يوميات سوري عادي
2017-03-11
هو اليوم الموعود.. هكذا كان يفكر سالم الدمشقي وهو يسير مبتعداً عن مكان إقامته في تركيا، واحد من مخيمات اللجوء التي جهزتها الحكومة التركية للنازحين السوريين. كان سعيداً وفرحا يتمتم أخيراً سأبدأ عملاً استطيع العيش منه بكرامة. تابع سيره.. فجأة ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا وتساؤل. تطلع بعيداً تمتم:
ـ أين أنت الآن يا عبير؟؟؟
وضع يديه في جيوب معطفه العتيق وواصل سيره السريع يلفح وجهه برد كانون الثاني الشديد نحو موقف الحافلات التي ستنقله إلى مكان عمله الجديد.
بدا ساهما ومفكراً:
ـ أين أنا منك الآن أين دفؤك، أين وجهك.. يا امرأة عرفتها قبل الولادة، حين أطل وجهك من قمر أصفر على لوحة طفلة صغيرة، ومن خلال أوراق خريفية أطلت عيناك. شهور مضت منذ غادرت دمشق.. منذ غادرنا دمشق هاربين من جحيم الحرب.. حملت أيقونة جسدي ورحلت. كل منا راح في اتجاه، شهور طويلة جداً وجهك لم يدفئ راحتي.. يسألني قلبي عنك فلا جواب عندي.. ترى تفكرين بي أم نسيتني في غمرة السفر والترحال.
وصل نحو موقف الحافلات تخطى مدخل الموقف.. تنفس هواء شتاء تركيا المتقلب.. كان الجو ضبابياً.. وضع يديه في جيوب معطفه السميك وسار باتجاه الحافلة ليصل إلى المكان الذي اختاروه له ليعمل فيه ويؤمن قوت يومه.بدا سارحاً متأملاً يتمتم:
هذا الصباح فتشت عن وجهي الطفل في المرآة .. كان ممسوح الملامح خفت، ركبتُ أرجل الكلمات الهاربة، الكلمات التي لم تقل بعد.علقت على الحائط أيقونة وصليت. صليت بخشوع.. كان وجهي محتقناً حتى الموت، كان علي أن أكون سعيداً.. فها أنا سأعمل وسأستدعي أسرتي لتكون معي. ولكن خيالك لا يفارقني أهرب، أربعة عيون كانت تحدق بي، أربعة عيون دونما وجوه، عيناك.. وعينا أبي.. أبي الضمني قبل أن أغادر لإخفاء دموعه عني..وهو يتمتم: غادر .. غادر.. قبل أن يبحثوا عنك وسيجدونك. وحين ابتعدت صرخ:
ـ انتبه إلى نفسك فليس لنا غيرك.
كان آخر يوم لي في دمشق التي عشقتها مذ وطـأتها قدماي قبيل عدة سنوات. تذكرين لقاءنا ذاك حين صمتنا معا، كانت عيوننا هي التي تتحدث.. كنت تنظرين إليَّ وتغرورق عيناك بالدموع.. تسيل على خديك فأمسحها.. أين أنت يا حبيبة.؟؟
ودعتك على أمل أن نلتقي، على أمل أن نظل على تواصل. فهل سنعود ونلتقي؟ كيف ورسالتك لم تصل؟ لأني بلا عنوان، أنا هارب لاجئ بلا قيد نفوس، ولا أوراق ثبوتية، ولا أحمل جواز سفر..في مخيمات اللجوء. أومن أن رسائلك ستصلني.. وبعد أن استلمها سأغمض عينيَّ لحظات ربما تستمر دهراً.. ستطل عيناك الضاحكتين.. أسرح بعيداً تحوم عيناك حولي.. أتذكر أبي. لم يكن موافقاً على علاقتنا، كان يريدني لابنة أخيه.. أشعر بعينيه تقرآن الرسالة معي، ابتسم وأتلفت حولي باحثا عنه.
يا إلهي ماذا فعلت بنا؟!!! كان جديراً بك أن تحمينا. ومطلبنا عادل وأنت العادل وكان حقاً وأنت الحق. فما هذا الذي يصيبنا؟
أصبح داخل الحافلة التي ستقله إلى مكان عمله. رجل كبير يمر من أمامه يذكره بوالده يغمض عينيه ويسترسل في التفكير:
آه يا أبي.. آآآآه يا أمي.. هل سنلتقي مجددا؟!! أطلت صورة منزله، يتذكر كلمات أمه قبل أن يغادرها: تأن يا بني الغربة قاتلة وصعبة. يقبلها بعد أن قبل يدها ويلتفت مغادراً.. دموع في عينيه. مسح دموعه واستمر يسير ملاحقاً قدره.
يتمتم سنلتقي .. سنلتقي.. سنعود حتما سنعود و سنلتقي مرة أخرى وسيزول الكابوس.
تخونه دموعه فيجهش بالبكاء
تذكر أصدقاءه في الفلسطينيين في مخيم اليرموك وهم يكررون هذه الجملة أو مثيلاتها مرات عديدة.
تابع سيره بهمة ونشاط. وفي عينيه تصميم قوي.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |