جسد بطعم الندم ــ نص روائي.. ج الأخير
ترغبهن, دون أن تغرق في حبهن, أو تفاصيلهن الجسدية, أو الكلامية, المبنية على ثرثرة لا تنتهي, يتوهمن حالة حبك لهن.. مجرد توهم لا أكثر. تتوهم أنهن يروينك, لا تكتشف بعدئذ.. سوى عطشك يشتد أكثر, لا تختلف محنتك عن أي رع, من رعاع الشرق, في المحصلة, كلكم رع خرع ما يفتأ أن يتحول إلى ضحية, ضحية نفسه.. ربما ضحية الآخر المتخفي
أو
الملتبس
في
داخله.
بالتأكيد نحن كائنات مهزوزة من الداخل, كما يقول طبيبي العصبي, نتعرض يوميا لما يهز جملتنا العصبية, ويربكها بكثير من التوافه اليومية التي تتحول إلى أساسيات ضاغطة. قد لا نستطيع تحملها, أو التعاطي معها, أو حتى مجرد فهم آلياتها, لم يكن يعالجني بالمعنى الحرفي للكلمة, إنما يحاول أن يمتص لو قليلا من نزقي, من كرهي لذاتي, أنا امرأة تكره ذاتها أو سلوكاتها في الكثير من اللحظات والمواقف. قد.. لا أتوازن مع نفسي إلا نادر,
من
الهبل
يا
زوينا
أن يكشف الكائن البسيط عن جزء من أوراقه, أمام كائنات لا تنتظر شيئا, سوى الإنقضاض عليه بحجة مساعدته. من يساعد.. من؟ من يستطيع أن يساعد أحد؟ حتى في الكلام لا أحد يقوى على ذلك. إن غيبوبتك تبيح لي أن أحكي أمامك بحرية مطلقة, دون وازع من ضمير أو أخلاق, رغم أنني أعرف أن ما أرويه قد يعجل في أجلك, إن كنت تستوعبين منه ولو قليلا. غيبوبتك تبيح لي أن أنجو من توبيخك , من سخطك, من غضبك, قبل وقوعك في ما أنت عليه, لم يكن بإمكاني أن أقول لك بأنني منذ سنوات, دون سابق إنذار, تحت إلحاح مخيلة مريضة, أو دماغ مضروب في طور.. من أطواره. كنت قد سافرت إلى العاصمة بمفردي, أيام لم أكن أعرف أين تقع العاصمة. أيام لم أكن أعرف فيها أحدا سوى رقم تلفون لامرأة ما, يحتمل أنها غيرته, أو باعته, أو.., لم أكن أكذب عليك, إلا عند الضرورة, التي تتعلق برجل قد لا يرضي مزاجك, أكون قد التقيته رغما عن أنفي, قبل غيبوبتك, لم أصارحك بالمرة, عن رجال ضاجعتهم, أو كنت في طور ذلك. كنت تقولين لي من باب النصح: ما إن يضاجعك أي رجل حتى يتخلى عن التفكير بك كزوجة, لاعتقاده بأن الكثيرين غيره, قد سبقوه إلى لحمك المنشود, أو المرغوب, ليس من البساطة أن تحافظ المرأة على لحمها يا ليلك.. عفيفا, طاهرا. لم يكن يعني لك لحم المرأة المعني, أو المقصود, سوى فرجها. الفرج بالنسبة لك هو كل لحم المرأة, الذي على المرأة أن لا توصل الرجل إليه,
إلا
بعد
عقد
نكاح
شرعي.
في النهاية. عليك أن تقنعي الرجل بعد زواجك حتى, بأنه أول من يغوص في تفاصيل ما بين فخذيك, لا أحد منهم يستطيع أن يتجاوز تلك العقدة, وإلا ستبقين مدى الدهر عاهرة بنظره. على المرأة أن تكون طاهرة وقديسة بنظر زوجها, كان والدك رحمة الله عليه, لا يفرط بكلمة نحوي بحضور الغير, لم أكن أعرف.. إن كان يعرف شيئا, حتى أن بعضهم يغالي في اتهامي, على أنني السبب في اختفائه الأبدي, ليسامحه الله يا ليلك, لوترك لنا كلمة عند أحد, لو رسالة, لو خبرا, هكذا أراد أن يبقى لغزا مدى الحياة. حتى أصحابه لم يتثن لهم أن يعرفوا شيئا عن أسراره, ربما اتهمني الناس أمامه بأخلاقي, فأبى أن يسألني, أو يعاقبني, هو كان يحب ذاك الزجال الدجال, لا أعرف كيف وقعت في الغواية يا ابنتي, إن لكل غواية سر, وسحر, ربما كانت غوايتي الكلام, اللعنة على الكلام حين يرشح عسلا, ألذ من العسل, على المرأة العاقلة في كل الأزمنة, في كل الأمكنة, أن لا تنجر كثيرا وراء الغواية الكلام, التي هي من عمل الشيطان اللعين ربما لم تقولي لي ذلك صراحة, دائما.. أفهم ما ترغبين بقوله يا زوينا, أشعر أحيانا بأنني أتجول بحرية بين تلافيف دماغك, أقرأ ما هو واضح ومخفي, أقرأ ما هو غامض.. وما هو أكثر من مخفي, أنا الإبنة التي هي سر أمها, أظنك كنت تقرأينني في كل مرة نمت فيها خارج البيت من أيام الجامعة, وحتى اللحظة. أتذكر بأنك قلت لي حين نمت لأول مرة في قرية العبثي النادر, بأنها نومة تشرف, لأنها قرية شيوخ وأسياد المنطقة, وأن كل من فيها محترم, لم أكن أدري وقتها أن زجالك الدجال من أبناء القرية ذاتها, فيما بعد عرفت, عرفت بأنني سأدفع الثمن أكثر مما دفعت, غير أن التجربة كانت أمر وأقسى, أظنك لم تدخلي تلك القرية على الإطلاق تحت وابل من المطر في ليل متأخر, لم تستأجري تاكسي يأخذك بمفردك إلى البعيد خارج المدينة, حيث يشاع عن حالات اغتصاب متعددة, حصلت لنساء كثر, كن في طريق عودتهن من مركز المدينة, إلى حي من أحيائها. كنت ألعب مع الزمن بألم باهظ, بحثا, أو جريا خلف متعة باهظة, قد لا تتحقق لأي امرأة, أكثر من مرة واحدة عبر تاريخها الفردي الصغير.
في
ما
بعد..
تمنيت لو اغتصبني السائق في طريق العودة, لو أنه أركن السيارة في منتصف الغابة, تحت الوابل المطري, تمنيت لو أنه هددني بسكين, بمسدس, بلا شيء ربما كنت خلعت ثيابي من تلقاء نفسي, كان عليّ أن أفعل ذلك, قليلات هن النساء اللواتي يمتلكن زمام المبادرة, أو الكلام عن الجنس والمتعة, أو طلبها من الغير المغاير, ما كان ضرني لو بادرت, ربما كنت حصلت متعة خارقة, ضمن سيارة مكيفة في منتصف غابة, تحت وابل جهنمي من مطر الشتاء, إنه واحد من أجوائي الأثيرة المحلوم فيها بفعل جنسي أمارسه ليس بالضرورة أن يكون مع كائن أحبه. قبل سفري إلى العاصمة, قلت لك بأنني سأزور قرية الشيوخ الأسياد, أذنت لي بيومين هناك. إنهما يومان من العمر, يمكنني أن أزيدهما أياما كثيرة, فيما لو رأيت ذاك الوغد المشرد في العاصمة, التي وصلتها بعد الصباح بقليل, أخذت أجوب الشوارع, شوارع, أزقة, حدائق, أمكنة.. لا على التعيين, ارتحت في أكثر من حديقة, نظري على الشارع, على المارة, أسأل عن حانات كنت سمعت بها قبلا من المشرد اللئيم, حانات رخيصة لسكارى أرخص, حانات كان بعضها قد أغلق, ارتدت أكثر من مقهى مبتذل, من مقاهي اليسار الحثالة, تلقيت نظرات قذرة مليئة بالشهوة المرتجلة, أو الإعتباطية, لم أيأس أنا اليائسة المحبطة, التي لا تسمع سوى نشيج خلاياها الداخلية, خلايا الذاكرة تنشج, خلايا القلب تنشج, خلايا المخيلة تنشج, غير أنني لم أكن يائسة ذاك اليأس المطلق, ونحن نموت ثمة أمل, ثمة بصيص هناك..
في مكان ما..
من
الكون.
أرى كائنات تشبهك بزّيك العبثي, بشعرك الطويل الأجعد الفوضوي, كأكثر من أي رغبة غير مدروسة, بثيابك المتسخة التي مضى عليها, زمن طويل دون أن تشم رائحة الماء. اللعنة على الأمريكان والجنز معا, ليس بإمكاني أن أكون ذاكرة لكل ذاك الزمن الغبي, الذي عليّ أن أقول بأنني كنت واحدة من ضحاياه, على صعيد الفكر, ثم على صعيد الجنس, قضيتان بمنتهى الخطورة والحساسية, قد يفقدان المرء توازنه إلى ابد الآبدين, فيما.. لو تجرعهما كخطأ صرف, غير مخلوط بمهدئات, بمسكنات, بمنقذات من نوع آخر. لم تكن تهنمي المسكنات, أو المهدئات, المنقذات, ربما كنت أتعاطى كل ذلك.. كسم صرف, وشهي, ومحلوم به, رغم أن ماهيته معروفة, أو شبه, كانت اللحظة كلها آنذاك عبث.. بعبث, رهان عبثي, على مجد العبث, أو جدواه.. اللا مجدية. انحططنا إلى الدرك الأسفل, ولم ينحط العبث, لم يرض أن يساومنا على جندي واحد من رقعته الهلامية اللا نهائية, لم يقبلنا حتى كجنود احتياط في لعبته الممتعة له.. وليس لنا, لم يخلف في دواخلنا سوى البكاء أو ما هو أمر منه.. الندم.
البكاء
الندم
زوينا
الغيبوبة
العنوسة الأكثر من مدمرة,
حتى أول ليل العاصمة, ما أزال وحيدة غريبة, كوحيدة غريبة لا تعرف أحدا, لم أر ظلك, أو شبحك, إلا كمتخيل وهمي, قد تكون اختلفت كثيرا حتى بالشكل عن ذاك المتخيل الوهمي, لا..في الحانات أنت
لا..في المقاهي أنت
لا..
على
الأرصفة
أنت
تقول لي المرأة التي تخصك: أنت هنا من أجله؟ أم من أجل الجامعة؟ يخدمني الحظ لا أكثر, إذ أنها لم تتأخر عني أكثر من نصف ساعة, لم يكن لي خجل لأداريه, لم يكن لدي عمل في الجامعة, لم يكن لدي عمل في أي مكان هنا, أجيء بفكرة وسواسية, هستيريائية, مشوبة, أو مزينة بأمل لا محدود بأن أراك صدفة على رصيف ما, في حانة ما, صدفة تفهمها فيما بعد كما هي تماما, لم أكن امرأة ذات حظ.. في يوم من أيامي, التي تذهب في الغباء, إلى الغباء, تقول لي المرأة التي تخصك: بأنني أكثر من غبية, إذ أضيع ثانية من وقتي لمجرد التفكير بك. ربما هي التي تعرف تفاصيل نزواتك أكثر مم أعرفها بمئات المرات, علاقتي بك تحكمها النزوة المجنونة, بينما علاقتها بك يحكمها العقل, لم تكن تجد فيك أكثر من حالة عبث مفلوتة, في حقول كائنات غير ملوثة بعد,
بسموم
الوجود
أو
العدم,
أو
الأيديولوجيا.
تلوثهم, ثم تتركهم للحيرة, والشك, والقلق, والهذيان, لست بأفضل حال منهم, لعليّ أسوأهم حظا, تقول لي المرأة التي تخصك: بأنكم كأيديولوجيا أسوأ من الأيديولوجيا السائدة, هم عسكر, بينما أنتم ألعن من ذلك, ولا يعول عليكم سوى بتخريب ما لم يخربه العسكر من الكائنات, آليتان تتممان بعضهما بعضا, باغتيال الكائن البائس, الباحث عن لقمة خبز إن وجدت لا أكثر, أنتما والعسكر إرهاب مزدوج, هم بالبنادق والإفراديات, وأنتم باللغة, التي قد تتفوق على لغة المسدسات أحيانا. هم بمعسكرات اعتقال جماعية لا مثيل لها في تاريخ الملوك الحمقي, وأنتم بمعسكرات أيديولوجية, لا مبرر لها سوى الإرهاب. آليتان متناقضتان في الظاهر, ولا تختلفا فيما هو عكس الظاهر,آلية القسوة, أو الظلم, هي بالأساس باطنية, ما هو باطني يبني على السر, بمعنى ما.. يبنى على التخويف والإرهاب, والتخوين. الأيديولوجيات أسرار, مراقبة, ومعاقبة, بالتالي هي إرهاب بدني ونفسي, من هنا ننتج نحن ككائنات غير سوية, كائنات مرعوبة في كل الأوقات.
امرأة تخصك
غير أنها نسخة طبق الأصل, تتكلم كما تتكلم, تنفعل كما تنفعل, تشتم كما تشتم, تضحك بسخرية فذة كما تضحك, أهي الجينات أم الإستنساخ اللغوي؟ ما كان ينقص تلك المرأة شيء كي تكون أنت سوى الذكورة, سوى العود كما كنت تلقبه, والعود باللغة الشفوية, هو الغصن الصلب, أو اللين الصلب, فيما لو حولنا الشفوى إلى فصحى,
حتى زوينا كانت تقول عن عضو كائن ما, مثل عود السنديان قد تختلف ثخانة العود, قد يختلف طوله, وقد تتباين مرونته من سنديان إلى سنديان, بين سنديان.. وسنديان, بين مكان.. ومكان, دائما نحتفل بلغتنا المواربة, لعلها تحتفل بنا ككائنات مواربة, أو متوارية من الوضوح, زوينا التي كنا نستغيبها طويلا بتلك المودة, لم تعد هي زوينا التي تغط في النوم القسري منذ سنين بيضاء, أو ملساء, علها سوداء, أظن أن زمنية الغيبوبة, ليست أقل سوادا من العتم. قد يتراءى للبعض بأنها أورانج, ثمة لكل صاحب غيبوبة أخيلة ملونة, ربما..
بأكثر
من
ألوان
الطيف.
لم أعثر لك على أثر هناك يا سيدي
والمرأة التي تخصك, تؤكد لي بأنها لم تلمحك منذ سنة, بل لم تكن بحاجة لأن تلمحك كثقل فائض عن قدرتها على الحمل, أو التحمل, إن كل ما تعرفه هو أنك تركت العاصمة منذ سنة أو أكثر, على أمل أن لا تعود إليها إلا زائرا, لأنك سئمتها, بل قرفتها, وإن مكانا تقرفه, أو كائنا تمله لا يمكنك التأقلم, أو العيش, أو التعايش معه في مرة أخرى, أتراك مللتني منذ تلك اللحظة الأخيرة, التي اكتظ رأسي بما قبلها من الوقت بوعود, ثم بأحلام أكثر من وردية, أكثر من مخملية, أكثر من خلبية؟ أنا السبب في أنك مللتني, كان عليّ أن لا أمنحك أكثر من قبلة بطعم ما, هي قبلة العاهرة اللعوب, التي تربط الكائن الذكوري برسن, من ثم تجرجره خلفها كالحمار, إلى أبد لا ينتهي, ككائن لا هو يبل ريقه, ولا هو يموت, كم كنت ستبدو سعيدا, مستمتعا بتلك الإهانة, التي بلا شك ستعتبرها علاقة حب من طراز ما.. خارقة لمألوف أقاصيص الحب, وعاديتها, واعتياديتها, على كل امرأة, أن تتتلمذ على يد عاهرة, قبل أن تقدم على علاقة حب, أو علاقة جنس. ليست شكاية مني إليك, أو مني عليك, اللحظة.. هي ليست لحظة شكاية لأحد, ليست أكثر من مساررة..
لي,
أو
لزوينا
يا سيدي
ما نزال حتى اللحظة مرتبطتين بذاك الحبل الأكثر من سري, الأكثر من وهمي, بالتأكيد.. لم يعد يربطك حبل بأي كائن كان, لا وهمي, ولا سري, لاعتقادي بأنك ما تزال تتغوط الكائنات المولعة بك, فوق أي مزبلة يحلو لك التغوط, ثم ما قولك بالإبرة الرحيمة التي يلح علي ّ طبيب زوينا باستخدامها؟ لا أشك لحظة بأنك من أنصار رأي كهذا, حتى دون أن يقع المرء في غيبوبة أبدية لا برء منها, ربما معكما الحق بكامله, هل من المعقول أن أنتظر سنوات طويلة موت كائن لا فائدة منه للحياة.. كي أستمتع بما يتوهج في داخلي كومضة برق أحيانا؟ لأفترض أن العنوسة قدري, غير أن الحاجة إلى رعشة خاطفة, كومضة برق ليست قدري, حتى لو كانت قدري.. كان يمكنني التحايل على هكذا قدر غبي, ربما تحايلت, غير أن طرق تحايلي كانت أكثر من بائسة, أكثر من فاشلة, ما أزال أفتقد إلى الحيل المقنعة, إن في السر, أو العلن, بطبعي ميالة إلى المباشرة, إلى الولولة, إلى الندب, كان يمكنني أن أكون ندابة في الجنائز, أو على القبور مقابل أجر, سيما إن كان الميت لا يستأهل البكاء من قبل أهله, أو أصدقائه,
في العاصمة, أحاول أن أقنع المرأة خاصتك, بإيجاد عمل لي أي عمل, أراهن على الوقت والمكان, في داخلي, لا يمكن لأحد أن يتبخر في مكان ما, ما لم يكن في إفرادية ما, بعيدا عن الهواء, بعيدا عن الضوء. أجل في الإفرادية الوطنية, يمكن للمرء أن يقضي ألف سنة بعيدا عن الهواء, بعيدا عن الضوء, دون تهمة واضحة, أو.. تدين المحجوز هناك, بين أصوات الكلاب, وأصوات الجلادين, والسياط, وأسلاك الكهرباء, من يقول بأن الوطن مرعب إلى هذا الحد.. ليس أكثر من مفتري, نحن نفتري على الأيديولوجيا السائدة, نفتري على الساسة والسادة, كانت زوينا تدعو لهم بدوام العز, وطولة العمر, حتى تلك اللحظة, التي تأكد لها فيها بأنني لن أعود إلا كامرأة ممزقة الشرج والفرج, والروح والأعصاب, الفكرة تتحول بالنسبة لي, إلى هاجس, إلى وسواس, غير أن المرأة خاصتك, ما تفتأ.. تحاول إقناعي بالتخلي عن فكرة عبثية من هذا القبيل, إذ أن أي امرأة تريد أن تعمل هنا, عليها أن تجد عملا عن طريق العسكر, العسكر ليس إلا, حكما عن طريقهم, بعد أن تدفعي مبلغا, أو أنه عليك أن تدفعي بجسدك لهم.. باستمرار, متى رغبوا, أو شاءوا, أي عليك أن تكوني عاهرة مجانية مدى الحياة ربما..
لحثالة,
تتداولك
بين
الأمكنة,
والأزمنة,
لم أنم تلك الليلة
المرأة التي تخصك, ليست أكثر من صورة, من صورك الكلامية, في الفهم, في حدة العداء, أو في الخطاب, نتداول هكذا.. بين الأزمنة والأمكنة, كعاهرات من أجل لقمة الخبز, بين العسكر واليسار, لا نملك الحرية في شيء سوى أن نكون عاهرات, العهر, التعهر, هو الآلية الحكيمة, أو التي بمنتهى الحكمة, لخصي المجتمع, نساء ورجالا, وما بينهما,
في الصباح الباكر
أخرج
مرة
أخرى,
إلى الشوارع, أمر من أمام المقاهي, أتأمل الكائنات عبر الزجاج, أمر وحيدة من امام الحانات, أتردد في الدخول, على الأقل لو كان شكلي قريبا من شكل الذكر, لما توانيت ربما, ليس لدي شيء أخسره هنا, في مكان لا يعرفني فيه أحد, لا أعرف فيه أحدا, ما يزال مكانك الأثير, هو الخمارة, حيث لا يتوقف اللغو الكلامي, أو الهذياني, لحظة عن التدفق, سيول من اللغو, أطنان من الهذيانات, التي تتوالد من أذهان متورمة, متضخمة, معطوبة بفعل تأثير كحول وطني خارق المفعول, لم تكن صورة المثقف, وهو يصنع تاريخه, أو مجده الفردي الصغير, بأفضل من ذلك. ربما لا علاقة لك بالموضوع من أساسه, قد تكون الصدفة هي التي قادتك, إلى زمن اللعبة ومكانها, من ثم أعجبتك كلعبة فيها من العبث ما فيها, فيها من المغامرة ما فيها, بالتأكيد ليس ثمة من حلم غير مشروع, لكن.. أن يقلب المرء العسكر, هكذا كرأس على عقب, دون أن يكون عسكرا موازيا, هنا تكمن المهزلة, أو المسخرة, أو تفاهة اللعبة وهشاشتها,لا إمكانيتها, أو غرابتها, واستحالتها,
عند الظهيرة, أيأس, أحبط, أقنط من الرحمة, من رؤياك صدفة, أو بالصدفة, عليّ أن أعود..على درج الخيبة, أجرجر نفسي بهلاك.. كأنه الهلاك, الما بعده ما يشبهه, أو يفوقه, غير أن فكرة, أن أبقى في العاصمة, حتى أعثر لك لوعلى أثر, ما تزال تلح, في طريق العودة, في الحافلة, يجلس قربي, رجل متأنق, أربعيني, أو أكثر, تفوح منه رائحة عطر ثقيل, كأنه عطر الموتى, يقرأ في جريدة بين يديه, ينظر إليّ اختلاسا بين لحظة وأخرى, أعثر على نظراته نحوي اختلاسا, في الشرق نجيد آلية اختلاس النظر, نجيد التقاطها من عين الآخر, ثم قد نقع في محنة تبادل العواطف المهترئة بعد ذلك. أستمتع بالنظر اختلاسا, منيّ.. وإليّ, هي لعبة مسلية في طريق طويل مضجر, محفوف باليأس والإحباط, بالوحدة والقسوة, لم يسبق لي أن أحسست بالغبن هكذا, بالظلم هكذا, باليأس هكذا, لم تكن نظرات الرجل الإختلاسية تبغي التعرف, أو التعارف, أقرأ فيها رغبة شهوانية, تتحرك كوامني بهذا الإتجاه, تتولد الرغبة بالكلام, أحرج, ربما الرجل أيضا يقع في طور الرغبة والإحراج, أتظاهر بالنوم, أغمض عيني, أميّل رأسي على كتف الكائن, لم أتعطر منذ الأمس, لا شك بأنه لا يشم سوى رائحة امرأة جافة دون عطر, قد لا يشم سوى رائحة عرق, إرهاق, قلق, وإحباط, ربما كنت تظني يا زوينا أنني في الريف, أنني أرسم مستقبلي, مع الكائن الذي تنظرين إلى مكانته, وأهله بما هوفوق القدسية, اللعنة.. كم نحن حمقى, ما من امرأة تمتلك ذرة من العقل, أوالتوازن, ما من امرأة تمتلك في ذهنها سوى الحماقة بأعلى أشكالها, لذلك نموت في الرجال, لذلك يموت بنا أو لأجلنال الرجال, أشباه الرجال, أشباه ما يشبههم, غيرأن حماقتي لا تشبهها حماقة, وولهي.. لا يشبهه وله, كان يقول بأن تأوهاتي لا تشبهها تأوهات امرأة من أي نوع, رغم ذلك, يبغي الساقطات, اللواتي يطلقن شهوة, أو صراخا, أو تأوهات, كما لو كن آلات تسجيل لا أكثر, أوأنه كان يكذب, كي أكون أكثر استسلاما, أكثر ذلا, المديح يذلنا نحن النساء, يحولنا
إلى
كائنات
بدون
مقاومة,
إنني اللحظة, أكثر من ملتاثة, أكثر من ملهوفة, لاهثة خلف حماقة أرتجلها, ليس من أجل أن أستمتع بالدرجة الأولى, بل من أجل أن أنتقم من نفسي من الآخر الواطي, ربما كي أستمتع با رتجال حماقة فقط. اللحظة.. أسقط رأسي على كتف الرجل, أوالكائن الذي يجاورني في المقعد, لا يتحرك, ربما يتحول فجأة إلى صنم, يرغب أن يبقى على حاله هكذا مدى الدهر, يتشمم رائحة شعري بعمق, أتشمم رائحة رغبته, أو شهوته, رائحة شم الشهوة, أكثر من خارقة بالنسبة لنا نحن النساء, نشم رائحة ما يرغبه الرجل منا, أو فينا عن بعد ألف خطوة, أو نظرة, أو حركة, نقدره تماما, نعرفه بدقة لا يخطؤها الصواب. كنت بدأت معك كمعارضة, ليس للجنس, بل للنظام السائد في المحيط, في الكون, الفكرة بحد ذاتها, هي التي أفضت بنا إلى تلك اللحظة الجنسية, ربما لو لم تكن تلك الفكرة موجودة, كنت ستبحث عن فكرة أخرى لا تقل أهمية, وإمتاعا, تفضي بنا إلى اللحظة الجنسية, لأكن مهذبة, لأقل: تفضي بنا إلى العري, أو إلى السرير, السرير, هو المفهوم الألطف في السرد العلني, لكنه الأبخس معنى في السرد السري, السرير, يحمل الجنس ومعناه, والمتجنسن عليه, أي فوقه, فيما لوعدت إلى سريرك, ذاك المهتريء وحيدا في تلك الشرفة, بعد ألف سنة ستشم عليه رائحة جسدي, رائحة تجنسني عليه.. المختلفة عن بقية روائح النساء, اللواتي تجنسن عليه أيضا, بتلك الرغبة, أو الشهوة, المتعة, أو الألم, بتلك الرعشة, أو الخيبة فيها, أو
في
الوصول
إليها.
يهزني الرجل الذي بقربي من كتفي, ثم من خصلة.. في شعري, ينبهني بأن رأسي, ربما قد أصبح في حضنه تماما, ربما كنت قد نمت بسبب عدم النوم في الليلة الماضية, نمت رغما عن أنفي, دون رغبة بالنوم, كان الهدف من الرغبة هو الإثارة, وليس النوم,
المرأة تنظر إلى نفسها, تتأمل جسدها, الذي لم يكن مستورا بالمرة, أو لم يكن عاريا بالمرة, تحتسي آخر رشفة في فنجان قهوتها, تجد أظافر أصابع يديها قد طالت أكثر من اللازم, كذلك أظافر أصابع قدميها, تنهض, تبحث عن قصاصة الأظافر, تفتح حقيبتها, تخرج منها قصاصة الأظافر, تنظر إلى الساعة, ربما ما يزال الوقت مبكرا, لكنها تعرف بأن من يقص أظافره في أول الصباح, ما هو إلا كائن ملعون في الدين, ربما في الدنيا أيضا. لا بد أن أظافر زوينا قد طالت أيضا. منذ زمن ليس بالقليل لم أقلم لها أظافرها, حسنا.. يا زوينا أنني تذكرت أظافرك. لو لم أتذكرها اللحظة, لما تذكرتها في الغد. المرأة تبدأ بتقليم أظافرها, تبردها, تتأملها, ثم تمنكرها بلون يبدو في الإضاءة الشاحبة, أوالباهتة, قاتما رغما عن أنفه, كل ما في المكان قاتم, الزمن أيضا.. لا يقل قتامة, المرأة تحضر صحنا صغيرا, تضع فيه قلامات الأظافر, تصب فوقها مادة كحولية, توقدها بعود من الكبريت, القلامات تنش محترقة, مصدرة رائحة, بالتأكيد هي رائحة كريهة جدا, غير أن المرأة تتنشقها بعمق, كأنما هي رائحة بنفسج, أو ليلك, أو ياسمين, لكن.. من هو صاحب الحظ السعيد الذي سيتناولها مع القهوة.. من فنجان صيني, أو فرنسي, وهي مخلوطة بالقليل من بول ليلك, كي يقع بهوس ما بعده هوس بحب ليلك؟ تلك الخلطة السرية, التي لا يعرفها إلا القلة, هي الكفيلة بإحضار الرجل من أطراف الأرض, إلى المرأة التي تجيد تركيبها, أو إيصالها بالطريقة المطلوبة, إلى الرجل المطلوب, هي خلطة يهودية, اللعنة على أحبار اليهود ما أوسخهم تقول ليلك, حتى أن الملك سليمان كان قد استخدم قلامات أظافره المحروقة, المخلوطة بالعسل, مع قليل من بوله, أو منيّه, مع بلقيس ملكة سبأ, التي أتته فيما بعد بأحمال من الذهب والفضة, حتى ليقال بأن الفضة كانت في أزقة فلسطين أكثر من الوحل. لا أبغي الذهب, أو الفضة ما للملوك,هو للملوك إنما أبغي, أن أرى كائنا محددا, يتمرغ هنا بين قدمي لا يقوى على الإبتعاد عنهما مقدار قلامة إظفر, أتذكر بأن الشيخ ظافر الأمي الذمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, المتشبه بالنبي, لم يكن أمامه بد من أن يفتح مخطوطه أمامي, مشترطا عليّ أن أبول أمامه, في قصعة أحضرها خصيصا للغرض ذاته, كنت قد قلمت أظافري أمامه, أناوله القلامات, يقوم بحرقها أمامي ثم يقرأ, ويستحضر طالوت ومالوت, شرشميل وبختميل, وأسماء, و كائنات, لا طاقة لذهني على حملها, أوحمل مسمياتها ومعانيها, غيرأنني لم أقو على التبول أمامه, أتبول بينماهو يحدق إلى ما بين فخذي يقرأ سورا وآيات, ثم.. كما أكد ليّ, لابد له من أن يحوّق ويكتب على الفخذين من الجانب الداخلي, وليس الخارجي, كل ذلك من أجل أن أستحضرك, من أي مكان كنت فيه, ما معنى ما يقصده من ذلك الذمي الأمي كما يلقب نفسه؟ الله وحده يعلم, ما لم أكن أنا, أو أي مغفلة تحتاج لذات الحاجة, لكن.. من الذي سيوصل إليك القهوة كي تشربها ممزوجة بقليل من بولي مع رماد أظافر أصابعي؟ بالتأكيد.. لا أحد, ما لم أكن أنا.. وأنا لا حول لي في ذلك.. ولا قوة, مجرد يائسة قانطة من الرحمة, التي يمكن أن تنزل على أدنى مخلوقات الله ما عداي, قانطة إلى هذا الحد, يائسة إلى أبعد من ذلك, والأمي, الذمي, الشيخ ظافر يؤكد لي بالمطلق, بأنه لا سحر.. بعد هذا السحر, ولا طلسم بعد..هذا الطلسم, وأن النساء, أو الرجال, الذين تجرعوه, لم ينفكوا عن نسائهم مقدار ليلة, أو نهار, إنهم في شوق دائم إليهن حتى لو كن لصيقات بهم, في الفراش, أو.. فيما يجاوره, أو يبتعد عنه, كذلك.. النساء اللواتي تجرعنه لم يقدرن على الإنفكاك, أو الإبتعاد عن أزواجهن مقدار شعرة, ها أنا أحضّر لك الخلطة, قد أضيف لها العسل, فيما لو كنت أنا التي سأجرعها لك, أفكر بهذه الطريقة, كما لو كنت امرأة علمانية, لكن ضاربة بالمرة, ثمة ابن عاهرة اتهمني بأنني ضاربة منذ وقت, أغلقت التلفون بوجهه, ولم يعاود الإتصال, ربما زعل مني ابن الزانية كائنا من كان, ليس أكثر.. أو أقل من ابن زانية, كم أنا بحاجة لكائن لأي كائن يتصل بي, أو أتصل به, لكن بمن سأتصل, الساعة تكاد تتجاوز الثانية والنصف صباحا؟ العاهرات صديقاتي فيما لو اتصلت بهن سيقلن عني بأنني أكثر من ضاربة, قد يقلن: ليلك مهبهبة, أوهابة, وقد يقلن: من أين سنحضر لها ذكرا اللحظة؟ قد يظنن بي الظنون الخبيثة كلها, قد يقلن بأنني أفكر ببغالهن البعول, أو البغول, بعولهن.. بغول مستسلمين لنزواتهن, كل منهن تظن بأنني في أي لحظة, قد أسرق منها بغلها, لذلك.. لا لغيره, يتجنبن دعوتي إلى منازلهن, يفضلن زيارتي إلى هنا, تهربا من زيارتي لهن في بيوتهن, يطنن بأنني لا أفهم مراوغتهن القبيحة, القميئة, هن قميئات, وأكثر قبحا ودمامة من مراوغتهن, لم أفكر بزوج أي منهن, ماعدا زوج هند, ذاك الحيوان العابس كجلمود صخر, ثم ما إن تبتعد هند إلى المطبخ من أجل قهوة, أو نوع من أنواع الثمار, حتى ينقلب رأسا على عقب, يصبح كائنا آخر لوقت لا يزيد عن خمس دقائق, أو عشر, يحاول ما بوسعه إغوائي, أو جري للحديث عن أزمتي الجنسية, من شدة غبائي أثرثر أمامهن في معظم الوقت عن أزمتي الجنسية, ربما أتكلم أمامهن بشكل هستيريائي بحت, أعرف أن هند مولعة بكائن آخر, تلتقيه تحت الجسر كل ثلاثاء, بإمكاني أن أوصلها إلى حد السكين, لكن لم يخطر في بالي أن أفعل ذلك, حتى لو خطر لي ذلك .. لا لن أفعل, أحبها رغم تهربها من حضوري, من محاولة حضوري إلى منزلها في الشهر ليس أكثر من مرة, كي أمتع بصري بمرأى ذاك الحيوان البعل, الذي يوحي لي دائما, أنه بإمكاني أن ألتقيه خارج المنزل, أفهم ذلك من عينية, من تحرك أذنيه, على الإطلاق لم أفكر بخيانة هند, لكنها أكثر من بقرة, لا تستطيع أن تقرأ القهر في داخلي, حين أحتاجها فقط.. كي تؤنسني بكلام براق, معسول, منافق, يخفف عن كاهلي قليلا من اليأس, من الإحباط, أتحطم أمامهن, ولا يبالين بي, إلا كجرب قد يخطف منهن ذكرا تافها لا يستأهل أدنى مغامرة, أو حتى مجرد تفكير بمغامرة,
دائما أحبك
أسمع نصائحك ,
ثم تعاقبينني يا زوينا,
في الكافيتريا على الطريق العام, بعد أن ترجلنا من البولمان, من أجل استراحة ركاب قصيرة, يجلس الرجل قبالتي تماما, بعد أن يحضر فنجاني قهوة ذات طعم مبتذل, نتبادل بعض كلام لبق, ننظر في عيني بعضنا بنوع من الكياسة الحالمة, أو الشاعرية, يعرب لي عن إعجابه, أو دهشته برائحة شعري, التي تشممها بعمق, بعد ساعتين أخريين من السفر, والحوار, والحكي الذي بمعنى, أو بلا معنى ربما كنا قد.. تعارفنا بما.. يزيد عن الكفاية, بحدسي المرضي, أقدر الأمور جيدا, أستخرج الرغبات الدفينة, من نفس الكائن, أقرأها, أعيد ترتيبها, أو منتجتها إن شئت الدقة, أعرف أنك لا تعرفين ما معنى منتجة الكلام, كنت تصفين كلام دجالك بالعسل, بعد أن يتذوق رضابك, يقال بأن الرضاب, لا يذاق إلا بعد حالة وله المرأة, أو جنونها شبقا بالعشيق, أو الخليل, أي أنها تقع في الغيبوبة متعة, من نصيبك دائما.. الغيبوبة اللعينة, مرة تقعين فيها متعة قصيرة, مرة تقعين فيها ألما طويلا, مبرحا, يشتهي فيها المرء.. موت المرء, بعد يأس, أو ضيق, أو حالة عصاب هستيريائي, قليلة هي المرات التي رغبت فيها بموتك, حيث العصاب على أشده يقتل الرؤيا, والإرادة الحرة في التعبير الكلامي عن الحالة, مرة في الريف, عن غير قصد, أو إرادة, لم أتوان عن البصاق على وجه طبيبك المعتوه, وضربه بكل ما كانت تقع عليه يدي, لا لشيء..إلا لأن عصابا غامضا استبد بي, فما كان من حيوانك, إلا ان يهرب إلى غرفة أخرى, قافلا على نفسه الباب, أسجنه في الغرفة ككلب بائس لم يزيد عن نصف ليل, أحسست به يموء هناك كهر وضيع, هو بالفعل ليس أكثر من هكذا, أي هر وضيع, يحاول ما بوسعه أن يكون أليفا, بل ذلولا.. متذللا إلى أقصى حد, لا أحب الكائن المتذلل, لأنه أشبه ما يكون بالكائن المقرف المثير للنرفزة, أو الهستيريا, لست أكثر من أسيرة كائن, يمضي في المواخير والخمارات, إلى النهاية, يمضي في العاهرات إلى اللا عودة. أتمنى أن يبتعد غدا ألف سنة, كي لا أتسطح على ظهري تحت طبيبك الحيوان, كجثة تنتظر ولوج الدود في تفاصيلها خلية خلية, كي أمد في عمرك أسبوعا, ربما شهرا, عاما, أو أعواما لا تحصى, لم أعد أنتظر موتك, بما أنني أدمنت اليأس, أو القرف, التقزز, أو الإحباط, أحيانا يتولد بصيص أمل في العتمة الكالحة, أو أتوهم ذلك بمفردي كامرأة تمتلك الحماقة رأسها طيلة الوقت.
لم يكن أمامي بد من أن أقبل دعوة الرجل إلى بيته, في ظاهر المدينة, كنت قد أذنت ليّ بيومين, اليومان لم ينقضيا بعد, قلت: أسدد ضربة قاضية ليأسي, لقنوطي, لإحباطي, قلت: أنتقم من فشلي بعثوري على ذاك العبثي الموغل في التشرد غير العابىء بأي ألم يخلفه وراءه في أرواح كائناته, قلت: أنتقم منه بكائن طارىء, تافه, لا يستطيع أن يدرك أي بعد من أبعاد رغبتي الطارئة فيه, أفتعل الكلمة, الضحكة, أو الإبتسامة الغامضة, المثيرة للشبق ربما, لم يتوان لحظة, طيلة وقت السفر, عن محاولة إيهامه لي بأنه من الكائنات الشعرية المهمة, أو المعروفة, حتى اسمه لم يكن غريبا عني, ربما ذكره أكثر من مرة, ذاك العبثي المشرد أمامي بنوع من السخرية الفظة, أعرف أن هذه الكائنات, أو ما يسمى بالبهائم الرقيقة, أو اللطيفة, تسخر من بعضها بعضا إلى حد لا يصدق, لا يمكن لأحدهم أن يقتنع بالآخر كحالة خاصة أو مميزة, أو مبدعة, في المحصلة قد يكتشف المرء بأنهم جميعا, أو كل بمفرده هو عبارة عن عصابة سرقة أدبية, أو فكرية, ربما هم قطاع طرق بامتياز, لا يحملون في دواخلهم الهشة, سوى ورم العظمة اللعين, يتباهون به أينما حلوا, أو رحلوا, يصطادون به امرأة من هنا, أو عانسا مثلي من هناك, لم يكن يهمني الموضوع كله, تعرفين ما الذي يهم المرأة, حين لا تفكر إلا بالإنتقام فقط, دون شيء آخر. كل منا تجد متعة مؤقتة بالإنتقام, بعضنا تستعذب الحالة, تكررها مرات ومرات, بعضنا يأكلها الندم بعد الحالة ما عاشت, ربما أنا لا علاقة لي با لموضوع, ربما أقحم فيه أنفي رغما عني, كي أتشابه مع أفراد جنسي النسوي, نحب أن نخلق مأساة كي نبكي عليها, فوقها, أو قربها, أو تحتها كل العمر, لا يطيب العيش لامرأة في الشرق, دون أن تكون مكبلة بخيوط كارثة عاطفية, تبيح لها الإنهزام, أوالقنوط, أو الخيانة, دائما.. عليها أن تهرب إلى كائن آخر, من أجل كارثة أخرى, تستعذب فيها ألمها, ومتعتها المسروقة, من وراء أعين أطفالها, أو زوجها, أو أهلها,
أشعر بأن جسدي أكثر من لزج, أو أكثر من دبق, في شقة هذا الكائن الطارىء, الذي ارتأيت أن أخطط معه دون أن يدري من أجل أن أدخل في كارثة, أو مأساة جديدة, قلت: أنتهي من كارثة العبثي إلى الأبد, ثم أتكيف مع الكارثة الطارئة كيفما اتفق, أنسى الكائن بكائن آخر, ليس مهما أن يكون أقل.. أو أكثر تفاهة, أو نذالة, ليس قلبي فقط.. بل حتى دماغي يؤلمني ألما لا يطاق, قد يقترب في لحظات كثيرة, من الألم الذي يعاني منه المجانين في تلافيف المخ وتوابعه, أتدارك حالة جنوني قبل وقوعها, لا يفصلني عن الجنون سوى تلك الشعرة التي لا يمكن لأحد أن يقبض عليها في الوقت المناسب. بملء إرادتي أرتاد الحمام, أترك الباب مواربا, أتعرى قطعة قطعة, ينسكب الماء على شعري وعيني, على جسدي, أشعر بالإنتعاش, لم أشعر بوجود الكائن, كأنه لم يراقبني, أو يتلصص على عري جسدي, أطلت فترة بقائي في الحمام عن عمد, عن قصد, أملة أن يأتي كفارس من كرتون, كي يرتاد عريي أو يركب جسدي, رغباتي تنهزم, أكثر مما أنهزم أحيانا. كثيرا ما أحلم بكائن يمتطي عري جسدي في الحمام, حيث أشعر أنه المكان الوحيد الذي يشعرني بأهمية جسدي, أتامل تفاصيله الدقيقة تفصيلا.. تفصيلا, أعيد تأمله, ثم أعيد.. وأعيد, يخيل لي بأنه جسد فريد من نوعه يختلف عن أجساد النساء قاطبة, هنا في هذا المكان أنظر إلى ماعداه من الأجساد, نظرة دونية شبه مطلقة, ما لم تكن كذلك, أرغب جسدي, أشتهيه, أرغب أن أكون رجلا كي أرويه بتلك المتعة الخارقة, حين تنكفيء رغباتي كلها, تنقذني أصابعي من الويل, من النار, من الوله, من الإحتراق بوحدة منقطعة الشبه, أصابعي النبيلة, تخفف من احتقاناتي, تفرج عني كثيرا من الكرب, أخشى في معظم الوقت من حمّامّاتي المتكررة, أن تنقلب رغباتي الحرة, إلى ما يماثلني في الجنس, لا أخفيك سرا, بأنني كثيرا ما احتلمت بمامي, كنت أستيقظ مرعوبة من تشهقاتها, وتأوهاتها, أستيقظ أنظر حولي, قربي في السرير, أحمد الله على أن ذلك لم يكن سوى احتلاما طارئا, أو.. كابوسا خبيثا. غير أن تلك الإحتلامات لم تكن سيئة, إذ أنها في المعظم تصطحب معها رعشة خارقة, لا يستطيع الكائن تقديرها حق قدرها, حتى أن الإستيقاظ الهلع يأتي مباشرة, بعد أن تهز الرعشة بنياني كاملا, أتفقد بنياني بعدها, أتيقن من أن لجسدي تلك السطوة, التي لا يعرفها أحد غيري, ربما ذاك العبثي اللعين فرّ من سطوة جسدي عليه, قبل أن يضحمل, أو يتذلل أمامه,