وجوه (٤) / قصة: إيلسا مارستون ترجمة:
خاص ألف
2015-03-18
وضع سهيل طبق الحمص و السلطة و السباغيتي أمام والدته، فاتسعت عيناها. و لم تنبس ببنت شفة. ربما لأنها مرهقة، هكذا فكر. و لكن حينما نظر عن قرب لكومة الحمص، و السباغيتي التي التصقت ببعضها، و الخضار الجريحة المفرومة، شعر بالإنزعاج.
وأخيرا قالت كأنها لا تصدق نفسها:" هل طبخت كل هذا؟".
" نعم كل ذلك. و سلقت الحمص، بالأسلوب الذي بابا.. الأسلوب الذي اعتدت عليه".
" حسنا، ذلك... رائع يا سهيل!. دعنا نجرب طعمه".
وحينما باشرا بالطعام، أخبر سهيل والدته عن درس الحمص و كعك الزبيب في بيت رئيف ثم عن التسوق. سمعت له و وجهت له بعض الأسئلة. ثم تذوقت شيئا من كل شيء.
قالت:" السلطة جيدة جدا. ممتازة. و السباغيتي طيبة، و لكنك تركتها على النار أكثر مما يجب".
وبعد قليل نفد الكلام. و فهم سهيل أن والدته أحبت الطعام، و لكن لم يكن بوسعه أن يؤكد. راقب وجهها عن مقربة، و لاحظ تبدلا في التعابير- و من غير ابتسامة.
وبعد أن شبعت وقفت و قالت:" كان هذا لذيذا يا سهيل. شكرا يا حبيبي، شكرا جزيلا. و الآن من الأفضل أن أعود للمطبخ".
والآن لم يكن أمامه وسيلة ليمنعها من الدخول. فتحت الباب، و تبعها، جاهزا للشرح و التوضيح. و حينا شاهد المطبخ كما تراه والدته، اعتصر النفور معدته. برك من الماء الحار- فوق نفايات على الموقد، و طوفان على الأرض، و جبنة مفرومة و سباغيتي منثورة هنا و هناك، و مستنقع من الزيت حيث اندلقت الزجاجة، و أكوام من الأطباق و أواني القلي و القدور....
وتناهى إليه صوت شخير والدته الخافت، و بدأ فمها يرتعش. و استولى الذعر على سهيل.
لم يكن من المفترض أن تتطور الأمور إلى هذه الحالة- كان من المفروض أن تسير بيسر و سهولة!. هل فشلت مجددا؟.
وبرز في ذهن سهيل الوجه المفترض للمسيح الرسول بما له من قسمات حزينة.
ولكنه تجاهل المسألة. كلا. لم يكن مستعدا لتقبل ما يرى. ليس الآن. دفع أمه من المطبخ. و لحسن الحظ لم تقاومه. كما لو أنها لا تريد سوى ذلك، و تهالكت على الكنبة الموجودة في غرفة الجلوس.
فوعدها بقوله:" سأنظف كل شيء. و لا يجب أن تتعبي نفسك. الغداء لم ينته بعد. هناك شيء إضافي. عليك- عليك أن ترتاحي فقط. و لا تقلقي".
ثم عاد إلى المطبخ الفظيع، و جهز الماء ليغليه من أجل الشاي، و وضب إبريق الشاي. و تساقط الشاي على الأرض و لكن ليس بوفرة. ثم حضر طبقا من الحلويات حصل عليه من الدكان، حيث أنفق آخر نقوده. و حمل الحلوى و كوب الشاي الحار، بعد أن أضاف له السكر، و اقترب من والدته.
فشربت الشاي و التهمت قطعتين من الحلوى. و جلس سهيل على وسادة منخفضة قرب قدمي والدته، يراقبها، و استطاع أن يلاحظ كيف تسترخي و ترتاح قليلا.
وأخيرا تكلمت. " لماذا أردت تحضير هذا الغداء الطيب لنا يا سهيل؟. هل لـ ، لتجرب أم ليكون عندك شيء تلهو به بعد المدرسة؟. بمقدوري أن أريك كيف-".
" كلا يا ماما، كلا".
" لماذا إذا-".
" فعلت ذلك لأتيح لك فرصة الراحة بعد العودة من المدرسة و تنعمي بالسعادة لبعض الوقت. وآسف لأنني تسببت بفوضى في المطبخ".
لم ترد أمه فورا. و نظرت للأسفل فقط نحو الفوطة الورقية الصغيرة الممدودة على حضنها و عليها فتافيت الكعكة المحلاة، و كان فمها يبدو كأنها التهمت شيئا مرا.خاف سهيل أن تعنفه.. و ليس لديه ما يلومها لو فعلت.
فقد كان المطبخ بحالة يرثى لها.
وما أن نظر إلى وجهها، بتجاعيده و خشونته، و أحزانه، شعر بشيء يتغلب عليه. هل هذه هي أمي حقا؟. لا يمكن ذلك!. شخص مختلف احتل مكانها، شخص لا أعرفه أبدا. و فطرت الفكرة قلبه. و في النهاية تكلمت و اقتربت منه و توجب عليه أن يستمع لصوتها و هي تقول:" سأتذكر هذا دائما يا سهيل. أنك طهوت غداء شهيا و لأجلي. كم أنا سعيدة و مسرورة لأنك برفقتي خلال هذه السنوات".
لقد سمعها حقا؟. نعم، كانت تنظر إليه، و مع أن عينيها احمرتا، كانت تبتسم. كانت ابتسامة خجولة على نحو غريب، ابتسامة خجولة و مرتجفة. و لكنها ابتسامة في النهاية- و كان عليه أن يصدق ما يرى.
قال سهيل:" سأتذكر أيضا يا ماما، و سأتذكر دائما كم أنت جميلة".
واقترب بالوسادة منها حتى يتمكن من أن يميل عليها. و حينما طوقته بذراعيها، أراح وجهه على ركبتها. يعلم أنه تقدم بالعمر، و لا يمكنه أن يتصرف بهذه الطريقة الصبيانية.. و لكن ربما لن تسنح له فرصة أخرى ليفعل ذلك.
تمت..
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |