طز .. من محفوظ والماغوط والوز.
حسان محمد محمود
خاص ألف
2017-10-14
من لم يمتلك حساباً على الفيسبوك دشن حسابه، ومن أغلقه أعاد فتحه، فالجماهير على موعد مع وعد فتاتين بالتعري على ضوء نتيجة مباراة بكرة القدم، وهو تعرّ مضمون؛ فإحداهن سوف تفعل ذلك إن خسر الفريق، والأخرى إن فاز.
الشرهون من التواقين لهذا " الستريبتيز" الفيسبوكي تمنوا النتيجتين في آنٍ واحد، ليفوزوا بعرضين لا عرضاً منفرداً، غافلين عن إمكانية ثالثة لنتيجة المباراة، هي التعادل !
التعادل لئيم، يحرمهم مما انتظروه؛ و رحيم بي، لأنه يعفيني من مهمة اجتراح " فتوىً " تسمح لصاحبتي النذر بالتهرب من الوفاء به، إن طلبتا مثل هذه الفتوى، ويبدو أنهما لن تطلباها !
لماذا التعري؟ حاولت تفسير الغرض منه، وظيفته هنا، في هذه الحالة؛ فعجزت. نذرت عريك قرباناً لمن؟!
الفنانون يرسمون العراة، ينحتونهم؛ وهذا، فضلاً عن جماله، كان ثمرة ديمقراطية أثينا، وازدهار علومها وفلسفتها، و بدّل دلالات العري السائدة قبل حضارة الإغريق، من اعتباره دليل ضعف ومهانة إلى جعله تكريماً للآلهة، وتجسيداً للبطولة والقوة في الأولمبياد .
أيضاً، كان العري المجسد فنياً غرة تحولات جذرية في أوربا إبان عصر النهضة، الذي مهد للعلمانية، و خجلت منه السلطات الإيطالية مؤخراً، فغطت التماثيل العارية في روما " احتراماً " لرئيس الدولة الوحيدة في العالم التي يحكمها "الإكليروس" المعاصر: إيران.
ولأن التعري ــ النذر، الموعودة به جماهير " جيل الفرجة " من مؤيدي فوز فريق كرة القدم ومعارضيه؛ لا يمكن إدراجه في أي من السياقين ــ اليوناني القديم أو الأوربي القريب ــ تصديت لمهمة ثني الفتاتين عن وعدهما، في مناجاة ذاتية مع نفسي، لإنقاذ ماء جسديهما، وسن فتوىً تعفيهما من هذا النذر؛ ولم تبخل علي ثقافتنا بالأفكار الملهمة للفتوى والمعينة على فهم بيع الجسد المجاني هذا، سواء كان البائع تلك الفتاتين أو السلطات الإيطالية التي قايضت "دافنشي" و"مايكل أنجلو" بدولارات نظام "محاكم التفتيش" الإيراني.
نص الفتوى:
تستطيع الفتاتان التعري على الفيسبوك، دون أن يراهما أحد، بنشر صورتيهما عاريتين، وتغيير إعدادات خصوصية الرؤية من " العام " إلى " أنا فقط ".
هذا حل وسط، بين خياري إهراق كبريائهما إن تراجعتا عن وعدهما ببيع عريهما؛ كما فعلت إيطاليا.
ولهكذا فتوى سوابق فقهية، وأسانيد، في التراثين: العربي العام، والحساني الخاص.
يحكى عن رجل حلف على زوجته بالطلاق إن داست عتبة بيته، وندم على يمينه ذاك، فكانت الفتوى أن تركب الزوجة على ظهره، ويجتازا المسافة بين الباب وصحن البيت دون أن تطأ قدماها العتبة… و " زبطت ".
أيضاً، حدث معي ما يشبه قصة "فتوى العتبة" عندما كنا مجتمعين في السوق، فتحداني أحدهم " أعطيك مئة ليرة إن أطلقت رصاصة داخل الدكان دون أن تطأ قدماك الشارع" وهذا كان شرطاً معجزاً، وفيه مقامرة باختراق الطلقة سقف الدكان وتهشيم ديكوراته. وافقت بعد أن خطرت لي فكرة، وأشهدت الحاضرين على قدرتي تجاوز التحدي قائلاً لهم " اشهدوا يا شباب ! سوف أطلق النار دون أن أخرج إلى الطريق". تناولت المسدس ووقفت على عتبة باب الدكان، وأخرجت سبطانته إلى الهواء الطلق نحو السماء، بينما قدماي تعلنان التزامي بتعهدي البقاء داخل المحل، ثم، طااااااق… و "زبطت". وأبيت يومها أخذ المئة ليرة بعد فوزي بالشرط، قائلاً لمن تحداني " لن آخذها كي تبقى مديناً لي كل حياتك ".
وفي تاريخنا الثقافي المعاصر سوابق " شاهقة " ساعدتني على نحت فتوى التعري الفيسبوكية وفهم آلية المتاجرة بالجمال، فمحمد الماغوط أعلن بعقيرة مرتفعة أنه اصطف سياسياً لدى الحزب الذي يحتوي مقره على مدفأة. ما هو تعريف المرتزق سياسياً أيها القراء؟! وعلى ذات النغمة رقص فيما بعد رقصته الشهيرة "ضيعة تشرين". أما نجيب محفوظ، فتخاذل عن فضح واقعة تزوير ميدالية تكريمه التي قلدته إياها مصر؛ دولة مصر، بعد اكتشافه أنها ليست أربعمائة غرام من الذهب، بل من معدن رخيص مطلي بالذهب، وهذا لم يك تعففاً وأنفة وزهداً بالمال، لأن الميدالية لا يمكن أن تباع لقيمتها المعنوية، كما أن فضح الواقعة باستخدام ثقله العالمي هو واجب تجاه دولته وشعبه ونفسه وجماله: أدبه، لا يحجم عنه إلا "مرتزق"، يبيع "مايكل أنجلو" و " رافائيل" و "تيتيان" و "بوتوتشيلي" في سوق أسس لقوانينه، الإيطالي أيضاً، "ميكيافيلي".
الآن، ما الذي سيحدث عندما يقرأ البعض مقالتي هذه؟
جيل الفرجة، عاجز عن التفكير إلا بطريقة " الوز" . و هذه " الوز" لا أقصد بها الطائر المعروف، بل مجنوناً معروفاً في مدينة سلمية، ولا تلفظ بفتح الواو بل كما تلفظ مفردة " طز " الشهيرة. و من أهم ما امتاز به " الوز " أن جنونه تجلى بالسير في الطرقات والتحدث مع نفسه، لا يعتدي على أحد أو يؤذي أياً من المارة إلا في حالة واحدة، هي أن تقول له " وز ". لو ضربته، أو شتمته وشتمت عائلته كلها، لن تكون له أية ردة فعل؛ فقط إن صرخت خلفه " وز" تثور ثائرته، ويلقي عليك ارتجالاً قصيدة شتائم مقفاة تنتهي دائماً بحرف " ز " … من قبيل " انشاء الله ع عدد حبات الرز، بيعملو ويتركو …. ويغز….”. ولا يكف عن شتمك إلا إن أعطيته ليرة، لا يقبل إلا الليرة، ويرفض غيرها مهما بلغ ما تعطيه ثمناً لصمته، تماماً كما رفضت أنا تلك المئة التي ربحتها بعد إطلاق النار في الهواء.
لا يشبه " الوز" أحداً في هذا الكون إلا " جيل الفرجة " الذي مهما لاقى وعانى تراه بحاله، مستكيناً، لا يحركه ويستفزه شيء قدر ما يفعل رسم كاريكاتوري تافه يمس الرسول، فترى الجيل فاعلاً ما تفعله " وز " بالوز.
وها أنذا، أقول " وز" لعبدة أصنام " القامات ". لا غطاء لي في فعلتي هذه، كغطاء قريش عندما خططت لقتل النبي محمد، وتضييع دمه وثأره بينها، بإشراك ممثل عن كل قبيلة بتنفيذ الاغتيال، أو كما فعلت مجموعة من الصبية مع " الوز" مستلهمة إرث قريش الاغتيالي؛ فقد كان " الوز" كالعادة يسير في الشارع، ويمر بزمرة من جيل الفرجة تقف عند الزاوية " تتفرج " على المارة، فاتفق أعضاء الزمرة على أن يصيحوا معاً " وز " لتصعب على " الوز" معرفة " الجاني " ويتعذر عليه بالتالي إدراك ثأره، و تحديد شخص محدد يوجه له شتائمه ويلزمه بدفع الضريبة : ليرة الواحدة.
لذلك، ولأنني عارٍ، لا غطاء لي في " وزتي" هذه، تراني مضطراً للقول: طز .. يا جيل " الوز " .
مخلص ونوس
2017-10-14
(..لا يشبه " الوز" أحداً في هذا الكون إلا " جيل الفرجة " الذي مهما لاقى وعانى تراه بحاله، مستكيناً، لا يحركه ويستفزه شيء قدر ما يفعل رسم كاريكاتوري تافه يمس الرسول، فترى الجيل فاعلاً ما تفعله " وز " بالوز. وها أنذا، أقول " وز" لعبدة أصنام " القامات "..)يعطيك العافية ..رغم المأساة وتوابعها أتاحت لنا هذه الدماء المهدورة، والنفوس المقهورة أن نقول "وز" عالية وبلا تحفظ ...شكرا لها ..ولك