بعد وفاة والدي، رفضت والدتي الاستجابة لمحاولاتنا المتكررة في إقناعها بالذهاب إلى جبل ”عين الزرقا " متنزهنا الأول في سلمية.
هي لا تتصوّر وجودها فيه، متنزهةً، تشرب على سفوحه " المتّة " دون زوجها.
كفّت ”المتة ” عن كونها طقساً برياً لدى أمي، وأضحت عادةً، مجرد عادةٍ بيتــيّــةٍ.
هي، مذ اختفى شقيقي "حيان" معتقلاً بتاريخ 16 ـ 07 ـ 2012 ، وبحسرةٍ، ترفض شرب " المتـــة "، لأن "حيان" كان يحبها ويفضلها على باقي المشروبات، فتحتسيها معه، بعد أن تعدّها له، مؤنسةً وحشته في مقارعة الكتاب التي انتهت بنتيجة 232 درجة في الثانوية العامة.
بين "المتة" وأمي وشائج: هي من مدينة "عامودا" في الجزيرة، حيث لا تعدّ "المتة " مشروباً مركزياً، وتزوجت شخصاً من مدينة "سلمية"، متحملةً عواقب بعد المسافة بين مدينـتَيْ المهد و "المتة"؛ وهي مسافة جعلتها لا ترى أهلها إلا مرةً كل سنةٍ، وتعيش في وسطٍ "غريب" عليها، يعتبر "المتة " جوهريةً فيما يحتسي.
هذه السيدة أنجبت خمسة أبناء. على الرغم من الفقر سهرت على جعل أربعةٍ منهم أطباء، آخرهم "حيان" عاشق ” المتة ” المعتقل، ذو المرتبة الأولى على زملائه في كلية الطب، ثم أضيف إلى أبنائها طبيبان آخران التحقا بأسرتها: صهرٌ وكنــة.
ثلاثة مذاهب يُحسب عليها أعضاء أسرتها التي تتربع على رأس أمومتها؛ فهذه الأم، لم تمانع أن يتزوج ابناها وابنتها من "غرباء" ، ألم تخض هي تجربة الزواج من "غريب" ؟ لماذا ترفض ذلك ما دامت نتائجه كما عاينت وصنعت بتجربتها الخاصة؟
أما عن تجربتها الخاصة تلك، فمن بعض ملامحها، أنّ أمي كانت تحفر مع والدي أساسات وحفرعواميد بيتنا، وتنقل البلوك، توفيراً للتكاليف .. وتشرب "المتة" مع زوجها أثناء استراحاتهما.
في عيد الأم الأخير هنأتها من ملجئي القسري في ألمانيا عبر الفيسبوك قائلاً:
ـ أهنئك يا أمي بمناسبة عدم العثور على صورة عاشق "المتة" بين الصور المسربة للمقتولين في السجون.
وعبر الفيسبوك ذاته، أنهي أحياناً بعض منشوراتي بعبارة يخالها البعض تهكمية تقول " قايـــم أعمل كاسة متة".. من يحسبني ساخراً فيها لا يعرف ـ ربما ـ أية منزلةٍ للمتة في قاموسي، وأنني أحثّ بذلك أمي للعودة إلى شربها، ولو على سبيل العادة البيتية، بعد أن جردها الزمان من احتمال اجتماعنا ثانيةً، لتمارسها طقساً برياً، هناك، على سفوح جبل "عين الزرقا " ... في سلمية.