Alef Logo
يوميات
              

النجم بوصفه اسماً آخر للطاغية

خضر الآغا

2013-04-05

قدمت الثقافة العربية التراثية ظاهرة الشاعر الفحل، ولم تعترف بسواه. وكرست المدارس والجامعات العربية ذلك النموذج على نحو لا هوادة فيه. وبالتدقيق في هذه الظاهرة، نجد أن مواصفات الشاعر الفحل هي ذاتها مواصفات الديكتاتور أو الطاغية على مر العصور. كان الفرزدق إذا أعجبته قصيدة ما، نسبها إلى نفسه، مهدداً صاحبها غير الفحل بالويل والثبور إذا ادّعى ملكيته لقصيدته، تماماً كما يفعل الطاغية في حياة الناس. واستمرت هذه الظاهرة في الثقافة العربية حتى يومنا هذا، مع فارق بسيط يتعلق بالتسمية. فنتيجة السوء والهلع الذي لحق البشرية من الطغاة، استبدلت مفردة الشاعر الفحل أو الطاغية بمفردة لطيفة هي: النجم. وساعد في استبدال التسمية انتشار الإعلام وتفشيه، وبروز سلطته وحلوله محل الثقافة. إلا أنه استبدال لفظي لم يغير من المضمون شيئاً، ولمفردة النجم الحمولة الدلالية ذاتها التي لمفردة الطاغية.
نتذكر أن بنية الطغيان تقتضي تصنيع وإعادة تصنيع مستمرة لعالم الطغيان. فالطاغية يخلق أشباهه في مفاصل الحياة والمجتمع، على أن يكونوا بعيدين من منافسته على سلطانه تحت أي ظرف. فيظهر الأب الطاغية والمعلم والأخ الأكبر وكبير الحيّ وكبير العائلة وكذلك كبير الشعراء! ربما لم يستطع الحكام العرب تصنيع شعراء فحول في بلاطاتهم لأسباب تتعلق بطبيعة الشِّعر، لكنهم أبقوا، ربما كبديل من فشلهم هذا، على الشعراء القادمين من منتصف القرن العشرين ومن خيمة "الحداثة"، إضافة إلى المصنّعين مسبقاً كنجوم، حتى لو لم يكن أيّ من هؤلاء الشعراء شاعر سلطة، أو حتى لو كان ضدها. فقد حافظوا على الظاهرة وكرسوها كتعبير ثقافي عن أنظمتهم السياسية، كي يبدو الطغيان ظاهرة طبيعية في مجتمعات العرب، فكما يوجد حاكم طاغية كذلك يوجد شاعر طاغية، وهكذا... لا اعتراض إذن!
الثورات العربية، كما يجب أن تكون، لم تقم على الطاغية السياسي وحده، بل على الطغيان بأشكاله وظهوراته كافة، بما فيه "النجومية" الثقافية عموماً والشعرية خصوصاً. ذلك أن الشاعر ينتمي إلى الهشاشة لا القوة، إلى الانسحاب لا البروز... إذ إن عمله ينطوي على التأمل ومراقبة الزائل والعابر والهارب ليضعها في حيز الوجود. الطغيانية والنجومية تعرقل ذلك كله، وتحوّل صاحبها إلى مستذئب يبعد الآخرين ويقصيهم ويحجبهم. وهذا ما حدث مع الشعر العربي، فكم من شاعر كتب ونشر كتبه التي قد تكون مهمة جداً، لكن طغيان الشعراء النجوم منع ظهورهم وقراءتهم، فظلوا مجموعات صغيرة هنا وهناك، يقرأ بعضهم بعضاً ويكتب بعضهم لبعض. وليس الأمر متعلقاً، فقط أو دائماً، بجودة شِعرهم!
الثورات العربية نجحت إلى الآن، وإن ليس على نحو حاسم بعد، في إخفاء نجوم الثقافة والشعر، مفسحة المجال لآخرين، للإنسان "الصغير" وفق تعبير غرامشي، للمهمّش والمقصي والفقير والمبعد والمتجرئ على سلطان جائر. وأظهرت من أولئك النجوم المتخاذل والمزيف والمدّعي، وكشفت أن كل ما كتبه البعض، طوال حياتهم، عن التغيير والثورة لم يكن إلا لغة للريح، كما بيّنت أن عدداً لا بأس به من نجوم الثقافة والشعر مدافع قوي عن الطغيان.
الثورات، وهذا ما تحققه شيئاً فشيئاً، تُظهر المخبوء والمحجوب والمعطّل والأخرس، تفجر المسكوت عنه.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

كورونا.. الديمقراطية بين قوسين

28-آذار-2020

حافظ الأسد.. ذاكرة الرعب

30-أيلول-2017

حافظ الأسد.. ذاكرة الرعب

30-تشرين الثاني-2015

النجم بوصفه اسماً آخر للطاغية

05-نيسان-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow