الربيع العربي الذي لم يكن يوما ربيعا 1
2017-06-24
سنوات طويلة من القمع مرت على الشعب السوري خصوصا، والعربي عموما.. لم تأت من فراغ.. بل كان مخططا لها منذ زمن طويل.. ولأن الفارق بيننا وبين الأمم المتحضرة أننا نعيش حياتنا يوما بيوم، بينما يكرسون وقتهم للتخطط للمستقبل الذي يمكن أن يصل ربما لعشرات السنين . الغرب يستشرف المستقبل
ومن ضمن تلك المخططات للمستقبل كانت سوريتنا، أولا والمناطق المحيطة بفلسطين تاليا. فقد كان يجب أن تكون تلك الدول ضعيفة ومدمرة إن أمكن و السبب بسيط هي أن شعبها أكثر وعيا وحضارة وتفتحا من الدول العربية المجاورة لإسرائيل اليوم. ولأن العالم الغربي بأجمعه، وكان محصورا بأوروبا فقط حيث كانت أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا حاليا بعيدين عن المشهد، تم الاتفاق على وجود الكيان الإسرائيلي فكان لابد من تأمين أرضية خصبة لوجوده، وهذه الأرضية لا يمكن أن تصبح حقيقة واقعة، إلا بوجود كيانات هشة لاحول لها ولا قوة حولها بحيث تستطيع التوسع والاستقرار.
وهكذا ودون أي مقدمات ملموسة خلق الكيان الإسرائيلي الصهيوني بين ليلة وضحاها ولكن بعد تحضير وترتيب متقن ومدروس لطبيعة المنطقة التي اختيرت لها فكانت أرض فلسطين التاريخية بعد عام 1948 وهنا أنقل من ويكيبيديا الموسوعة الحرة " شهد القرن التاسع عشر ولادة الحركة الصهيونية التي تتمثل أهم أهدافها في إيجاد حل للمسألة اليهودية. بدأ عدد كبير نسبيا من أعضاء الجماعات اليهودية في الهجرة إلى أرض فلسطين في نهاية ذلك القرن. أما مؤسس الحركة الصهيونية العالمية تيودور هرتزل فكان يفاوض السلطات البريطانية في هجرة اليهود إلى بلدان أخرى، من بينها أوغندا وشبه جزيرة سيناء، وكانت الاقتراح الأكثر جدية هو إقامة حكم ذاتي يهودي في أوغندا (كينيا حسب الحدود الحالية) وقد أعلنها وزير المستعمرات البريطاني في أبريل 1903، بعد مذبحة كيشينوف التي تعرض لها اليهود في تلك المدينة، والتي كانت ذروة مطاردة اليهود في الإمبراطورية الروسية آنذاك، مما أدى إلى مهاجرة عدد كبير من يهود شرقي أوروبا إلى غربي أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط. فأرسل المؤتمر الصهيوني العالمي في جلسته السادسة بعثة إلى أوغندا لبحث الاقتراح، أما في الجلسة السابعة (1907) فرفضها لأسباب وطنية وتاريخية ومشيرا إلى التقرير المخيب الذي عرضته البعثة. كانت فلسطين وقتها تحت السيطرة العثمانية، وبشكل أوسع، عندما آلت السلطة للانتداب البريطاني.
في الثاني من نوفمبر 1917، خلال الحرب العالمية الأولى، نشرت الحكومة البريطانية وعد بلفور الذي أكد دعم بريطانيا لطموحات الحركة الصهيونية في إقامة دولة يهودية بفلسطين. وبعد الحرب أقرت عصبة الأمم وعد بلفور كالهدف النهائي لحكم الانتداب البريطاني على فلسطين. ولكن في فترة الثلاثينيات من القرن الـ20 تندمت بريطانيا على وعدها للحركة الصهيونية واقترحت تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب حيث يسيطر العرب على أكثرية الأراضي.
بعد المحرقة التي تعرض لها المواطنون اليهود في أوروبا مع أقليات أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، وفي العام 1947، شهد العالم قرار تقسيم فلسطين والذي أعطى اليهود المقيمين في فلسطين 55% من الأرض، عندما كانوا يشكّلون 30% من السكان، مؤكدا بضرورة توطين لاجئي المحرقة النازية من اليهود في الأراضي الموعودة للدولة اليهودية حسب قرار تقسيم. وشملت الأراضي المقترحة لليهود الجزء المركزي من الشريط البحري (ما عدا مدينة يافا)، جزءا كبيرا من النقب (ما عدا مدينة بئر السبع)، والجزء الشرقي من الجليل ومرج ابن عامر. رفض العرب قرار التقسيم آنذاك، حيث شن سكان فلسطين هجمات ضد السكان اليهود، هجمات ردت عليها المنظمات الصهيونية العسكرية. فقامت بريطانيا بالانسحاب من فلسطين وإعلان انتهاء الانتداب البريطاني في منتصف ليل الـ15 من مايو 1948. 1
قد يتبادر إلى الذهن سؤال فحواه لماذا الاهتمام باليهود وفي تلك المرحلة بالضبط سيكون الجواب بأنه شعب شرد وعذب وأحرق وعلينا تعويضه عما حدث له وكان التعويض على حساب الفلسطينيين. فأسست دولة إسرائيل. وتم توطين اليهود فيها وليستمر لمخطط كما رسم له كان يجب أن تظل الدول المحيطة بإسرائيل ضعيفة بحيث لا تكون قادرة على استعادة حقها المشروع.
ولكن كيف؟ شعوب المنطقة المحيطة بها شعوب حية وواعية لحقوقها على العمل على تحرير ما سلب منها.. ما العمل إذا؟ ويأتي الجواب بإضعافها.. وكيف؟ بتسليط حكام دكتاتوريين، فكان ذلك. قمعوا شعوبهم، فكان هم تلك الشعوب التخلص من القمع وما عاد لديها وقت للتفكير في أي شيء آخر حتى لو كانت دولة شقيقة.
في الفترة ذاتها كانت تلك الدول تناضل للتخلص من الاستعمار المتمثل ببريطانيا وفرنسا ولم تكن قادرة على مساعد الدولة الشقيقة فلسطين. وكان لابد من أن تنال استقلالها أولا.. وايضا كانت بريطانيا وفرنسا مضطرتان لمنح الاستقلال للدول التي تحتلها في المشرق العربي بعد أن أنهكتها الحرب العالمية الثانية وبعد أن قامت شعوب تلك المنطقة بالثورة عليها. ونالت تلك الشعوب استقلالها. وتأسست فيها ممالك وجمهوريات فكانت ملكية مصر والتي تضم مصر والسودان ومملكة الأردن والجمهورية السورية.
فلنلق نظرة على تلك الدول قبل قيام الثورات عليها.. فإذا كان من قاموا بالثورات شوهوا صورة تلك الدول قبل الثورة عليها يجب أن نعرف الحقيقة.. بعد البحث والتنقيب وصلت إلى نتيجة أنه كان مغررا بنا، والصورة التي نقلها لنا من قاموا بالثورات تشبههم هم ولا تشبه من قاموا عليهم. فلنستعر ممن بحثوا في تاريخ تلك المرحلة ما كتبوا عنها:
منذ أن قام مجموعة الضباط الأحرار عام 1952 بعزل الملك فاروق ملك مصر و السودان وتمكنوا من حكم البلاد بقيادة اللواء محمد نجيب، وهم عاكفون و من بعدهم من نفس الفكر على إظهار مساوئ لتلك الفترة الملكية، و التي وصفوها في أول بيان لهم ألقاه الضابط محمد أنور السادات المتحدث باسم الضباط الأحرار وقتها بأنها كانت فترة رشوة و فساد.
وقد قام مجلس قيادة الثورة بتوظيف الإعلام بكافة صوره بل والأعمال الفنية سواء أفلام أو مسلسلات وايضا المناهج التعليمية بعد ذلك في التأكيد بأن تلك الحقبة الملكية كانت تنتشر فيها الرشوة و الفساد، و أنهم جاءوا ليغيروا حال البلاد للأفضل حسب زعمهم
و بما أن لكل حقبة سلبيات و إيجابيات و بما أنه قد تم التركيز في الستين عاما الماضية على إظهار السلبيات منذ عهد الرئيس عبد الناصر ثم السادات ثم مبارك، فتعالوا معا في تلك السطور القليلة نتعرف عن أهم الإيجابيات لتلك الحقبة دون تهوين أو تهويل، وذلك من خلال ما تم سرده في بعض الكتب أو من خلال روايات من عاشوا تلك الحقبة ولازالوا على قيد الحياة.
فبداية و من ناحية الاقتصاد كان الجنيه المصري قبل 1952 يعادل جنيها ذهبيا، و كان سعر الدولار الأمريكي عام 1950 لا يتجاوز 35 قرشا وكانت الزراعة تأخذ نصيب الأسد في حدود الدولة المترامية الأطراف حيث كانت المملكة تشمل القطر المصري و السودان و غزة، وكانت المصانع الإنجليزية فى مدينتي مانشستر سيتي ويوركشاير تعتمد على القطن المصري في الصناعة وكانت لدينا أكبر بورصة للقطن على مستوى العالم.
و في تلك الحقبة أقام طلعت حرب باشا حرب 43 شركة أساسية في جميع المجالات باستثمارات وطنية ما زالت تمثل قاعدة قوية للاقتصاد الوطني حتى يومنا هذا، بل ونظرا للتطور الاقتصادي الذى كانت تشهده مصر في عصر الملكية كان الأوربيون يلجؤون إلى مصر للعمل بها، وقد هرع العديد من الأوربيون إلى مصر خلال الحرب العالمية الأولى 1914 و الثانية 1939 للعمل بها وكانوا يسمونها أرض الفرص ومنارة الشرق، و منهم من أستقر فيها و لم يعد إلى بلاده حتى بعد انتهاء الحرب، و واندمج الأجانب بالحياة المصرية و بالمصريين فى مزيج حضاري و تعدد ثقافي رائع في بعض المدن المصرية مثل القاهرة و الإسكندرية حيث تركزت فيهما الجاليات الأجنبية و هذا يظهر جليا من خلال أسماء المحلات التجارية التي فتحها الأجانب فى مصر و منها على سبيل المثال ( هانو-شيكوريل-عدس-ريفولى-صيدناوى) وغيرهم، حتى أن مصر أقرضت بريطانيا العظمى خلال الحرب العالمية الأولى، وأقرضت بلجيكا بعد انتهاء الحرب لكى تستطيع أن تعيد بناءها بعد الدمار الذى لحق بها، فى حين أننا الآن نطلب من صندوق النقد الدولي وأشقائنا العرب لإقراضنا لكى نستطيع توفير الغذاء لأولادنا.
و في تلك الزمن الملكي كانت مصر قبلة السائحين من كل البلدان العربية و الأجنبية، حيث كانت القاهرة و الإسكندرية وقتها من أجمل مدن العالم لما كانت تتمتع به شوارعهما من جمال و نظافة، فقد كانت الشوارع الرئيسية تغسل بالماء يوميا، ذلك بجانب المناطق الأثرية الخلابة التي كانت تتحدث عن تاريخنا العظيم، مما كان يدر دخلا فى خزانة الدولة من تلك السياحة و كان لدينا أكبر غطاء نقدى في العالم، و كانت بورصتي القاهرة و الإسكندرية في المركز الرابع على مستوى العالم.
و في هذه الحقبة الملكية التي وصفها من جاءوا بعد 1952 بالجهل نشأ العديد من المثقفين أمثال عباس محمود العقاد وطه حسين وسلامه موسى وعبد الحميد جوده السحار ويوسف السباعي ونجيب محفوظ و غيرهم، وجميعهم تعلموا فى المدارس الحكومية عندما كان فى مصر تعليم صحيح بل ومنهم من تخرج من جامعة الملك فؤاد التي تأسست عام 1908 و كان يوجد ايضا الجامعة الأمريكية و جامعة الإسكندرية التي تأسست عام 1938. وكان الوافدون يأتون إلى مصر للعلاج و التمريض لما لمصر وقتها في هذا المجال من خبرة حيث كان يحق للطبيب المصري أن يزاول مهنة الطب بأي دولة في العالم دون أي شهادات إضافية، فأي جهل هذا يتحدثون عنه و نحن الآن نرى الطلاب في الإعدادية لا يجيدون القراءة و الكتابة و أخطاء الأطباء لا حصر لها.
كما كان للفن الراقي نصيبا كبيرا في تلك الحقبة، فظهر محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ومحمد فوزى، وبيرم التونسي، وزكريا أحمد والسنباطي وغيرهم الكثير، وكانت بمصر أوبرا تضاهى أوبرات أوربا، كما أنتجت مصر أول فيلم رسوم متحركة عربي عام 1935 تحت اسم (مشمش)، كانت مصر قبلة الفنانين من كل الدول العربية، حيث كان الفن وقتها هادفا لا يوجد به أي نوع من الابتذال مثلما نرى الآن.
و في مجال الصحافة أنشئت نقابة للصحفيين عام 1941 للتعبير عن حرية الرأي ودشنت العديد من الصحف و منها أخبار اليوم على يد مصطفى و على أمين عام 1944، وكانت الصحافة مؤثرة فى الوسط المثقف حتى سُميت بعد ذلك بالسلطة الرابعة.
وفى هذا الزمن أيضاً رفض رئيس الحكومة طلباً للملك فاروق كي يسحب مبلغاً نقدياً على ذمة مخصصاته الملكية قبل أن يعرف أوجه صرفها، وكان الملك يريدها من أجل نفقات زفافه! وفى هذا العهد خسر مرشح الملك في انتخابات نادى الضباط أمام مرشح غير موالٍ له هو اللواء محمد نجيب! وفى هذا العهد قام القضاء المصري الشامخ بتبرئة أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل، وسعيد توفيق، وآخرين من تهمة قتل أحد عملاء الإنجليز رغم أن أركان الجريمة الجنائية كانت واضحة إلا أن وطنية القضاء غلبت على كل شيء آخر، و كانت سلطة البرلمان المعبرة عن رأى الشعب فوق الجميع.
عزيزي القارئ هذا جزء من كل و ليس معنى هذا أن العهد الملكي لم يكن به فساد و لكن كان يجب على المؤرخين من ناحية الإنصاف أن يذكروا السلبيات والإيجابيات دون افراط أو تفريط، و إن كان به بعض الفساد فيكفى أنه عندما دارت الأيام و بعد مرور خمسة وستون عاما على عزل الملك فاروق، أصبحنا نطلق .على أيامه أيام الزمن الجميل بل والبعض أطلق على هذه الحقبة الملكية مصر العظمى
!!و يبقى السؤال : هل كان عهد الملكية عهدا فاسدا ؟
مقتطفات من دراسة طويلة عن الربيع العربي
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |