: هل كلّ السوريين في الخارج خائنون وفي الداخل موالون
2016-09-03
لا أدري إلى أيّ مستوى، يمكن أن تصل هذه الأزمة التي بدأت تطفو على السطح، والتي أراها آخذة في الانتشار والتصاعد، بين السوريين الذين غادروا سوريا، وبين السوريين الذين ما زالوا باقين فيها، أو على وجه الدقّة، السوريين الذين يحيون في داخل الـحيز الجغرافي الذي ما زال تحت سيطرة النظام؛ دمشق العاصمة، ومراكز عدد من المدن السورية وأهمها حلب وحماه وحمص والطرق المؤدية لها، والشريط الساحلي من حدود التركية شمالاً إلى الحدود اللبنانية جنوباً، وقد بات محروساً جيداً من قبل القوات الروسية بعد أن جعلته قاعدة حربية لها. الحيز الذي لا تزيد مساحته عن 30% من الأراضي السورية، بناء على تقديرات العديد من المصادر، ومنها الرسمية، التي لا تجد ما تبرره، سوى بأنّ ما يقارب 50- 60% من سوريا فارغة وخالية من السكان!؟
حتّى إنّه راحت تعمّم، ليس فقط بين النخب السورية، بل أيضاً بين عموم السوريين، وكأنّ هناك من يدفع بها، فكرة بسيطة تقوم على منطق شكلاني، تقول: (إنه ما دام السوريون الذين خرجوا من سوريا معارضين، فإنّ السوريين الذين بقوا داخلها موالون!). فإذا كانت الجهة التي يصدر عنها هذا الحكم داخلية وموالية، يكون سوريو الشقّ الأول خونة وعملاء وانتهازيين، والسوريون الباقون مواطنين صالحين. أما إذا كانت الجهة خارجية ومعارضة، فإنّ الحكم سيكون معكوساً، والتهمة ستكون موجهة للشقّ الثاني من المعادلة، ويصير السوريون الباقون موالين وأتباعاً للنظام. وغيرها من المساجلات والتنابذات المنتشرة بين السوريين أينما كانوا، والتي هي إحدى المظاهر الجارحة لأزمة الوجود السوري، بأشكالها المتنوعة والقاسية، إن على المستوى الفردي الخاص، أو على المستوى الجماعي الشامل.
"نحن السوريين جميعاً، في الداخل والخارج... نحيا بانتظار الفجر". - منذر مصري
ليس جديداً اهتمامي بهذا الموضوع، فأنا أزعم، أنني، على حسابي في الفيس بوك أو التويتر، أو ككاتب مقالات في الصحف والمواقع الإليكترونية، كنت من أوائل المنبهين لخطورة تفريغ سوريا من شعبها، وربما بالغت وقلت: "لا شيء يعادل مأساة موت السوريين سوى مأساة نزوحهم وهجرتهم". لا بل بالغت بالتأكيد، حين رحت، كردّة فعل عصبية، أفكّر بمقاطعة كلّ من في الخارج، حتى أخوتي وأصدقائي. إلى أن بات الأمر، كما وصفه البعض، وكأنه هوس مرضي يتملكني على نحو شخصي. ولم يكن جوابي، سوى الموافقة الكاملة على هذا التشخيص، ووعدي لهم، ولنفسي بذات الوقت، بعدم تناول المشكلة، مهما كانت عاطفية بالنسبة لي، إلاّ بطريقة موضوعية ومنصفة.
ما أريد التنبيه له، تاركاً لكم الحكم عليه، سلباً أم إيجاباً، أن هناك شعوراً جمعياً بدأ ينتشر بين السوريين الباقين في سوريا بأن من غادرها أدار ظهره لهم وهجرهم، وبأن من بقي، معارضاً كان أو موال، هو شريكهم الحقيقي في الحياة والوطن والمصير.
وبقدر ما هو ليس صحيحاً على الإطلاق أنّ السوريين الذين اضطروا بأغلبيتهم للخروج من سوريا للنجاة بحياتهم وحياة أطفالهم، أو الذين آثروا الخروج دون أسباب اضطرارية للبحث عن حياة أفضل، خونة وعملاء وانتهازيون. لدرجة أن آخر من تهمّه مشكلتهم، كما يبدو، هو النظام السوري الذي يجب أن يكون المسؤول الأول عنهم!؟ فإنه ليس صحيحاً أيضاً، أن 12 مليون سوري مازالوا يحيون داخل سوريا، هم برمتهم، أو حتى بأغلبيتهم، مستفيدون وموالون للنظام، أو أنهم، بتفسير أقلّ تحاملاً، لا يستطيعون، لأسباب قاهرة، مغادرة سوريا!. الصحيح أنّهم، بأغلبيتهم، باقون لأنهم آثروا الاستمرار في الحياة في وطنهم ومدنهم وبيوتهم، وأن يموتوا ويدفنوا قرب آبائهم وأمهاتهم. والصحيح أنهم لم يستطيعوا أن يتخلّوا عن كلّ ما حققوه وجنوه وجمعوه في حياتهم وأنهم تشبثوا بما بقي لديهم. والصحيح أن فرص النزوح والهجرة، وإن ازدادت صعوبتها، ما زالت متاحة لهم كما كانت متاحة لسواهم، إلا أنهم صبروا واحتملوا العيش تحت وطأة الأحوال القاسية ذاتها التي لم يستطع أخوتهم وأصدقاؤهم البقاء بسببها. والصحيح الصحيح أنهم لم يرغبوا أن يقتلعوا أنفسهم من وطنهم ويتشردوا ويتوسلوا ويموتوا في غير وطنهم. وإذا قاطعني أحدكم الآن، وقال إن من غادروا، لم يفعلوا هذا اختياراً، فقد تهدّمت مدنهم وبيوتهم وقتل وخطف أخوتهم وأبناؤهم، فلست أنا من ينكر، أنه صحيح أيضاً أن أغلب الباقين، لم يضطرهم سبب قاهر للنزوح أو الهجرة.
وعلى أمل أن تسلم البقية الباقية من المدن السورية من الخراب والدمار، وينجو الباقون من الشعب السوري من الموت والتشريد، لأنه، ليس من مصلحة أحد، سوى من هدموا سوريا وأحرقها، وقتلوا الشعب السوري وشرّدوه، يتبعهم الحمقى والرعناء والمأفونون، ألاّ يبقى في سوريا مكان يصلح أن يستمر فيه السوريون بالعيش، مهما ضاق عليهم، ومهما بلغت قسوة حياتهم.. نحن السوريين جميعاً، في الداخل والخارج... نحيا بانتظار الفجر.
08-أيار-2021
20-تموز-2019 | |
30-أيلول-2017 | |
03-أيلول-2016 | |
10-تشرين الثاني-2010 | |
منذر يرد.. الشعر العربي الآن لا شيء يموج على صفحته، ولا شيء يغضّن جبينه. |
18-كانون الثاني-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |