في السرفيس، في دمشق، طلب أحد المسنين القرويين من سائق السرفيس إنزاله على "جسر الرئيس". بدا، من خلال زوغان عينيّ الرجل المسن، وتململه على الكرسي، واصفرار وجهه المفاجئ، أنه ارتكب خطيئة كارثية، ولتصحيح الأمر، توجه إلى الركاب، وأضاف: السيد الرئيس، المناضل، باني سوريا، الله يحفظو ويحميه وينصرو، الله يخليلنياه، رفع راسنا والله. المؤرخون المحايدون فقط يستطيعون الكتابة عن حقبة الأسد، وكيف وصل إلى السلطة اكتشف الرجل خطيئته بأنه قال "جسر الرئيس" دون أية ألقاب تسبق كلمة "الرئيس" كما هو معتاد، على الرغم من أن الناس يقولون، اعتياديًا، "جسر الرئيس" دون ألقاب، لكن الرجل لم يعتد على ذلك! ران صمت رهيب على الركاب جميعًا، أطرقوا جميعهم في الأرض، لا حركة، لا نأمة، بدا أن لا نفسَ يخرج منهم أيضًا، بدا الأمر كما لو أنهم ماتوا جميعًا، حتى سائق السرفيس، صمت ذلك الصمت الذي تظنه أبديًا، مع أن السائقين لا يكفون عن الثرثرة والتشاتم والتعصيب... بين الموقف والآخر كان يتوقف السرفيس دون أية كلمة، ولا حرف، وينزل الراكب بصمت كثيف... عندما وصلنا إلى "جسر الرئيس" قال السائق للرجل القروي: وصلنا يا عم، انزل. وفيما ينزل سأل: هادا جسر السيد الرئيس، المناضل؟ أومأ له السائق أن: نعم، وانطلق مسرعًا. حينها كان الرئيس هو حافظ الأسد. مدائح الرجل المرعوب، وصمت الناس كأنهم موتى، كان حال سوريا على مدار حكم الأسد. عمليًا، كان السرفيس في تلك الأثناء الدهرية هو سوريا المكثفة، سوريا الرعب الدهرية أيضًا.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...