أنا وظلي .. يوميات ثائر سوري
سحبان السواح
2015-04-18
لم أخرج من البيت لثلاثة أيام متتالية، لم يزرني أحد خلالها، شعرت بوحدة لا تطاق، لدي رغبة عارمة في في التحدث مع أحد، رفعت سماعة الهاتف، مازالت الحرارة مفقودة فيه. رجعت إلى الموبايل لم أجد فيه حرارة أيضا. عزوت ذلك إلى العاصفة الثلجية، ولمت نفسي لأنني لم أغامر وأخرج من البيت لزيارة أحد الأصدقاء. الوحدة قاتلة والكهرباء مقطوعة منذ بداية العاصفة الثلجية غير المسبوقة في المنطقة منذ عديد من السنوات. أصوات القصف تتوالى، من جميع الجهات تشعر أن قذيفة ستقصد بيتك لتدمره فوق رأسك. ما عدت مهتما، تساوت الحياة بل الرغبة بالحياة مع الموت أو الرغبة به.. فقدت الإحساس ، والذي يفقد الإحساس لا يهمه إن عاش أو مات، وبما أنني وحيد لازوجة ولا أطفال لا أهل، لا أحد أحزن عليه حين يموت فلينته العالم هذه اللحظة ليس يعنيني الموت، كما لا تعنيني الحياة.
ربما لو كنت ما زلت ناشطا، ومازلت أنقل الذخيرة والمؤن في حال وجودها إلى من يستحقها، كان همني أن أظل على قيد الحياة، وربما عانيت هذا الشيء الذي يسمونه الخوف، ولكن بعد سنة من الاعتقال، وبعد أن تكاثرت على الأمراض نتيجة الظروف المرعبة التي عشتها في المعتقل، تساوت عندي الرغبة في الموت كما الرغبة في الحياة.
أشعر بجفاف في حلقي، صوت دوي هائل كأنه على سطح البيت، تابعت سيري غير آبه به فما دادم السقف لم ينهر فوق رأسي، فما زلت بخير. ربما سقط على بيت جاري الشبيح الذي ينظر إلي عابسا كلما رآني ويتمتم – يريدني أن أسمع: "أيها الخائن!" لماذا أكون خائنا؟ لماذا لا يكون هو الخائن؟ بل بالتأكيد هو الخائن والقاتل. ضبط نفسي مبتهجا بأن البيت سقط على بيت جاري. غضبت، لأنه لا أحد يستحق الموت والاعتقال بسبب آرائه السياسية، هو يرى ما يراه صوابا، مثلي تماما. وبالتالي نحن متساوين في الرغبة في الحياة، وبما أنني ما عدت راغبا فيها فأنا أستحق الموت أكثر منه.
توجهت نحو المطبخ، مرارة في حلقي ارتأيت أن كاسا من الشاي سوف يساعدني على التخلص من تلك المرارة.. اكتشفت أن الشمعة التي وضعتها في المطبخ منطفئة، وأنني أحتاج إلى شمعة جديدة.. وكي لا أبحث عن شمعة جديدة في هذه العتمة قررت أن أتخلى عن كأس الماء وأن أحتقظ بالمرارة في فمي فهي تجعلني أشعر أنني مازلت حيا.
عدت إلى مكاني .. الشمعة التي تنير الغرفة بدأت تذوي وتخبو شيئا فشيئا، أسرعت وأشعلت شمعة أخرى على طاولة تنتصب خلف الكنبة التي أجلس عليها. أشعلتها وجلست على الكتبة. على الجدار الأبيض المتسخ أطل ظلي أمامي جالسا متربع الساقين. نظرت إلى نفسي، إلى ساقيي، هما متدليان على الأرض.. هذا ليس ظلي إذا. هل تسلل جاري ليقتلني في هذه الظلمة؟ ولكن لماذا يجلس متربعا إذا كان هو جاري وقد جاء لقتلي؟ الظل كان يجلس متربعا أمامي تماما بلا ملامح. ويبدو أن ظلي شعر بحيرتي وسمعت صوتا يقول:
ـ لا تحتر أنا هو ظلك ولكني تحررت منك. صرت أتصرف على هواي. ما عدت تابعا لك فقط أن أكون حيث تكون.
لم أكن مذعورا، ولا مستغربا ولكني سألت:
ـ ولكن لماذا ؟؟ لماذا انفصلت عني
قال بلهجة ساخرة
ـ ماعدت أن أكون ظلا لنكرة.. أنت نكرة.. وماعاد أحد يهتم بك منذ أن تخليت عن الثوار، فريق العمل الذي تعمل معه والتزمت بيتك بجبن. منذ تخلت عن الثورة ورفضت المتابعة في العمل.. أنت لم تعد موجودا، أنت ميت متنقل.
شعرت بالغضب، وابتلعت الإهانة. قلت:
ـ هم لم يسجنوا لم يعذبوا.. لم يهانوا..
قال:
ـ أعتقد أنه كان عليك أن تعمل حسابا لهذا اليوم، ليوم تعتقل به. كان عليك أن تتحمل أكثر وأن تصبر أكثر، ما فعلوه بك أقل بكثير مما فعلوه بغيرك لأنك تطوعت بتقديم كامل المعلومات لهم عن المجموعة التي كنت تعمل معها. حتى دون أن يسألوك.
ـ ليس صحيحا .. ليس صحيحا أنت تكذب. مرت بي لحظات كدت أفقد حياتي تحت التعذيب .. كيف تتهمني مثل هذا الاتهام؟؟
ـ قدرتهم على التعذيب كبيرة، هم وحوش في هيئة الانسان، وما فعلوه بك قليل.. بدوت حزينا جدا.. صرت شرسا.. غاضبا ما عدت أريد أن أراه أمامي أردت الوقوف ولكني وقعت أرضا.. تذكرت.. تذكرت فجأة أنني بلا ساقين .. فقدت ساقيي تحت التعذيب... بحثت عن كرسيي المتحرك.. اكتشفت أنني أجلس عليه.. أسرعت نحو الشمعة وأطفأتها نظرت نحو الحائط كان ظلي قد أختفى ..
في هذه اللحظة جاءت الكهرباء.. فاسرعت إلى كمبيوتري فتحت الفيس بوك وكتبت:
"صباح الخير.. ما زلت على قيد الحياة.. ما زلت على قيد العذاب. هل من أحد يساعدني على إنهاء حياتي."
انتظر طويلا دون أن يجيبه أحدهم
ـ لا تستحق حتى هذه الرحمة.. أيها الواشي.