خارطة طريق دولية لحل المسألة السورية
ماجد كيالي
2018-02-10
بعد إعلان ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي، مؤخرا، استراتيجية بلاده المتعلقة بكيفية وضع حد للصراع الجاري على سوريا، (راجع مادتي: “رسائل أميركية إلى روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل”، “العرب”، 22 يناير)، بات واضحا أن الولايات المتحدة أضحت معنيّة بالانخراط بصورة أكبر، سياسيا وعسكريا، في هذا البلد، وأنه بات لديها رؤية سياسية معينة لذلك، بعد أن كانت تلك السياسة غير مفهومة طوال السنوات السبع الماضية.
معلوم أن هذا الإعلان ترافق مع تصريحات تفيد بوجود ثماني قواعد عسكرية أميركية في شمالي وشرق سوريا، في منطقة شرق الفرات، وتخصيص الإدارة الأميركية لـ400 مليون دولار لدعم فصائل المعارضة السورية العسكرية، وأن الولايات المتحدة ستركّز جهودها على تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وضمنه إغلاق “الكرادور” بين إيران ولبنان، وأن إبقاء وجودها ليس مرتهنا لمنع تنظيم داعش من الظهور مرة أخرى، فقط، وإنما لتحقيق الانتقال السياسي في سوريا أيضا، مع تأكيدها أن العملية السياسية الوحيدة لتحقيق هذا الانتقال ستكون في جنيف، أي ليس في أستانة ولا في سوتشي، وأن أي دعم لإعمار ما دمرته الحرب في سوريا سيكون بعد الانتقال السياسي وليس قبله.
على أي حال فإن الإعلان الأميركي المذكور سرعان ما تحوّل، بعد أسبوع من إصداره، إلى “خارطة طريق” دولية، في اجتماع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن، في باريس (24 يناير)، حيث صدر في ختام هذا الاجتماع ما يمكن اعتباره الوثيقة الدولية الثالثة بشأن حل الصراع السوري، بعد بيان جنيف 1 (2012) ووثيقة فيينا (2015)، والتي تبنّاها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2254.
الوثيقة الثالثة، التي طرحت باسم “اللاورقة”، بعثت برسالة إلى الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، لا سيما روسيا وإيران وتركيا، تفيد بأنه لم يعد من المقبول تفرّدها بتقرير مصير سوريا وتقاسم النفوذ فيها، وأن مرحلة توكيلها بإدارة الصراع قد انتهت، وأن لا حل للصراع إلا عبر مفاوضات جنيف، وتحت مظلة الأمم المتحدة، وقد تم إيداع هذه الوثيقة في الأمم المتحدة، ما يفسّر موقف أمينها العام، ومبعوثه ستافان دي ميستورا، من مؤتمر سوتشي، مع الشروط على طرحها على هذا المؤتمر، والتي حجمت الطموحات الروسية من وراء عقده، كما أن هذا الموقف بالذات هو الذي يقف، على الأرجح، وراء تصلّب موقف المعارضة، المتمثل برفضها المشاركة في المؤتمر المذكور.
أما الجديد في هذه الوثيقة “اللاورقة”، فيتعلق، أولاً، بالدعوة إلى التركيز على مسائل الدستور والانتخابات، في جهود المبعوث الدولي دي ميستورا للتسوية في سوريا، في تجاوز لإحدى سلاله المتعلقة بالحكم الانتقالي، وهي النقطة الأهم في بيان جنيف 1، بيد أن ما يفترض ملاحظته هنا هو أن هذا التجاوز ليس تسليما ببقاء بشار الأسد، وإنما هو محاولة لإدماج هذه السلة في سلتي الدستور والانتخابات، وذلك بتعديل أو تحديد صلاحيات الرئيس، مقابل منح صلاحيات موسعة لرئيس الحكومة، مع عدم ربط موافقة الرئيس على تعيين رئيس الحكومة أو أي من أعضائها.
كما نصّت الوثيقة على تشكيل برلمان من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كافة الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية، وأيضاً من دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان، أي أن الحديث هنا يجري عن حكم برلماني، أو نصف رئاسي ونصف برلماني، على الطريقة الفرنسية مثلاً، مع حديث عن لا مركزية السلطة، ومنح سلطة واضحة للحكومات الإقليمية (والقصد إدارات حكم) استنادا إلى مبادئ اللامركزية. وضمن تحديد صلاحيات الرئيس، أيضاً، أكدت “اللاورقة” على الفصل بين السلطات، وأن يكون القضاء مستقلاً، بما في ذلك إبعاد السلطة الحالية للرئيس عن رئاسة المجلس القضائي، ومنح السلطة القضائية المكانة الواضحة التي تضمن الاستقلالية الكاملة للقضاة.
المهم أن “اللاورقة” مسّت بقدس أقداس النظام، أي الأجهزة الأمنية والجيش، في تأكيدها على إصلاح قطاع الأمن بضمان الرقابة المدنية على الأجهزة العسكرية والأمنية، ووضع حد للإفلات من العقاب على أعمال الأجهزة الأمنية من خلال آليات قوية للرصد والمسؤولية.
أما في ما يخصّ الانتخابات، فقد نصّت تلك الوثيقة على إجراء إصلاحات على المواد التي تحكم الانتخابات، بما في ذلك استبعاد القيود المفروضة على الترشّح، خصوصاً تمكين اللاجئين والنازحين، ومن تمّ نفيهم من سوريا، من الترشح للمناصب الحكومية بما في ذلك منصب الرئيس. وذلك مع تأكيدها على ضرورة ضمان الحقوق والحريات الأساسية لجميع السوريين.
الفكرة هنا أن “اللاورقة” تحاول اعتبار إزاحة نظام الأسد كتحصيل حاصل لعملية تغيير الدستور، إذ الحديث يدور عن دستور جديد، وليس إصلاح الدستور القديم، وهذا ما يفسر تأكيد نظام الأسد على إصلاح الدستور القائم، ورفضه أي عملية سياسية لا تتضمن استمرار نظام الأسد.
هكذا، نحن إزاء وثيقة دولية جديدة بخصوص سوريا، بعد ستة أعوام على بيان جنيف 1، وبدء المسار التفاوضي بين النظام والمعارضة، برعاية الأمم المتحدة، تخللها ثماني جولات تفاوضية لم تجد شيئاً البتّة، ضمنها خمس جولات في العام الماضي لوحده، كما تخلّلها شق مسار تفاوضي آخر، في ثماني جولات تفاوضية أخرى، في أستانة، العاصمة الكازاخية، منذ مطلع العام الماضي، إضافة إلى عقد روسيا مؤتمر سوتشي، الذي تمخّض عن فشل سياسي ودبلوماسي كبير لها.
في كل الأحوال فإن المعارضة السورية، سيما في أوضاعها الصعبة، معنية بملاحظة هذا التغير المهم، الذي يسحب البساط من تحت أقدام النظام، واستثماره عبر تقاطعها مع هذا الموقف الدولي المهم، لترسيخه وتطويره، بدلاً من البقاء في مجرد الحديث عن الانتقال السياسي أولا، لأن هذه النقلة الدولية تفيد بأن الانتقال هو تحصيل حاصل، مع دستور جديد وعملية انتخابية جديدة تحت مظلة الأمم المتحدة.
المصدر: العرب