مرثيّة القمر الأخير
2008-06-01
هــناك.
هـــناك بعيدا، عند أسفل جبل الكلس المحروق.
كان الذّئب الجريح،
يجاهـد لرفــع رأسه مـرّة أخرى.
لماذا تأخّر القمر هذه الليلة ؟
ربّما حجر تدحرج بفعل الرّيح.
ربما كرتان من ندف الثـّلج القديم.
هناك, بعيدا.
حيث لا زعتر يعانق شباك العرعر. ولا ريـح طـريـدة.
كان الذئب الـرّمادي الجريح
يسوّى مـن صوف الأوهـام وسـادة
تـعدّل وضع رأسه, صـوب كـتف الجبل اليسار
ليرفع للقمر، بـعـواء الوداع الأخير.
تماما, كما وعد أمه وهي تموت
في ضوء ذاك النّهار البعيد.
لم تعبث به الرّيح, ككلّ مساء
لم تستهزئ به سناجب الجوز البرّيّ كعادتها
لم تــتخذ اليرقات مفاصل فروته ممرّا للحاء الأشجار.
لماذا تأخّر القمر هذه الليلة ؟
ربّما حجر، كي أستريح.
ربّما قبضة من الثلج تعدّل وضع رأسي الجريح.
لو أخت أو صديق أو من العشيرة رفيق.
يلعق جراحي كلّ المساء, ولا يفترسني آخر فتيل اللّيل.
ما كان ينبغي مصارعة الوحش المحنّك. أخطأت مثل أبي .
ما كان ينبغي أن أهمل مواعيد القمر هذا الخريف.
لماذا تأخر هذه الليلة ؟
كانت لنا أم حنون.
تلعق أضلعها لكي لا نموت.
تهمّ بطريدة, ككلّ الذّئاب الأمّهات.
ولكنّها تـئن من الوجع والـقـنوط,
حين تستشعر انبهارنا بحدود الغاب.
كانت تقول لأشقانا : خفت ألاّ تعود.
خفت يا ولدي الحبيب.
لماذا تأخّر القمر هذه اللّيلة ؟
كان الغاب أخضر كلّ أسرار الفصول
وكانت عظامنا لوز وتين وقشرة عود يافع.
ربّما حجر أو ندفة من الثلج , كي أستريح.
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تسوق غمام الشّمال صوب هضاب الجنوب
وتلهو بقلاع النّمل إلى حين
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تبلّل الجداول برذاذ مصبّ واديها, عند أسفل الجبل البعيد
وتلملم ريح الأزهار.
وحوامض نداء الخصوبة من بين أفخاذ الأرانب
سعوقا لأنوف الثعالب والذّكور.
هيّ الرّيح
قسما هيّ الرّيح.
يا أولاد لا تنسوا, كانت أمنا تقول. لا تــنسوا:
الأرانب قِــــرَبٌ من الدّم الحار
الزّعتر ريح كلّ الغاب
والفأر دليلنا لمضارب الجرابيع ومنابت التّين
الأسد أسد, كانت تقول
واللبؤة أسود وأسود
الضبع العنيد, كما الكواسر والزاحفات
يكوّر الموت حتّى الغار
اللّيل بيـتـنا وعدوّنا يا أولادي النهار.
كانت تقول وهي تفرش فروتها لننام :
املؤا قــلــوبكم برائحة الدّم الحار
الذئب لا يخون العشيرة ولا ينسي مواعيد القمر.
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
ربّما حجر أو شيء من نتف الثلج القديم.
خرج أبي إلى الصيد
ولم يرجع
لم أسأل
كون الذئاب لا تسأل
بئس الذئاب حين تسأل :
علام لا يعود الآباء؟
كانت تقول,
بئس الذئاب بلا إباء.
لم أره يوما عابسا
ولم يخلف يوما طريدة
ولكنّ الأسد أسد,
كانت تقول.
واللبؤة أسود وأسود
مزّقت كلّ مفاصله
ولم تأكل كبده, كما يفعل الأسود.
ما طعم دم أبي يا ترى؟
أما دماء أمي وإخوتي فحوامض التين والزّعتر.
لو أخت أوشقيق, يلعق جراحي.
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
كانت أحلامنا الأرض والسّماء
والجبل يفرد جناحيه شطر الغاب.
تعبت. لا شىء أميّز رائحته. غير هذا البخور.
كأني بأصوات العشيرة خلف الجبل
كأني بأصوات الطبول.
وخطو يخرج من باطن الجبل.
علام يرتعش جسدي يا ترى؟
وعلام مثل دبيب النمل
يتصاعد من كلّ مفاصلي؟
لم يبق في الوقت متّسع هذه اللّيلة
أهملت حساب مواعيد القمر.
سأغمض عيني, علّه يأتي
تعبت. لم يبق في الوقت متّسع.
سأنــــــــام
كمال العيادي – ميونيخ
08-أيار-2021
01-حزيران-2008 | |
30-أيار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |