لورنس و موضوعة الجنوسة في عصرنا / ساناتان بوال ترجمة:
صالح الرزوق
خاص ألف
2015-06-20
الجنوسة كما يعرّفها بيتير بروكير في "دليل النظرية الثقافية" هي "مصطلح يدل على البنية الاجتماعية و الثقافية و التاريخية للفروقات في الجنس"(١١٠). و أنصار الأنوثة منذ ١٩٦٠ و حتى السبعينيات أكدوا على التمايز بين " جنس" بيولوجي و "جنوسة" ذات تركيب اجتماعي. لقد أكدوا أن الجنوسة تعمل بشكل جهاز له وظائف مرتبة هرميا ضمن مجتمع من الرجال و النساء. الرجال مقيدون بجو العمل، و الرياضة، و الصراع البدني. لكن الجو العام الذي يحتضن النساء له علاقة بجو البيت حيث تلعبن دورين توأمين كأم و كموضوع تنصب عليه رغبة الذكر. هذا الترتيب الهرمي لدور الرجل و المرأة يتألف من " شبكة علاقات متغايرة جنسيا" و تعمل ضمن فضاء الثقافة البطريركية. لكن أنصار الأنوثة في السبعينيات و ما بعد تحدوا و رفضوا هذه الطريقة في أسطرة "طبيعة" المرأة و صاغوا نظرياتهم الخاصة بهم عن الجنوسة. توفي لورنس عام ١٩٣٠، قبل فترة طويلة من ظهور هذه النظريات الجديدة عن الجنوسة. و إنه من مسافة تاريخية بهذا الحجم، قد أظهر وعيه و انتباهه لأساسيات دراسات الجنوسة المعاصر كما هي عليه اليوم تقريبا.
ومفهوم لورنس عن الجنوسة بالإضافة لمفهوم فرويد و لاكان يبدو أقل وضوحا لو قارنته مع نظرية علاقات الموضوعات الأنوثية التي تكلمت عنها ميلان كلاين و نانسي شوردرو أو بطلر و غيرها ممن أكدوا على تركيبية الجنوسة.
فمفهوم لورنس هو شيء له صفة الحدوث. و هو كمي و نوعي ( له مقدار و وظيفة). و " سيولة" الجنوسة في مشروع لورنس يفتح مجالا عريضا للتأمل و الدراسة. بالنسبة لفرويد، إن الطفل "المنحرف و المتحول" في الجنسين، و الذي لديه ليبيدو لم يصل لتشكيل البنية، يكون متوحدا مع أمه. فالطفل يدخل الفضاء الجنوسي حينما يفصل نفسه عن أمه، و النتيجة تكون تشكيل الرغبة الجنسية.
و برأي فرويد، الطفل المذكر يشكل أنا أعلى صارم و قوي بواسطة قمع رغبته تجاه أمه. هذا الأنا الأعلى هو الذي يسهل له التواصل السهل مع الثقافة. و لكن البنت تسير على مسار آخر. في البداية تتماهى مع أمها و دوافعها تركز على " البظر"، و هو بديل ينوب عن القضيب. ولاحقا تطور كراهية للذات مع احتقار للأم حينما تكتشف أنها بلا قضيب. و تحمل عقدة الغيرة من القضيب و تستعيض عن المنطقة الإيروتيكية للبظر بمهبل الأنثى. و هكذا تتحول من السعادة الجنسية إلى التكاثر. برأي فرويد، النساء لا تعانين من قلق الخصاء الذي يعمل على تهذيب الأنا الأعلى و عليه تكون مساهماتهن في الثقافة محدودة.
و إن إصرار فرويد البيولوجي المنشأ قد لاقى التحدي من أنصار الانوثة و من لورنس. مع أن لورنس نظر إلى الرجال و النساء بمنظار التقابل الذي لا مهرب منه فيما يتعلق بالجنس، فإن مفهومه للجنوسة رفض التفسير الحازم للفرويدية. عند فرويد، الجنوسة تتركب و هي جاهزة و لا يطرأ عليها تبدل. و لكن عند لورنس، هي أقرب ما تكون إلى وظيفة أو دور من أن تكون " معطى" لا مفر منه ( قدر جاهز).
كان فرويد يتعاطى مع الجنوسة على أنها هوية ثابتة. و لكن لورنس يعارض هذه المقاربة، و يبدل من آرائه بشكل مستمر كلما انتقل من جنوسة إلى غيرها. فهو لم يتوقف أمام انفصال الطفل عن أمه ليصبح بعد ذلك ذكرا/ أنثى له جنوسة في مجتمع بطريركي. و عوضا عن ذلك، أشار إلى تسرّب الفضاءات التي تنغلق على محتوياتها السائلة بين الذكور و الإناث.
وعند لورنس، الطفل يولد و له جنسه، و يصل إلى الذكورة أو الأنوثة بعد البلوغ و يتلقى معايير الجنوسة من الثقافة التي يعيش هو/ هي فيها. و لكن في مشروع لورنس، الجنوسة وظيفية و ليست هوية ثابتة. و في نقده الموجه إلى الثقافة، كان ضد كل الظواهر الثابتة، و ظاهرة الجنوسة ليست استثناء. في فانتازيا اللاشعور، يناقش مشكلة معايير جسد الرجل، و يقول:" ليس هناك شيء يمكن أن يكون ظاهرة. ظاهرة حية. الظاهرة مجرد تجريد، و ليس حقيقة"(٤٧). و هذا المعنى يمكن تطبيقه أيضا على مفهومه عن الجنوسة، فهو يقول في نفس الصفحة و على وجه التأكيد:
"بعض الرجال يجب أن يكونوا روحانيين، و بعضهم يجب أن يكونوا من جانب الحواس. بعضهم يحب أن يكونوا عاطفيين، و بعضهم يجب أن يكونوا متباهين. و ليست لدينا الرغبة لنقول ماذا يجب على الرجل أن يكون. و لكن نفضل أن نقول أن هناك كل أنواع الكينونات، إنما ليس هناك شيء هو الكمال البشري" (٤٧).
إن غموض لورنس حيال الذكورة واضح. في مكان آخر من " النساء المسترجلات و الرجال المخنثون" يؤكد لورنس حقيقة أن الرجال بعكس فطرة "طبيعتهم"، أصبحوا " عاطفيين"، و انفصلوا عن "دورهم" الذي يجب أن تلعبه النسوة اللواتي أصبحن " ديكة". و في العبارة المقتبسة من كتابه "فانتازيا..." يتكلم لورنس عن إمكانية أن يصبح الرجال " متعاطفين" ( بمعنى رحمانيين- من الرحم) و ذلك في حالات فردية. و لكن الأكثر أهمية لنا هو فكرة أنه " هناك كل أنواع الأساليب و الطرق لتحقيق الكينونة". هذه التبدلات في المفاهيم عن الجنوسة هي الافتراض الأساسي الذي يتشارك فيه و يعرفه كل منظرو الجنوسة من أنصار المرأة.
ساناتان بوال Sanatan Bhowal: أستاذ مساعد في الأدب الإنكليزي في كلية نساء البنغال في الهند.
الترجمة عن مجلة دراسات في لورنس الفرنسيةÉtudes Lawrenciennes، عدد ٤٥، ٢٠١٤. ص ص 141-160.