوريّ ضدّ المدنيين، والحديث عن حلولٍ طوباويَّة أغلب الأحيان، بالنسبة إلى المجتمع السوريّ على الأقلّ!! سياسيَّاً واقتصاديَّاً، من خلال تقديم رؤىً لمفاهيم وعباراتٍ من مثل: العدالة الانتقاليَّة، وترسيخ مبدأ المصالحة الوطنيَّة.
كما يضمّ الكتاب ملحقاً توثيقيَّاً لأبرز البيانات الصادرة عن معظم القوى السياسيَّة السوريَّة المُعارِضة، ضمن تأريخٍ زمنيٍّ موثَّق.
__________________________________________
الكتاب: الخلاص أم الخراب؟ سوريا على مفترق طرق
مجموعةٌ من المؤلّفين
سلسلة قضايا الإصلاح. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2021 | |
29-أيلول-2018 | |
17-حزيران-2017 | |
17-آذار-2015 | |
18-أيار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |