إيران وأميركا و… إسرائيل أيضًا
عقاب يحي
خاص ألف
2017-02-18
تشهد العلاقة الإيرانية – الأميركية، والإسرائيلية، أيضًا، توترًا يبدو كبيرًا على السطح بعد مجيء الرئيس الأميركي، ترمب، وتصريحاته النارية، وتصريحات بعض أركان إدارته، في حين يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتانياهو، بحماس كبير لتشكيل تحالف فوري ضد إيران انطلاقًا من توصيفه لمبلغ الخطر المقبل منها.
على هذا السطح يجري التراشق بأنواع مختلفة من الحجارة، من أميركا وإيران، بعضها يبدو كبير الحجم حدود تنبؤ بعضهم بمواجهات شرسة يمكن أن يكون الخيار العسكري أحدها، بينما تُحدث الحجارة الصغيرة فقاعات متناوبة في بحيرة العلاقات الخاصة بين هذه الأطراف، ويدخل على خط تسخينها كثير من الأصابع والأدوات التابعة لإيران من قادة المليشيات و”الحشد الشعبي”.. ومن مسؤولين إيرانيين أيضًا يجري فيها عرض عضلات القوة، والتهديد بردود صاعقة.. طالما سمعنا عنها سنوات التنابذ التي تتجاوز حدود الدولة الإيرانية إلى المنطقة برمتها واليمن وباب المندب، وسورية أيضًا.
هذا الوضع يطرح السؤال المتناوب الدائم عن حقيقة الخلاف والاتفاق بين النظام الإيراني، والولايات المتحدة وإسرائيل، وهل هو خلاف جذري يتناغم مع شعارات إيران المعلنة العدائية ضد الاستكبار العالمي، والصهيونية وكيانها؟، أم هو جزء من تكتيك أثمر حصيلات مهمة لصالح المشروع الإيراني، وأبرز تجلياته في العراق وسورية، واليمن، فضلًا عن لبنان وما يفعله حزب الله في ارتهان الدولة اللبنانية؟
التناوب المثير للجدل في العلاقة بين النظام الإيراني – الإسلامي، وبين الدول الغربية، وإسرائيل يطرح عددًا من إشارات الاستفهام عن طبيعته، وحدوده، ونهاياته.
الوقائع الضمنية، على مدار السنوات، تؤكد أن الإدارات الأميركية المتعاقبة ساعدت إيران في مجالات متعددة ـ فضيحة إيران غيت سنوات الحرب مع العراق – وأطلقت يدها في عدد من الدول العربية، وسمحت لها بوضع نفوذها على العراق، والتمدد في اليمن، بينما وجودها في سورية ليس خافيًا على أحد، ولا وجود المليشيات التابعة لها، وأولها حزب الله والبقية.. أي أن هذا التمدد والوجود وممارسة الحرب الشاملة ضد الشعب السوري لم يجرِ بعيدًا عن الإرادة الأميركية والقبول الصهيوني به، لأنه باختصار كان يخدم المشروع الاستراتيجي الأميركي- الصهيوني، أو يصبّ فيه مباشرة، ومن حيث النتيجة، المتمثل في اختراق المجتمعات العربية على أسس مذهبية، وتحويل الصراعات الاجتماعية – السياسية ضد أوضاع ونظم الاستبداد والفساد إلى صراعات طائفية تمهد الأرض لحروب أهلية عنيفة، طويلة الأمد، وتشرخ المجتمع عموديًا، تاركة ندوبًا عميقة تستجلب الثأر، والانقسام، وتستوجب علاجات طويلة الأمد لالتئام الجراح، أو إعادة اللحمة الوطنية.
مقابل هذا الفعل المبرّمج الذي يمثل صلب المشروع الإيراني القومي يمكن القول إن الإدارات الأميركية، ومعها الصهيونية العالمية أطلقت العنان له، أو سهلت عبوره، وسكتت عن مخاطره، وآثاره في المنطقة، والعالم، ووجدت فيه الوسيلة الناجعة؛ لتفتيت البلدان العربية ونسف الوحدة الوطنية فيها، وتمهيد بيئة التقسيم والنزيف المتواصل.
على هذه الخلفية يمكننا تفسير روحية الاتفاق الدولي حول الملف الإيراني سلميًا، خلافًا لنهج التعامل مع أوضاع عربية حاولت بناء مفاعلات نووية فجوبهت بالتفجير والحرب، وكان المثال العراقي فاقعًا لعيون الحقائق جميعًا.. حين استغل الشعار لغزو واحتلال العراق وتدمير الدولة العراقية، أو ضرب نويات بناء مفاعل نووي في سورية، وقبلهما اغتيال العلماء المصريين وبعض الألمان والعرب الذي عملوا في الحقل النووي.
* * *
لكن هذا التواطؤ، أو الدعم، والسكوت الحامل لأضواء خضراء فاقعة لا يعني أن إيران شريكًا موثوقًا لدى تلك الدول، ولا هي حالة تبعية موصوفة، بل إن الخوف من تغول إيران في منطقة حساسة، وتحوّلها إلى قوة مهمة مالكة للسلاح النووي، والصواريخ البالستية المتطورة، وتهيمن على عدد من الدول العربية، ويمتد نفوذها إلى البحر الأبيض المتوسط، والأحمر، وباب المندب.. يفتح أبواب الصراع بينها وبين الدول الغربية، وإسرائيل، حيث تعمل تلك الدول على تحجيم الطموح الإيراني في الحدود التي يمكن السيطرة عليه.. وهو ما يجد تفسيره في العقوبات الاقتصادية، على الرغم من ضعف تأثيرها، وفي توتر العلاقات بين الحين والآخر، وفي شبكة من العلاقات المعقدة المتنافرة والمتناغمة. في حين ترى إدارة ترمب التي تحمل تصورات خاصة عن أميركا المقبلة وسياساتها وموقعها، أن النفوذ الإيراني المتسع يمثل تهديدًا للاستراتيجية الأميركية لا يمكن السماح به، أو استمراره، وأن إيران الجمهورية الإسلامية من أهم موردي وداعمي الإرهاب، وأنه يجب العمل على تطويع السياسة الإيرانية لتكون في إطار محدد، وإلا مجابهتها بوسائل مختلفة، وهي ترى أن الاتفاق النووي منح إيران امتيازات لا تستحقها، وأنه يجب إلغاء هذا الاتفاق.. بما يشير إلى مزيد التوترات في العلاقات التي ستعرفها المرحلة المقبلة.. وقد ردّت إيران بسلسلة من التصريحات التي تستخف بالرئيس الأميركي وتصريحاته، وبقدراتها على مجابهة الاحتمالات.
أما بالنسبة لإسرائيل، وعلى الرغم من أن ما قامت وتقوم به إيران في العراق وسورية، وصولًا إلى اليمن، وعموم بلدان الخليج، من فعل تفتيتي، ومحاولات تشييع، وتعميق للنزاعات المذهبية، تخدم في النهاية صلب المشروع الصهيوني في نخر المجتمعات العربية، وضرب أسس لحمتها وقوتها، فإن إيران تبقى في نظرها حالة إسلامية تحمل في ثقافتها ومرجعياتها معاداة الكيان الصهيوني، وهو ما يدخل في صلب بنية وتفكير عموم المسلمين، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، وأن امتلاك إيران للقنبلة النووية، ولأسلحة متطورة، وعلى رأسها الصواريخ البالستية، واستمرار تحديثها، يمثل تهديدًا يمكن أن يحيق بذلك الكيان في وقت ما، خاصة إذا ما حدثت تغيرات درامية في الوضع الإيراني، لهذا تبقى إيران منبعًا لخطر كبير يجب مواجهته بكل السبل.
يقابل ذلك أن إيران التي تغزو المجتمعات العربية برايات مقاومة إسرائيل والغرب الاستعماري.. عرفت عبر تراكم ثقافة وسياسة التقيّة أن تمارس الازدواجية بتكتيك ظاهره معاد، وباطنه مقايض يملك قابلية كبيرة على المساومة، والتفاهمات مع هؤلاء الذين ترفع شعارات العداء لهم.
يمكن القول إن طغيان النفوذ الإيراني، وما يمثله من تهديد للمصالح الأميركية، والغربية، وليس للدول العربية وحسب، والتي لا تقع ضمن انشغالات الإدارة الأميركية، يمكن أن يحمل معه وضعًا إيرانيًا مؤثرًا في المنطقة يتجاوز الحسابات والتوقعات التي وضعتها أميركا، وبما قد يستدعي علاجات قاسية لإبقاء إيران في حدود معينة، ولا يعني ذلك بالقطع شنّ الحرب، بل يمكن أن يحدث ذلك عبر بتر وتقطيع أذرع إيران، خاصة في سورية والعراق، وإجبارها على العودة لحدودها الطبيعية. أي تهديم جسور مشروعها الطموح في الوصول إلى بحار المنطقة.
كذلك لا يُستبعد دعم وتشجيع المعارضة الإيرانية، وتكثيف الحصار والضغوط الداخلية لخلق أوضاع قابلة على استنزاف النظام الإيراني، ولمَ لا تغييره بآخر، خاصة وأن إيران قامت بالدور الصعب في تعزيز ونشر الصراعات المذهبية وتأجيجها، وفي إيجاد أورام خبيثة داخل البلدان العربية ليس من السهل علاجها، أو استئصالها.