من الكوميديا السورية المنكّهة بالدمع:
أحمد بغدادي
خاص ألف
2017-08-12
ــ البارحة كنتُ أريد أخطو خطوةً أخيرة من الحياة واعتبرتها خطوة أولى نحو الخلاص.
نصبتُ حبلَ المشنقة بالسقف وتفحّصته جيّداً؛ كان سلكَ هاتف أو لربما سلكَ توصيل "راوتر أنترنت". فأنا بحاجة للتواصل مع العالم الخارجي أحياناً لربما أشتاق لحماقةِ أصدقائي ولمزاحهم ولبضع ابتسامات من فتاةٍ لعوب.
بعدما أنهيتُ مراسمَ وداعي لنفسي وللأشياءِ التي تحيط بي في الغرفة الصغيرة ــ غرفةُ المنفى ــ قلتُ في خاطري يجب أن آكل وجبةً أخيرة فليس من المعقول أن أموتَ جائعاً !.
حينها فتحتُ ثلاجة الطعام وأخذتُ ألتهم وجبتي الأخيرة على مهل وأنا أنظرُ إلى الحائط بهلعٍ وريبة، حائطِ الغرفة المجاورة التي علّقتُ في سقفها أرجوحةَ النهاية؛ تذكرتُ نصيحة الطبيب النفسي الذي أشرفَ على حالتي مرّةً واحدة فقط ووصف لي حبوباً مضادة للكآبة والقلق لها محاذيرُ كثيرة منها القدرة على "تنويم" جمل في غضون دقائق، وباستطاعة هذه الحبوب جعلك تنام لمدة 16 ساعة متواصلة دون استيقاظ أو أي شعور بالعالم حولك حتى لو كانت مسيرة مؤيّدة مؤلفة من 1501 من الشبّيحة والرماديين والعبيد يعوون فوق رأسك.
تناولتُ حبة من العلبة ذات عيار 30 دون أن أحس بشكل آلي وروتيني كما كنتُ متعوّداً كل مساء.
تلمظتُ وقلتُ يجب أن أدخّنَ سيجارتي الأخيرة فإني أجزم أن هناك في العالم الآخر لا توجد سجائر" Gauloises " ولا دخان عربي "لف".
بينما أنظرُ إلى الجدار وأبتلعُ الدخان وأنفذه تجاه المروحة التي ترطّبُ الموقف قليلاً أمام جسمي الذي يتعرّق وكأني أقذفُ مساماتي خارجه!، لم أعِ شيئاً !.. دخلتُ في دهليزٍ مظلم!!. استيقظتُ عند الظهيرة ينتابني صداعٌ مزعج من الجهةِ اليمنى أعلى العين وجسمي باردٌ كمن وضعَ في قالبِ ثلجٍ للعرض في متحفٍ للمستحاثات الجليدية.
تسللتُ إلى الغرفة ببطء... نظرتُ أعلى السقف فوجدّتُ السلكَ يتدلّى وكأنه يبتسم لي ويتلمظ ويقول : "لقد اتصلَ بكَ أحدُ أصدقائكَ الموتى وقد كان ينتظركَ عند باب الحديقة التي تواجه الهاوية" !.
ركضتُ كحصانٍ هائج وقفزتُ على السرير وبسرعةِ المرتبك فككتُ الأنشوطة وقطعتُ السلكَ من السقف وأنا ألهث... بعدها، هبطتُ بخطواتٍ دافئة على البلاط مشيتُ كأنني "روبوت صنعَ حديثاً للتجربة"؛ فتحتُ الثلاجة ورميتُ بعلبة الحبوب في سلة القمامة وأنا أتذمّر.
بدأ الصداعُ يتلاشى ويهدأ في رأسي.
بدأت خطوتي الأولى نحو الرجوع إلى الحياة.
***
ــ نصيحة للذين أرادوا النومَ بعمق يوما ً ما، لا تشربوا هذه الحبوب إلا إذا كانت عيار 15.
ملاحظة: 1501 شبيح ورمادي وعبد. هذا الواحد هو عنصر مخابرات يقود القطيع كفتاة المراعي.
/
من مذكرات جثّة مبتسمة في الطابق الرابع.