المعارضة السورية ومخاطر الارتهانات الخارجية
ماجد كيالي
خاص ألف
2018-06-23
فوجئت أوساط واسعة من المعارضة السورية، بترأس أحمد طعمة للوفد المفاوض في أستانا؛ لأنه من خارج منظومة فصائل المعارضة العسكرية، ولأن تعيينه لم يأت من خلال الكيان السياسي الرسمي للمعارضة في الخارج، أي الائتلاف، بمعنى أنه عُيّن من قبل تركيا، الدولة المنخرطة في مسار أستانا كطرف ضامن للمعارضة، لذا فقد بدا كتحصيل حاصل ذهابه، فيما بعد، بصفته تلك، للمشاركة في مؤتمر سوتشي (رغم تعذر حضوره ذلك المؤتمر).
المشكلة هنا هي في مغزى قبول طعمة لهذا المنصب، أو لهذا التعيين، الذي جاء من خارج، أو من وراء، التشكيلات السورية المعارضة (السياسية والعسكرية والمدنية)، علمًا أنه كان ترأس الحكومة المؤقتة (الأولى) التي شكلتها المعارضة لعدة سنوات، وهو أمر يضع علامة استفهام، حول صدقية كثير من شخصيات المعارضة التي تبدو مستعدة لأي خيار، أو لأية إملاءات، خارجية، بغض النظر عن رأينا بطبيعة هذه الإملاءات، سواء أكانت سلبية أم إيجابية، في ظروف تبدو فيها المعارضة أحوج ما تكون لتعزيز صدقيتها وصورتها أمام شعبها.
بيد أن المفاجأة كانت أكبر حينما أدلى طعمة، قبل أسابيع، بتصريحات قلّل فيها من شأن مفاوضات جنيف، علمًا أنه محق في ذلك، لكن ليس للأسباب التي طرحها، ففي حين اعتبر طعمة أن مفاوضات أستانا هي الأكثر فاعلية وحيوية، بالمقارنة مع مفاوضات جنيف، وأن روسيا باتت هي اللاعب الأكبر في هذا الصراع، فإن المعطيات تفيد بأن لا مفاوضات جنيف ولا مفاوضات أستانا ستؤدي إلى أي نتيجة، وأنها مجرد تقطيع للوقت، وإبراء ذمة من المجتمع الدولي، لا أكثر. وتفسير ذلك أن القوى الدولية الفاعلة في الصراع السوري، وخصوصًا الولايات المتحدة، لم تحسم أمرها بعد بشأن إنهاء الصراع في هذا البلد، ولأن الاستراتيجية المعتمدة أميركيًا، حتى الآن، هي الحفاظ على ديمومة هذا الصراع، في حدود معينة، ووفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، مع ترك البلد مفتوحًا على مصراعيه للتدخلات والتنافسات الخارجية. أما بخصوص روسيا فمن الواضح أن صعود دورها جاء وفقًا لتلك الاستراتيجية الأميركية، وليس بالضد منها، لأن هذا يخدم استمرار الصراع، ويخدم وضع الدول المتدخلة (لا سيما روسيا وإيران وتركيا) في مواجهة بعضها، إضافة إلى أن الولايات المتحدة أوضحت مرارًا، في توجيه ضربة لمطار حميميم، والضربة الثلاثية (نيسان/ أبريل الماضي)، وفي فرضها خطوطًا حمرًا في شرقي الفرات وجنوبي سورية، أنها هي من يتحكم في الصراع السوري، وفي أدوار القوى الفاعلة فيه: روسيا وإيران وتركيا.
أيضًا، قبل يومين، أدلى طعمة بتصريحات جديدة يحيل فيها إلى تركيا حقَّ تحديد وفد المعارضة السورية إلى لجنة صياغة الدستور، المزمع تشكيلها من قبل المبعوث الدولي دي ميستورا، باعتبار أن تركيا هي الدولة الضامنة للمعارضة، بقوله: “إن اتفاق الأمم المتحدة مع الدول الضامنة، في ما يتعلق باللجنة الدستورية، ينص على أن الضامن التركي هو المكلف بتقديم أسماء المعارضة، سواء أعجبنا هذا أو لم يعجبنا.. وأن دي ميستورا ملزم بتبني القائمة التركية”.
من الواضح أن تصريحًا كهذا ينزع عن المعارضة صفتها الوطنية، أو الاستقلالية، ويعطي تركيا حقّ الوصاية أو الولاية عليها، علمًا أن ذلك يضر بصدقيتها، كما قدمنا، ويظهرها كأداة في يد هذه الدولة أو تلك، وكأنها فاقدة الإرادة، يفاقم من ذلك أن المعارضة السورية تفتقر إلى كيان سياسي جمعي، يحظى برضا أغلبية السوريين (غير الموالين للنظام)، ناهيك أن هذا يضعها، أمام شعبها، في مكانة دونية، أو تابعة، إزاء دولة إقليمية، وهذا غير صحيح في العلاقات التحالفية، التي يفترض أن تنبني على الندية، وعلى احترام المصالح المتبادلة.
المشكلة عند المعارضة، كما يبدو، تكمن في ضعف إدراكاتها لاعتبار أن التحالفات مع الأصدقاء يفترض أن تخدم المصلحة الوطنية، مع الاستقلالية في القرارات، فهذا ما يفيد، وما يخدم إيجابيًا الطرفين؛ أمّا أن تنبني على التبعية والذيلية، وإملاء طرف على طرف آخر، فإن ذلك يضر بالطرفين، وبصدقيتهما، ولا يخدم إقامة علاقة إيجابية مستقبلًا. وهو ما تم لمس خطورته، سواء في قصور تمثيل الائتلاف ككيان سياسي، واضطراب مواقفه السياسية، والميدانية، ولا سيما إزاء “جبهة النصرة”، وإزاء خطابات الكيانات الإسلامية المتطرفة، كما تم تلمس ذلك في السكوت عن الانسحاب من مواقع المعارضة في حلب، لصالح عملية (درع الفرات)؛ ما أدى إلى سقوطها (أواخر 2016)، ثم في الذهاب إلى عملية (غصن الزيتون) في عفرين، رغم أن ذلك قد يتسبب في خلق مسألة كردية في سورية، في حين تترك “جبهة النصرة” للتوسع في إدلب وريفها.
اللافت أن الكيان السياسي للمعارضة، أي “الائتلاف”، و”الهيئة العليا للتفاوض” صمتت، ولم تتخذ موقفًا من تصريحات طعمة، كأنها توافق عليها، أو كأنها راضية، بها، وهو أمرٌ لا يخدم خلق إجماعات وطنية لدى السوريين، غير الموالين، كما إن ذلك يقوض صدقية هذه الكيانات عند أغلبية السوريين، الذين هم بحاجة إلى كيان سياسي جمعي يعبّر عنهم، ويمثلهم هم، بدلًا من أن يمثل هذه الدولة أو تلك.
أعتقد أن طعمة بهذه التصريحات، التي هو بغنى عنها، وبغض النظر عن نيّاته، يخسر من رصيده، ويضع نزاهته الشخصية والأخلاقية على المحك، وهذا ما لا أرضاه له ولا لغيره، لا سيّما أنها تصريحات لا تفيد شيئًا، في مفاوضات لن تجدي شيئًا، تمامًا مثلما أن المعارضة الرسمية بسكوتها، الذي اعتادت عليه في مواقف مماثلة تمس بهذه الدولة أو تلك، تبدّد ما تبقى من رصيدها، بعد كل ما مر به السوريون من تجارب وكوارث. ما يجب أن تدركه المعارضة أنها لا يمكن أن تنال ثقة شعبها واحترامه لها، ما لم تتمثل حقوقه ومصالحه، وما لم تتمثل ما يليق بكرامته، في ثورة انطلقت أساسًا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة.